المحتوى الرئيسى

صوتِك ينده لي مع المسافات

11/21 03:27

عندما استقرّيت للمرة الأولى خلف مكتب، أوّل ما فعلته كان تعليق صورة فيروز قبالتي. بثوبها الأبيض، ترفع يدها اليسرى لتحيي الجمهور في دبي العام 1997. وأرفع يدي كل صباح لأقول لها "صباحو ستنا". غادرت المكتب ولم أنزع الصورة، لا بد أن يستقرّ نظر أحدهم عليها فيبتسم. حافظت عليها بشكل آخر ووضعتها كخلفية على الكومبيوتر. أسترق النظر إليها الآن "إيه ستنا عم بكتب عنك". هذه الصورة تحديداً أفضلها. أحب صورتها وهي تحمل الكاميرا، صورتها مع فنجان القهوة، صورتها إلى جانب عاصي حاملاً البزق، صورتها وهي تضع يدها على كتف زياد في طفولته وهو يعزف البيانو، صورتها وهي راكعة تصلّي أمام أيقونة صغيرة للعذراء، صورتها وهي تضع أحمر الشفاه وخلفها خياطتها بديعة الأعور. لكنّ ابتسامتها في هذه الصورة هي الأقرب إلي.

ترافقني صورتها ويسكنني صوتها منذ سمعتها في الصف الأول ثانوي، بعيداً عن دبكات حفلة نهاية العام الدراسي و "طلعنا على الحرية" في عيد الاستقلال. أراد أستاذ الفلسفة أن يشرح لنا درس "المخيلة الإبداعية"، لم تخنه الكلمات أو تهرّب من الشرح، لكنه اختار أن يتجاوز النصّ ليجعل من مفهومٍ مجرّد مادّةً حسيّة. ببساطة شغّل أغنية "بكرا انت وجايي" وأنهى الدرس. اتضح كل شيء، لا داعيَ لتفنيد النظريات: فيروز هي المخيلة والإبداع.

ترافقني فيروز في الطريق من الشمال إلى العاصمة. لا أحتسب المسافة بالكيلومترات صعوداً أو نزولاً في نهاية الأسبوع، أحتسبها بالمسرحيات. قد توصلني "جبال الصوان" إلى المنزل وقد تنتهي "الإسوارة" قبل أن أجتاز زحمة جونيه. تفصلني فيروز عن الزحمة أشاركها الحوار مع "الشاويش"، مع "بو ديب" ومع "الشيخ كريم الطشّ". أوقف الأسطوانة لأعيد الأوف في "عنبية" ورندحة الدلعونا في الحوار مع "الشخص".

اكتشفت فيروز ثانية في المسرحيات وهي الأحب إلي. فيروز الساخرة. شاهدتها في "لولو" لكنني سمعتها بالصوت فقط في "ناطورة المفاتيح". ترى كيف قالت فيروز "ااااااخ إيدي إيدي يا حضرة القايد هالحارس دفشني فكشلي ايدي"؟ أحب أن أتفحص تعابير وجهها وهي تقول: "عندي عنزة وخمس دجاجات يكرم الملك فوتوا خدولو دجاجتين ونص ونص العنزة"، أن أراقبها وهي تلقي الشعر أمام الملك غيبون.

كيف لعبت دور هيفا في "يعيش يعيش"؟ كيف غنت "وفد وفد جايي وفد جبنة لبنة سندويش/ وفد وفد جايي وفد ومندبرلن مناقيش"؟ كيف وصفت منظم التظاهرات "الشيخ كريم الطش"؟ كيف نظرت إلى الإمبراطور في هذا المشهد: "يا هيفا انا مبسوط منك/ بالشرف؟/عجبتني صراحتك/ فإذاً قوم حملّي هالسحارة".

يقول عاصي عن فيروز الممثلة: "هيدي مهنتا هلق ومفروض تحفظ كل الادوار. وهي ذكية وذاكرتها قوية. وبعدين تمرنت سنين طويلة منشان هيك صارت تلعب كويس، وتمثل كويس وتغني كويس". كل ما تقوم به فيروز كويس.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل