المحتوى الرئيسى

معتز حجاج يكتب: نزهة في عقل اللواء حسام سويلم

11/20 10:28

– تونس وااا جائزة نوبل التي منحت اليوم لـ “الرباعي” كما يطلق عليها.. حضرتك شايفها إزاي؟

– أنا والله يعني إذا كانت الست دي، أنا معرفش الموضوع ده هههه، حضرتك عارفة تخصصي، إنما إذا كانت الست دي قدمت خدمات إنسانية لتونس فاااا…

هكذا كان رد اللواء حسام سويلم الخبير العسكري والإستراتيجي، والمدير الأسبق لمركز الدراسات الإستراتيجية للقوات المسلحة في مداخلة تليفونية لبرنامج “رولا خرسا”.. حاولت المذيعة تدارك الموقف، فوضحت للواء أن “رباعية” ليست سيدة، بل هم أربع منظمات تونيسية كان لهم دور في “ثورة الياسمين” كما يطلق عليها.

لكن، حسام سويلم لن يترك لها المجال للإيضاح أكثر، فقد اكتفى بلفظ “ثورة”، إذاً عليه أن ينتقل الآن من إجابته المتشككة للمطلقات، دونما اعتذار عن إجابته الأولى الخاطئة، فهو دائما واثق، عالم بخبايا الأمور، منطلق، خبير، خطير، محيط، غويط، بمجرد أن يسمع لفظ “ثورة”، تتحرك قرون الاستشعار الأمنية لديه، ويبدأ في سن مخالبه حتى يجهز على فريسته “ثورة”، أي “ثورة” هو دائما ضدها.

هنا سيتحول صوته من النبرة الهادئة التي بدأ بها المداخلة، إلى نبرة صاخبة غاضبة عنيفة متيقنة “لأ لأ لأ لأ لاااااااا، لا تقوليلي بقى ثورة الياسمين، ومش عارف الثورة الملونة التانية بتاعت ثورة الإيه، ومش عارف ثورة اللوتس عندنا في مصر، كوووووووول دول تبع أمريكا”.

هكذا انتقلت الست “رباعية” الطيبة الشريفة من مربع الوطنية إلى مربع العمالة في أقل من 26 ثانية في عقل حسام سويلم، دونما مصادر موثوق منها، حسام سويلم في حد ذاته مصدر لا يعلى عليه.

قد تظن بي عزيزي القارئ الغيرة من نجومية “سويلم”، الذي تخطى الفترة الأخيرة مرحلة الضيف اللى شبه النزيل الدائم في أغلب البرامج التلفيزيونية المصرية والعربية، ليكشف للعالم خيوط المؤامرة التي تحاك على مصر والعالم العربي من قبل اليهود، والأمريكان، والإخوان، وعملاء يناير، وأي حد مضايقه.. أو ربما يأخذك سوء ظنك بي إلى اتهامي بالحقد على أناقته البالغة، واهتمامه بحسن مظهره الذي دفعه لتصفيف شعره، أو ما تبقى منه، من أثر شباب غابر، على الهواء مباشرةً.

لذلك يجدر بي أن أخبرك مقصدي بوضوح.. اللواء حسام سويلم ليس شخصا، ليس رجلا واحدا نتقده، “السويلمية” تيار عام مكتسح في وجه أي صوت عاقل، أي رأي يحاول تحليل معطيات الواقع بعقلانية، يفكر تفكيرا نقديا مركبا، هو حالة كاشفة لمجتمع كامل، حالة عصية على الفهم والنقد، حالة متجاوزة للتحزبات والمواقف السياسية، فهناك على الجانب الآخر من النظام، هناك في صفوف المعارضة من يأخذ “السويلمية” منهجا وعقيدة، بعد أن يُدخل عليها بعض التعديل لتناسب قواعده.. لن أدعوك لاستخدام أسلحة كهرومغناطيسية لتكتشف ذلك، فقط تكفي متابعة السطور اللاحقة كي ترى بنفسك أنه تيار وليس شخصا، حالة وليس موقفا سياسيا!

عندما تنشر على حسابك الشخصي منشورا مُسفهاً من تصريحات رجال نظام السيسي، التي تتحدث عن المؤامرات الكونية ضد مصر، حتما سيشارك منشورك إسلامي ما، هذه من قوانين السوشيال ميديا في مصر الآن، كما من قوانين الطبيعة أن تشرق الشمس من المشرق في كل آن، لكن أنصحك أن تتمهل، لا تتعجل الفرح، فهو لا يختلف مع المنهج، بل يعارض صاحبه فقط.

إليك تجربة لطيفة.. انشر نفس الكلام مع استبدال مصر بالإسلام، وازعم أنه جاء على لسان قيادة دينية شعبية، ليكن أبو إسحاق الحويني مثلاً، سيشاركه هذا الإسلامي أيضا مهللا بالنصر المبين، وهذا الاكتشاف العظيم.

إذا.. الأمر يتعلق بموقف سياسي، وليس رفضا للتفكير الغرائبي الهيستيري برمته في كافة الخطابات.. نحن هنا نتحدث عن سلطة سياسية مؤيدة من قطاع عريض في الشارع المصري، وتيار سياسي له وزنه، ويوجد به أكبر تنظيم سياسي في مصر وربما الشرق الأوسط بأكمله.. نحن على صراط ممتد فوق جنون قومي وهذيان إسلامي، فاحذر كي لا تنزلق قدماك.

وقف العربي المسلم الشرق أوسطي في منتصف القرن الماضي خائفا مرتعدا، الغرب يتقدم، يصعد الفضاء، ونحن نتخلف، يزرع في جسدنا العليل كيانا صهيونيا مجرما منحطا، ولا نقوى على رد.. كيف حدث ذلك ونحن المؤمنون المحبون لأوطاننا؟

رغم بساطة السؤال تبدو الإجابة معقدة ومركبة بعض الشيء، تتشعب أطرافها، منها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني.. لكن العقل العربي يحتاج لإجابة حاسمة واحدة واضحة، العقول التي نشأت على المسلمات والمطلقات لا يمكنها فهم مشهد معقد كهذا.

ثم أنهم لا يريدون تفسيرات تحملهم أدنى قدر من اللوم، لابد أن تكون هزيمتنا قدرية، تم التخطيط لها من قوة فوقية مسيطرة مطلقة القدرة، وقبل أي شيء من اللازم أن تكون خطة قديمة جدا، ربما تمتد إلى فرسان المعبد أثناء الحروب الصليبية الأولى، بل قد تتجاوز ذلك حتى تصبح أقدم من الهرم، أو حتى خلقت في عقل الشيطان عندما خرج من الجنة مغضوبا عليه من الله.

لم تكن الحالة “السويلمية” وليدة خطاب سياسي مخبول فقط، بل كانت حاجة ملحة لمجتمع ينحدر إلى القاع بسرعة مرعبة.. تلقفت الأيادي العربية المتعطشة لتفسير إنحدارها الوثائق العنصرية المزورة ضد اليهود في أوروبا النازية، انتقلت إلينا مع اشتعال الصراع العربي الإسرائيلي، وكل خطاب سياسي أضاف لها وحذف منها كي يكيفها لصالحه.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل