المحتوى الرئيسى

حرية التعبير فى وضع مأساوى

11/18 23:58

شهدت مكتبة الإسكندرية على مدار ثلاثة أيام جلسات متنوعة، تهدف لتشكيل ما يسمى وضع إطار للسياسة الثقافية فى مصر، وقد شاركت فى المحور الخاص بالصحافة الثقافية.

وقد اخترت أن أتحدث عن قضية حرية التعبير، ودور جريدة أخبار الأدب التى أسسها الراحل الكبير الأديب جمال الغيطانى فى دعم هذه الحرية، طوال أكثر من عقدين من الزمن.

وقد اخترت أن أعنون هذه الشهادة التى أنشرها فى هذا المقال تحت عنوان "شهادة ذاتية"، لأننى كنت من المحظوظين من أبناء هذا الجيل، الذى شهد وعاصر تأسيس جريدة ثقافية، حفرت اسمها على مدار أكثر من عقدين من الزمان، وكان لها تأثيرها الواضح فى الحياة الثقافية المصرية والعربية، فقد تأسست جريدة أخبار الأدب فى العام 1993 على يد الأديب الكبير الراحل جمال الغيطانى، الذى كان لى شرف أن أكون ضمن فريقه الأول لتأسيس هذه الجريدة، واليوم وبعد 22 عاما من إصدارها أصبحت رئيسا لتحريرها.

يا ترى كيف أرى المشهد الثقافى الذى تابعته عن قرب من خلال جريدة أخبار الأدب، وما أهم المحطات الرئيسية لهذا المشهد.

اليوم أرى أمامى مقولة "ما أشبه الليلة بالبارحة" ماثلة تماما.

فى العام 2008 كتبت موضوعا بعنوان "حرية التعبير فى وضع مأساوى" استنادا لتقرير الحريات الصادر عن اتحاد الكتاب العرب الذى أعلنه فى تونس، وقد وصف هذا التقرير حرية التعبير فى المنطقة العربية بأنه "مأساوى وصعب"، حيث رصد التقرير 14 حالة انتهاك لحرية التعبير تدور جميعها فى اعتقال وحبس كتاب وصحفيين ومثقفين بسبب كتابات نشروها وليس بسبب أفعال ارتكبوها، وكذلك الاستمرار فى وضع القيود التشريعية على حرية التعبير وملاحقة دور النشر قضائيا بتهمة توزيعها لكتب محظورة بالإضافة إلى ممارسة الرقابة فى كافة أشكالها.

لم أكن أعلم وأنا أكتب هذا النقرير فى العام 2008، أننى فى العام 2015 سيتم تقديمى لمحكمة الجنح المصرية لأحاكم لنشرى نصا إبداعيا، كما يقف فى ذات المحاكمة كمتهم أول صاحب النص الأديب أحمد ناجى الصحفى بأخبار الأدب.

طوال عمر الجريدة ونحن نحرص على أن نكون من أشد المدافعين عن حرية التعبير، فقد وقف الغيطانى وجريدته ضد مصادرة "وليمة لأعشاب البحر" لحيدر حيدر، ووقتها كان رأى الدولة أنها مع حرية التعبير، ولم تصادر الرواية، ولم يتم تحويل البلاغ إلى قضية، بل شكل المجلس الأعلى للثقافة لجنة من كبار النقاد، انتصروا فيها للرواية، وقدمت اللجنة شرحا للجملة الملتبسة، وانتهى الموضوع، وبعده بشهور قليلة انفجرت ما أطلق عليه "أزمة الروايات الثلاث" لحظتها انحاز الغيطانى وجريدته لحرية التعبير، وانحازت الدولة لتجريم هذه الحرية، وتم مصادرة الأعمال، وتم أيضا إنهاء تعيين الناقد الكبير على أبو شادى، وكان وقتها رئيسا لمجلس إدارة هيئة قصور الثقافة (الجهة التى أصدرت هذه الروايات)، وتم تحويله من وكيل أول وزارة إلى مستشار من الفئة أ، قبل أن يعود مرة أخرى لوزارة الثقافة.

هنا أتساءل: هل حرية التعبير ترف تمتلك الدولة منحه أو سحبه فى أية لحظة؟

بالفعل نحن أمام إشكالية كبيرة أدت فى لحظات إلى ما هو أبعد تأثيرا من منع الأعمال الإبداعية أو مصادرتها.. الأمر تحول مع كل أزمة إلى صراع مجتمعى، بمعنى أن هناك من ينظر إلى المثقفين باعتبارهم خارجين على القانون ويستحقون مثل هذه البلاغات، فما يحدث من وجهة نظرى هو فتنة بين الثقافة والمجتمع، ينبغى لنا جميعا أن ننتبه لها ولخطورتها.

ولكن لماذا ننحاز فى "أخبار الأدب" مثلما تنحاز المطبوعات الثقافية إلى حرية التعبير؟

أننا لا ننحاز إلى هذه الحرية، انحيازا فقط إلى الثقافة المصرية فى جوهرها، هذه الثقافة التى أثرت فى مسيرة الإنسانية، ولم تكن فى لحظات توهجها منكفأة على الذات، من هنا دائما نقول أن الثقافة هى القوة الناعمة لمصر، ليس هذا فقط ما يجعلنا ننحاز وندافع عن حرية التعبير، وإنما هذا الانحياز نابع من أنه لا حرية لوطن دون احترام الحريات العامة ومن بينها حرية التعبير، لا يمكن لوطن أن يتقدم وهو راض عن نصوص قانونية يمكن لها فى أية لحظة أن ترسل المئات من المبدعين والمبتكرين خلف القضبان، بل يمكن لها أن تحاكم نصوصا تراثية راسخة فى ضمير الإنسانية، مثل "ألف ليلة وليلة"، التى تمت محاكمتها أكثر من مرة، ولم يحميها من محاكمة جديدة فى العام 2010، عندما أعادت هيئة قصور الثقافة إصدارها فى سلسلة الذخائر التى كان يرأس تحريرها آنذاك جمال الغيطانى، سوى الاحتماء بنص قانونى عام وهو عدم المحاكمة لسابق الفصل فى القضية، إذ كان هناك حكم من قاض مستنير بعدم مصادرة الليالى بل قال القاضى فى حيثيات حكمه "من تثره الليالى تافه".

إذن كيف نواجه هذه الترسانة القانونية المقيدة لحرية التعبير؟

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل