المحتوى الرئيسى

آخرهم أشرف فياض.. مبدعون على حبل المشنقة

11/21 14:47

«الخيل والليل والبيداء تعرفنى.. والسيف والرمح والقرطاس والقلم».. يظل هذا البيت بمفرده قصيدة، تتوارثها الأجيال، ويحفظها الصغير قبل الكبير عن ظهر قلب، لكن قليلين من يعلمون أن تلك الأبيات قتلت شاعرها.

شهد التاريخ وقوف عددًا كبيرًا من المبدعين أمام القضاء، ليحكم عليهم بالإعدام، بسبب قصائدهم أو مواقفهم السياسية، وآخرهم الشاعر الفلسطينى أشرف فياض.

أصدرت محكمة سعودية، مؤخرًا، حكمًا على «فياض» بالإعدام، على خلفية اتهامه بالإلحاد والتشكيك فى الذات الإلهية، بسبب نشره ديوان شعر عام 2008، بعنوان «التعليمات بالداخل»، ما يحيلنا لشعراء سبقوه حكم عليهم بالإعدام أيضًا، كمظفر النواب الذى استطاع الهروب من السجن، وغيره...

شاعر عراقى معاصر، ومعارض سياسى بارز، وناقد، تعرض للملاحقة والسجن فى العراق، عاش بعدها فى عدة عواصم منها بيروت ودمشق ومدن أوربية أخرى.

ينتمى بأصوله القديمة إلى عائلة النواب التى ينتهى نسبها إلى الإمام موسى الكاظم، وهى أسرة ثرية مهتمة بالفن والأدب، لكن والده تعرض إلى هزة مالية أفقدته ثروته.

فى عام 1963 اضطر لمغادرة العراق، بعد اشتداد التنافس بين القوميين والشيوعيين، الذين تعرضوا إلى الملاحقة والمراقبة الشديدة من قبل النظام الحاكم، فكان هروبه إلى الأهواز عن طريق البصرة، إلا أن المخابرات الإيرانية فى تلك الأيام ألقت القبض عليه، وهو فى طريقه إلى روسيا، وسلمته إلى الأمن السياسى العراقى، فحكمت عليه المحكمة العسكرية هناك بالإعدام، إلا أن المساعى الحميدة التى بذلها أهله وأقاربه أدت إلى تخفيف الحكم القضائى إلى السجن المؤبد.

وفى سجنه الصحراوى واسمه نقرة السلمان، القريب من الحدود مع السعودية، أمضى وراء القضبان مدة من الزمن، ثم نقل إلى سجن الحلة الواقع جنوب بغداد.

فى السجن حفر مظفر النواب ومجموعة من السجناء نفق من الزنزانة يؤدى إلى خارج أسوار السجن، وبعد هروبه المثير توارى عن الأنظار فى بغداد، وظل مختفيًا فيها ثم توجه إلى الجنوب، وعاش مع الفلاحين والبسطاء حوالى سنة.

وفى عام 1969 صدر عفو عن المعارضين، فرجع لبلاده ثم غادر بغداد إلى بيروت فى البداية، ومن ثم إلى دمشق، وراح ينتقل بين العواصم العربية والأوروبية، واستقر به المقام أخيرًا فى دمشق.

شاعر عربى من منطقة الأحواز الإيرانية، وناشط فى الثقافة العربية، عمل كمدرس للغة العربية فى مدرسة ثانوية، وكتب الشعر باللغتين العربية والفارسية.

اعتقلته السلطات الإيرانية عام 2011، وظهر على التلفزيون الإيرانى ليعترف بأنه ينتسب لتنظيم إرهابى مسلح، لكن منظمات حقوقية رفضت الاعترافات على أنها انتزعت تحت التعذيب.

حكم عليه فى عام 2012 بالإعدام بتهمة المحاربة ونشر الفساد فى الأرض وتهديد الأمن القومى ونشر الإشاعات الكاذبة عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأعدم شعبانى شنقًا، بعد تصديق الرئيس حسن روحانى على الحكم.

وكتب قبل إعدامه شعرًا: «سبعة أسباب تكفى لأموت، لسبعة أيام وهم يصرخون بى: أنت تشن حربًا على الإله! فى السبت قالوا: لأنك عربى. فى الأحد: حسنًا، إنك من الأحواز. فى الاثنين: تذكر أنك إيرانى. فى الثلاثاء: أنت سخرت من الثورة المقدسة. فى الأربعاء: ألم ترفع صوتك على الآخرين؟ فى الخميس: أنت شاعر ومغنٍ. فى الجمعة: أنت رجل، ألا يكفى كل هذا لتموت؟».

اعتقلته السلطات الموريتانية فى يناير 2014 بتهمة الإساءة إلى الدين الإسلامى والاستخفاف بالرسول محمد، على خلفية مقال كتبه ونُشر على عدة مواقع إلكترونية موريتانية.

بعد الهجوم عليه كتب الشاب مقالًا توضيحيًا، أكد فيه عدم توجيه الإساءة للرسول، وإنما الغرض من كلامه توضيح وقائع تاريخية.

فى 24 ديسمبر 2014، أصدرت محكمة مدينة نواذيبو حكمًا على ولد أمخيطير بالإعدام، بعد توجيه الاتهام له بالردة، بينما أكد المحامون أعضاء لجنة الدفاع عن الشاب أنه أعلن توبته عن هذه الكتابات، وأنه لم يقصد أى طعن فى الدين، فيما لم تأخذ المحكمة هذه التوبة بعين الاعتبار أثناء إصدار الحكم عليه.

كان للحكم أصداء دولية فى الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الحقوقية، إذ استنكرت السلطات اعتقال الشاب لمجرد تعبيره عن رأيه، وأكدت على لسان سفيرها لدى الأمم المتحدة أن اعتقاله جاء لحمايته من الغضب الشعبى العارم ضده.

مؤرخ وأديب وسياسى، ولد ببيروت سنة 1893، اشتغل بالصحافة وأصدر عدة صحف منها الأصمعى والمفيد، وعندما احتل الفرنسيون سوريا رحل إلى عمان، وحكم عليه الفرنسيون بالإعدام مرة، وصادروا أملاكه، ثم عفوا عنه، ثم أصدروا عليه حكمًا بالإعدام مرة أخرى، بحجة تأييد الثورة ضد الاحتلال الفرنسى.

انتقل الزركلى من عمان إلى القاهرة إلى الحجاز إلى القدس، ثم انتهى به المقام فى العمل بالسلك الدبلوماسى السعودى، وعمل سفيرًا لها بالمغرب واشترك فى مباحثات تأسيس جامعة الدول العربية مندوبًا عن السعودية، حتى توفى خير الدين بالقاهرة ودفن بها.

وجهت محكمة عسكرية إليه عام 1940 تهمة الانتماء إلى الثورة ضد ديكتاتور إسبانيا الجنرال فرانشيسكو فرانكو، وحكمت عليه بالإعدام استنادًا إلى القانون العسكرى لعام 1890، لكن الحكم لم ينفذ، وتوفى الشاعر فى سجنه بعد سنتين.

طالبت أسرته، بعد وفاته، إسقاط حكم الإعدام عنه، لكن فى 2012، قرّرت المحكمة الدستورية الإسبانية رفض طلب عائلة الشاعر الإسبانى، وقال محامى العائلة، كارلوس كانديلا، آنذاك: المحكمة الدستورية لم تدرس المسألة مليًا».

سلسلة تاريخية من الملاحقات مع السلطة لا تنتهى، قابلها الإبداع، سواء الشعرى أو الروائى، وواجه المبدعون بمختلف توجهاتهم دوائر القضاء، فحكمت عليهم بالسجن أو النفى، أما الشاعر الفلسطينى المقيم فى السعودية فقد حكم عليه بالإعدام، بتهمة الترويج لأفكار إلحادية وسب الذات الإلهية، على خلفية نشره ديوان شعر عام 2008، بعنوان «التعليمات بالداخل».

"فياض" اعتقل عام 2013، بناء على شكوى تقدم بها مواطن لهيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، جاء فيها أن فياض يحمل أفكارًا مضللة، لكن أخلى سبيله بعد يوم واحد لعدم توفر الأدلة، وعادت الهيئة لاحتجازه مطلع يناير 2014، بمدينة أبها، جنوب غربى السعودية، على خلفية اتهامه "بالتشكيك بالذات الإلهية"، وفرض الحظر على زيارته، كما تم منعه من توكيل محامى، حتى حكم عليه بالإعدام.

الشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى قال لـ«مبتدا»، تعليقًا على الحكم: لابد أن نعترف أن هناك نوعًا من التشدد البالغ اجتاح العالم العربى والإسلامى، هذا التشدد ليس محصورًا فى جماعات الإسلام السياسي والجماعات الإرهابية فقط، لكن أيضًا موجود فى المؤسسات الدينية الرسمية، وهناك ما يشبه السباق بين المؤسسات الرسمية والمنظمات الإرهابية والمتطرفة حول من منهما الأكثر تشددًا.

«حجازى» أدان الحكم بإعدام «فياض»، وأكد أن "ليست السعودية وحدها من تحكم على الشعراء بالإعدام والسجن، لكن مصر كذلك، مجمع الشؤون الإسلامية طيلة الـ50 عامًا الماضية كانت له مواقف معادية لحرية التفكير والتعبير".

وأشار صاحب ديوان «مدينة بلا قلب»، إلى مساعدة مثل وهذه المواقف المعادية للفكر التنويرى على محاصرة الإبداع، وقال: ليس هذا فقط، لكن أيضًا أغرت الإرهابيين باغتيال عدد من المفكرين والكتاب، كما حدث لفرج فودة ونجيب محفوظ.

كما رفض «حجازى» التسليم بإدانة مثل هذه الأحكام ضد المبدعين دون قراءة أعمالهم، للوقوف على حقيقة ما كتبوه، إذ قال: نرفض تلك الأحكام، لكن لابد أن نعرف من هم هؤلاء الشعراء، وما الذى قالوه وكتبوه، وكيف تمت محاكمتهم، لأننا لا يمكن أن نحكم عليهم سواء مع أو ضد، دون أن نقرأ كتاباتهم، فهل هم شعراء حقيقيون؟

وتابع رائد حركة التجديد فى الشعر العربى المعاصر: فى كل الأحوال هذه الأحكام فى منتهى القسوة، وتصل بلا شك فى بعض الأحوال إلى درجة الوحشية.

وقال الباحث بمنظمة هيومن رايتس ووتش، آدم كوجل، أمس الجمعة، إن "الحكم الصادر على "فياض" فى 2014 كان السجن 4 سنوات والجلد 800 جلدة، لكن بعد الاستئناف أصدر قاض آخر حكمًا بالإعدام، مضيفا أنه اطلع على حيثيات حكم المحكمة الأدنى درجة عام 2014، وعلى حكم آخر بتاريخ 17 نوفمبر، ومن الواضح جدًا أنه صدر عليه حكم بالإعدام بتهمة الترويج لأفكار إلحادية، واستندت إدانة "فياض" إلى أقوال شاهد إثبات، قال إنه سمعه "يسب الله والرسول والسعودية".

ومن جهته، دعا الشاعر محمد حربى، عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، إلى تدشين حملة يقودها الشعراء لدعم أشرف فياض، تتمثل فى كتابة قصائد تندد باعتقاله، وتطالب بمنحه حريته.

الدعوة قوبلت بترحيب من عدد من الشعراء والمثقفين، منهم الشاعر المصرى زين العابدين فؤاد، والشاعر العراقى صلاح فائق، وغيرهما، ممن نددوا بسجن فياض، مطالبين بالإفراج عنه.

وجاء فى دعوة حربى: هذه مبادرة للحرية، وتحرير شاعر من المقصلة بقصيدة، نطلقها ونحن نعرف أن الأمر صعب وربما يفشل، لكننا نثق فى الأصدقاء من الشعراء العرب، وفى محبتهم للحرية ودعمهم لحق الناس جميعًا فى إبداء آرائهم، وكتابة إبداعهم فى حرية تامة".

سبق وقال عبد الستار فياض، والد الشاعر، إن ابنه محتجز ظلمًا واتهم بهتانًا، وهى تهمة باطلة لا أساس لها من الصحة، وأن حالته صعبة للغاية.

كان ذلك فى برنامج "أصوات الشبكة"، الذى تقدمه الإعلامية تاتيانا الخورى، على القناة الفرنسية 24، فى فبراير 2014، إذا حكى عن التحقيقات الأولية مع نجله قائلا "كان أشرف وأحد أصحابه يشاهدان إحدى مباريات الدورى الأوروبى لكرة القدم، وبعد مشادة كلامية، تطاول صاحبه عليه، وهدده بالترحيل من السعودية إلى غزة فى فلسطين، وخوفه بالحبس، وبعدها اعتقلته هيئة الأمر بالمعروف الساعة التاسعة ليلًا فى المقهى".

وتابع: مكثنا فى المنزل أكثر من 25 ساعة، لا نعلم أين هو ولم يتصل بنا أحد من أفراد الهيئة، وأصبحنا فى حالة هلع وخوف، ثم ذهبت إلى المقهى وسألت عنه، وقال لى النادل إن "الهيئة أخذته للسجن».

وأوضح أنهم ذهبوا إلى مركز الهيئة "وسألناهم عن السبب وأكد ابنى أشرف أن التهمة باطلة ولا أساس لها من الصحة، ولدينا شهود بذلك، وتم التحقيق معه لأكثر من مرة من قبل 5 أشخاص، وضغطوا عليه للاعتراف بجرم لم يرتكبه، ولم يعترف حتى اللحظة، لأن التهمة ملفقة وكيدية، وبعد سؤال المحقق الرسمى للهيئة عن الحقيقة، أفاد بأن هناك اشتباهًا فقط، وليس يقينًا حول ما اتهم به".

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل