المحتوى الرئيسى

كارثة| فى نهاية القرن.. الدلتا تغرق وثلثا السكان يشردون

11/18 19:38

 ** الأرض ستتشبع بالملح وتصبح غير صالحة للزراعة

 ** مزارعون: التربة تجف سريعًا وأصبحت صلبة ورمادية.. والمحصول أقل

 ** خبراء مياه: الآبار الجوفية تسحب مياه البحر.. وتعجل بزوال المنطقة 

حذرت مجلة «نيوزويك» الأمريكية من أن دلتا النيل فى مصر ستغرق فى البحر المتوسط، وبحلول نهاية القرن ستتشبع 60% من أراضيها بالملح، وتصبح غير صالحة للزراعة، ما يهدد بفقدان ثلثى المواد الغذائية، الأمر الذى سيترتب عليه تشريد ثلثى سكان البلاد ومعاناتهم من الجوع.

وفى تقرير نشرته بعنوان «دلتا نهر النيل فى مصر تغرق فى البحر»، نقلت عن أحد مزارعى كفر الشيخ، ويدعى عبد الله سلام قوله: «إنه يشعر فى هذه الأيام، أن التربة تحاربه، حيث تجف سريعًا، وتصبح صلبة ورمادية. ولا يبدو أن البذور تحبها، ومهما كانت الأموال التى ينفقها على الأسمدة، يجنى محصولًا أقل فى كل موسم حصاد. ومهما يروى الأرض، فإنها دائما عطشى».

وقالت المجلة إنه ليس هناك شىء يمكن عمله حيال ذلك، وليس هناك من يرفع «سلام» له شكواه هنا فى كفر الشيخ، وسط دلتا النيل فى مصر، لذلك يواصل الزراعة، حيث ينشر وزوجته وابنه البالغ من العمر 15 عاما، بذور القمح فى حقله الذى تبلغ مساحته 2 فدان، ثم يقود جارهم جراره خلالها، لحراثة الأرض ودفع البذور فى عمق الأرض.

وأضاف سلام «الحصاد سيكون فى غضون خمسة أو ستة أشهر، إن شاء الله، ومن المعتاد أن ينتج الفدان 18 أو 20 إردبًا (قيمتها حوالى ألف دولار)، لكن الوقت الراهن على الأرجح سنحصل على 10 فقط». 

وأشارت المجلة إلى أن «سلام» سيبيع نصف هذه الكمية فى السوق بحوالى 250 دولارا، والنصف الآخر ستطحنه زوجته ليصبح دقيقًا وتخبزه، لكن من المستحيل تقريبا جعل هذه الكمية الصغيرة من الدقيق تكفى حتى موسم الحصاد المقبل، حسب قولها.

ولفتت الـ«نيوزويك» إلى أن هذه الأرض، حيث يمتد النيل للقاء البحر، كانت تنتج فيما مضى ما يكفى من القمح لإطعام الجميع من القاهرة إلى روما، سلة غذاء العالم، كما اعتادوا أن يسموها. واليوم، بالكاد تغذى الدلتا المزارعين الذين يزرعونها، أما «سلام» فيلقى باللائمة فى تراجع عوائده على ارتفاع أسعار الأسمدة وسوء الحظ.

لكنه ليس سوء الحظ، إنه البحر، إنه يُسخّن ويرتفع ويتوسع على أراضى الدلتا المنخفضة، ويتسرب إلى المياه التى ترويهم. وبحلول نهاية القرن، 60% من منطقة الدلتا المنطقة -بما فى ذلك حقل سلام- ستتشبع بالملح لتكون بالكاد صالحة للزراعة. وسيتم تغطية ما يصل إلى 20% من هذه الأرض التى كانت خصبة فيما مضى بالماء، وعندما يحدث ذلك، ستغرق ثلثا المواد الغذائية فى مصر، ما سيخلف ثلثى سكان البلاد بلا مأوى وجائعين.

وأوضحت أنه طيلة قرون، اعتمد المزارعون فقط على النيل لرى الأراضى الزراعية، وحفروا شبكة معقدة من قنوات الرى لربط منطقة الدلتا بأكملها إلى النهر وروافده، لكن مع ارتفاع عدد سكان مصر، وكذلك استهلاكها من المياه. ومع ظهور المصانع ومحطات الطاقة والمدن الكبرى على ضفاف نهر النيل، تلوثت المياه الصافية الغنية بجميع أشكال النفايات البشرية والكيميائية الصناعية. فى الوقت الحاضر، عندما تصل مياه النيل إلى الحقول تكون قد تحولت إلى قطرات هزيلة سامة. 

الآبار القاتلة               

وللتعويض، حفر المزارعون فى المنطقة بئرًا، ويتناوبون تشغيل المضخة التى تعمل بالوقود لإغراق قنوات الرى من طبقة المياه الجوفية لدلتا النيل، وهى خزان ضخم تحت الأرض يمتد من القاهرة إلى البحر الأبيض المتوسط. وهذا يبدو ظاهريا وكأنه حل جيد لمشكلة نقص المياه فى الدلتا، ولكن هذا النوع من الضخ يعجل بزوال المنطقة، وفقا لبدر مبروك، أستاذ الهيدرولوجيا (علم المياه) فى جامعة الزقازيق الذى قال «عندما تسحب المياه من طبقات المياه الجوفية العميقة، فإن هذا يسبب ضغطا ويسحب مياه البحر».

وأوضح مبروك، أن ارتفاع مستويات سطح البحر، وضعت بالفعل طبقة المياه الجوفية لدلتا النيل فى خطر، قبل أن يبدأ المزارعون فى ضخ مياه الآبار العميقة، لكنهم يزيدون الأمور سوءًا، فآلية عمل الخزانات الجوفية الساحلية، هى أنها تلتقى وتحتجز البحر تحت الأرض فى نقطة تسمى المنطقة الانتقالية، المياه المالحة الأعلى كثافة تنخفض وتنسحب باتجاه المحيط وتبقى المياه العذبة فى الأعلى، طالما بقيت مستويات البحر، ومستويات المياه الجوفية، مستقرة، لا تتحرك نقطة الالتقاء.

ومضى مبروك قائلا: لكن سواء ارتفعت مياه البحر أو انحسرت المياه العذبة، تتحرك هذه النقطة أبعد إلى الداخل، والبحر يتقدم تحت الأرض. وفى حالة دلتا النيل، كلاهما يحدث ويحدث بسرعة. ومع دفء المحيطات وتوسع مياهها ترتفع مستويات البحار فى مصر والأرض تغرق بمعدل 0.1 بوصة سنويا نتيجة لذلك، وفقا للتكيف مع تغير المناخ فى برنامج إفريقيا. وفى الوقت نفسه، الإفراط فى ضخ المياه يستنزف المياه الجوفية أسرع من قدرة الأمطار على إعادة ملئها.

ولقد حذر علماء المناخ والجيولوجيا من خطورة تسرب المياه المالحة فى دلتا مصر لعدة عقود، لكن فى بلد يمزقه الاضطراب السياسى وانعدام الأمن الاقتصادى، لم تكن البيئة أبدا أولوية الحكومة ولا تزال كذلك، وفقا لحسن الحسينى، إخصائى إدارة المياه فى معهد القاهرة لأبحاث البيئة المستدامة بالجامعة الأمريكية فى القاهرة الذى أضاف «تقول دراسات إن تغير المناخ يمكن أن يكون له تأثير حقيقى بعد 20 عاما، والحكومة لا تنظر إلى المستقبل إلى هذا الحد».

ولكن حتى فى منطقة الدلتا شمال، لم يعد ارتفاع مستوى سطح البحر مسألة استشراف للمستقبل، فعلى أساس يومى، يواصل البحر ضرب مدن الإسكندرية ودمياط وبورسعيد المكتظة بالسكان، وإذا ارتفع سطح البحر بمقدار حتى 20 بوصة (من المرجح أن يحدث بحلول عام 2100 وفقا لتقديرات فيه 2014 مشاريع تقييم المناخ الوطنية لعام 2014) 30% من الإسكندرية، التى يقطنها 5 ملايين نسمة، ستغمرها المياه.

وعلى امتداد الساحل شيدت المدن والبلدات مثل بلطيم الحواجز البحرية فى محاولة لحجز الماء، لكن حتى فى ظل اتخاذ هذه التدابير، يتوقع الحسينى أن ما لا يقل عن 10 ملايين شخص سيتم تشريدهم خلال السنوات الـ30 المقبلة.

وفى عام 1972، افتتحت مصر معهد بحوث الشواطئ (كورى) «لمراقبة وحماية» الساحل المصرى، ولكن حتى الآن، يرتكز عمله أكثر بكثير على الرصد من حماية. حيث يقول الحسينى إنه «لم يتم حتى الآن اتخاذ أى إجراء فى دلتا، أعرف به لقد كانت هناك مؤتمرات واجتماعات ومناقشات ولكن لا إجراءات».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل