المحتوى الرئيسى

تحقيق| مختار جمعة.. وزير في «ملاهي الفشل»

11/17 23:43

تحقيق - صلاح لبن وباهر القاضي:

معاركه مع الأئمة وصراعه مع الطيب مسلسل لا يتوقف.. و60 معهدًا لنشر الفكر المتطرف بعلمه

جمعة مكَّن الإخوان والسلفيين من المنابر على مدار 25 عامًا.. واجه الإرهاب بالبيانات والشو الإعلامي وترك المساجد للمتطرفين

مسؤول بـ«الأوقاف» لـ«التحرير»: السيسي لم يتخذ أي إجراء ضد الأزهر والأوقاف رغم فشل تجديد الخطاب الديني على مدار 5 أشهر

إبرام صفقات على بيوت الله.. ترك المنابر للمتطرفين لإدارتها في ظل غياب الرقابة على العدد الأكبر من مساجد مصر يعدان من المسائل التي تستلزم فتح الملفات الشائكة داخل وزارة الأوقاف، لا سيما أن هناك عدة قضايا فشل الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، في التعامل معها.

ويأتي في مقدمة تلك القضايا عدم القدرة على استرداد مساجد الأوقاف التي سيطرت عليها بعض الكيانات المحسوبة على التيار الإسلامي، بالإضافة إلى فشله في وضع خطة مناسبة لتجديد الخطاب الديني، في ظل مسؤوليته الأساسية عن تأهيل الأئمة لمواجهة الأفكار المتطرفة.

الوزير يبحث كثيرًا عن الترويج لنفسه من خلال الظهور الإعلامي المفرط، الذي يعد من ضمن أدواته لمواجهة الفشل الظاهر في أداء مهمته، كما جعل موقع وزارة الأوقاف بوابة لكسب إعلاميين وصحفيين تاركًا مساحات كبيرة؛ لعرض تقارير ومقالات الإشادة بالوزارة في عهده، ولا يمل جمعة من محاولة الادعاء بأنه يقف ضد الأصوات المتطرفة بكل قوة، مستغلاً بعض المنابر الإعلامية التي تساعده على توصيل رسالته غير المطبقة على أرض الواقع.

وبلغة الأرقام، يظهر أن وزارة الأوقاف تعاني خللاً واضحًا في إدارة المساجد على مستوى محافظات مصر، إذ إن عدد الأئمة في مصر 60 ألف إمام في ظل وجود 120 ألف مسجد، مما يكشف عن وجود عجز 60 ألف إمام على الأقل.

ونشرت الجريدة الرسمية قرارًا رقم 51 لسنة  2014 للرئيس السابق عدلي منصور بقانون بتنظيم ممارسة الخطابة والدروس الدينية في المساجد، وما في حكمها من الساحات والميادين العامة، الذي ينص على أنه لا يجوز لغير المعينين المتخصصين بوزارة الأوقاف والوعاظ بالأزهر الشريف المُصرح لهم بممارسة الخطابة والدروس الدينية بالمساجد وما في حكمها، ويصدر بالتصريح قرار من شيخ الأزهر أو وزير الأوقاف حسب الأحوال. 

ويجوز الترخيص لغيرهم بممارسة الخطابة والدروس الدينية بالمساجد وما في حكمها وفقًا للضوابط والشروط التي يصدر بها قرار من وزير الأوقاف أو من يفوضه في ذلك.

الغريب أن وزارة الأوقاف كثيرًا ما تعلن عن بناء مساجد جديدة، وهو ما يطرح تساؤلات منها، كيف تُدار المساجد الجديدة في ظل وجود أكثر من 60 ألف مسجد يعتمد عليها أصحاب الأفكار المتطرفة في نشر منهجهم؛ لحث الناس على استخدام منهج العنف، وكيف تقدر الوزارة على مجابهة هذا العجز الصارخ.

على مدار 25 عامًا، عمل الدكتور محمد مختار جمعة بالجمعية الشرعية، وأسهم في وصول الإخوان والسلفيين إلى هدفهم بالسيطرة على المساجد، حيث كان يشغل منصب عضو هيئة كبار علماء الجمعية.

أما الأزمة الثانية فتتعلق بتجديد الخطاب الديني، حيث يرى بعض مسؤولي الأوقاف أن عدم الفهم الصحيح من قبل القائمين على العمل والمعنيين بتجديد الخطاب الديني نتيجة لعدم إدراك المشكلة من الأساس، بالإضافة إلى أن المتحكمين في ملف تجديد الخطاب الديني رجال تجاوزت أعمارهم الـ65 عامًا.

دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي المتكررة بتجديد الخطاب الديني، الذي تقع مسؤوليته في المقام الأول على الأزهر والأوقاف، دفعت الأخيرة إلى تبني بعض القرارات فيما يخص الأئمة والدعاة، ومنها قرار بصرف مكتبة لكل إمام وخطيب، ومخاطبة وزارة المالية بالإسراع في صرف كادر الأئمة، وذلك من باب الاهتمام بهم كمحور أساسي في تجديد الخطاب الديني، غير أن تلك القرارات ذهبت أدراج الريح.

ومن جانبه، يقول صبري عبادة، وكيل وزارة الأوقاف، إن النزول إلى القرى والنجوع من الأمور التي يجب أن يتم التركيز عليها في تجديد الخطاب الديني، إلا أن جمعة يدير قضية تجديد الخطاب الديني من الغرف المكيفة بندوات ومؤتمرات، لا تصل إلى المواطن.

ويُضيف: "نحن في حالة حرب، وتوجد أفكار شاذة تخرج من أدغال مصر، وتنطلق من بعض الأماكن مثل العشوائيات، ولا يمكن مواجهة هذا الخطر إلا عندما يكون لدينا قيادة واعية تعلم كيفية إدارة هذه المرحلة".

وتابع: "نحن نمر بمرحلة صعبة تتطلب تجنيد بعض الناس دون وساطة ومحسوبية، ومن خلال عملي في 7 مديريات بالأوقاف، أؤكد أننا نمتلك قدرات متميزة من الدعاة، ولدينا جنود بحاجة إلى لمسة حنان ونظرة عدل".

وحول اختيار لجنة تجديد الخطاب الديني من كبار السن، يوضح: "ليس بأيدينا شيء نفعله، لكن أريد توجيه سؤال واحد ما الإجراء الذي اتخذ منذ دعوة السيسي للأزهر والأوقاف للعمل على تجديد الخطاب الديني"، مؤكدًا أنه لم يتغير أي شيء على أرض الواقع منذ دعوة الرئيس.

ويقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن هناك خطأ في مصطلح تجديد الخطاب الديني، لأنه من المفترض أن يتحول إلى «حقيقة الخطاب الديني» -التي تعني إعادة مسار الخطاب الديني لإطاره الصحيح- بعدما أصيب بأمراض المذهبيات والطائفيات والعصبيات، فحصل تداخل والتباس بين أركان الدين الرئيسة، وما بين علوم الأركان.

ويُشير "كريمة" إلى أنه للأسف قلَّ الاهتمام وضعفت العناية بالأركان -الإيمان والإسلام والإحسان- وصار الاهتمام بعلوم الأركان وفق الأطروحات المذهبية، والتي تتضمن العقيدة والفقه والأخلاق، فصار الاحتجاج بأقوال بشرية، وضَعُفَ الرجوع إلى المصادر النصية الإلهية والرسولية.

وتابع: "كان ينبغي أن تكون حقيقة الخطاب الديني رسالة، وليست ثقافة رد فعل أو أزمة، ولكن الملاحظ الآن أنها ثقافة رد فعل، لا سيما أنها لاحت في الأفق عند ظهور عنف سواء كان فكريا أو مسلحا"، مشيرًا إلى أن الخطاب الديني بحاجة إلى هيئة قومية مستقلة تكون رابطة بين مؤسسات الدولة (الأزهر مرجعية علمية) و(الأوقاف أداء دعوي مسجدي)، و(الإعلام الديني أداة إعلام تخصصي).

"نحن بحاجة إلى وزير أوقاف لديه مشروع تجديدي، صانع تجربة، ويملك رؤية جديدة غير منقولة عن كتب التراث".. يقول محمد الدويك، المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، إننا نريد أن يصل إلى هذا المنصب رجل قادر على ترك المكاتب المكيفة، وزير مُجدد، لديه مشروع قادر على تطبيقه.

ويُشير "الدويك"، إلى أنه من ضمن سلبيات مختار جمعة أنه يُمارس عمله كموظف، فهو "عبد المأمور"، يُطبق لوائح باردة جامدة وبالية، لا تمس الواقع بشيء، مطالبًا بآخر أكثر حرية وشجاعة، وأكثر انتماءً للناس، لا للمنصب، حسب قوله.

وأردف: "الدولة ليس لديها إرادة لتنحية الخطاب السلفي من الساحة، ولا ترغب في استرداد المساجد من السلفيين، حيث تقوم بنفس الدور الذي كان تلعبه، مستخدمة السلفيين لتمجيد الحاكم، وهناك عقول في الدولة تستخدم السلفيين كورقة في الصراع السياسي".

وحول فترة وجود وزير الأوقاف في الجمعية الشرعية، وتصعيد السلفيين والإخوان إلى المنابر، يرى محمد الدويك، أنه من الصعب أن ينفصل وجدانيًّا عن البيئة الحاضنة التي تربى فيها، لافتًا بأن جزءًا كبيرًا جدًّا من مناهج الأزهر لا تختلف كثيرًا عن السلفيين، حيث أنها قديمة، تكره الطرف الآخر، وتتنكر للحداثة.

على الرغم من القرارات التي أصدرها الوزير لاحتواء غضب الأئمة، فإنها في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب، حيث لم يوف جمعة بتعهداته التي قطعها على نفسه، ولم يعر للقرار الذي أصدره بشأن صرف مكتبة علمية لكل إمام وخطيب أي اهتمام، وظلت جميع قراراته الداعمة لهم غير ملموسة على أرض الواقع.

الشيخ محمد البسطويسي، نقيب الأئمة والدعاة، كشف عن أن القرار الذي أصدره وزير الأوقاف خلال الأسابيع الماضية بصرف مكتبة علمية لكل إمام وخطيب، لم يطبق على أرض الواقع، فلا يوجد إمام أو خطيب في أي محافظة حصل على أى مكتبة، بل هو قرار في الإعلام فقط.

ويؤكد "البسطويسي" أن جميع القرارات التي أصدرها الوزير مؤخرًا بشأن الأئمة ما زالت حبيسة الأدراج، ومنها قرار كادر الأئمة، وادعاء الأوقاف زورًا وبهتانًا -على حد تعبيره- بأنها أرسلته إلى وزارة المالية للبت فيها، لا يمت إلى الواقع بِصِلة، إذ أكدت -المالية- أن الوزارة لم ترسل لها أي شىء من هذا القبيل، بل إن هذه القرارات التي يتبناها الوزير من باب التهدئة مع الأئمة أصحاب الحقوق الضائعة والنداءات التي لم يستجب لها أحد سواء من داخل الأوقاف أو خارجها.

معاهد إعداد المتطرفين "على عينك يا تاجر"

وفي محاولة لبسط نفوذها الفكري، ونشر الأفكار بين نفوس وعقول شباب المجتمع المصري، أنشأت الجماعات والحركات التي تختبئ مرتدية سُترة تيار الإسلام السياسي معاهد لإعداد الدعاة في كل محافظة؛ لتكون بمثابة مرتع وأرض خصبة لاستقطاب الشباب تحت راية تعاليم الإسلام بعيدًا عن أي رقابة أو إشراف من قبل مشيخة الأزهر أو وزارة الأوقاف، رغم إصدار الأخيرة قرارًا بضم جميع المعاهد لعصمة الوزارة، فإنه لا يزال حبيس الأدراج مثل معظم القرارات، وفقًا لمصادر بالوزارة.

"التحرير" تنفرد برصد العديد من معاهد إعداد الدعاة التابعة للجمعية الشرعية والدعوة السلفية وأنصار السنة المحمدية وغيرها من الجماعات والحركات الإسلامية، والتي تجاوزت المعاهد الرسمية التابعة للأوقاف، مُستغلين الحرية الكاملة الممنوحة لهم في هذا الصدد، فقاموا بتدريس كتب تدعو للتشدد والتطرف، ولعل أبرزها: كتب لحسن البنا، والقرضاوي ومحمد بن عبد الوهاب، وغيرهم من أصحاب الأفكار المخالفة لتعاليم صحيح الإسلام.

وأكدت مصادر مطلعة بالوزارة، أن معاهد الجماعات المتطرفة -على حد تعبيرهم- موجودة على مرأى ومسمع المؤسسات الدينية، حيث تضم الجيزة 33 معهدًا، تمتلك الجمعية الشرعية منها 8 معاهد، بينما تأتي الدعوة السلفية في المرتبة الثانية بمعدل 7 معاهد، وتمتلك جماعة الإخوان، وأنصار السنة المحمدية، وجمعية دعوة الحق العدد الباقي.

أما في القاهرة، فيوجد 5 معاهد، ثلاثة للجمعية الشرعية، واثنان للسنة المحمدية، وآخر للدعوة السلفية، وفي المنيا يوجد 4 معاهد، اثنان للدعوة السلفية، ومثلهما للجمعية الشرعية، وفي الإسكندرية توجد 7 معاهد، خمسة للدعوة السلفية، وواحد للجمعية الشرعية، وآخر لأنصار السنة المحمدية، أما في السويس، فتمتلك الدعوة السلفية معهدا واحدا، كما يوجد معهدان للدعوة السلفية في بني سويف، ومعهد في البحيرة للسلفيين، وثلاثة بالدقهلية، اثنان للجمعية الشرعية، وثالث لأنصار السنة المحمدية.

وفي الإسماعيلية، يوجد معهدان للدعوة السلفية وجمعية دعوة الحق، ومعهد للدعوة السلفية بقنا، واثنان لجماعة الإخوان بالشرقية، وآخر للجمعية الشرعية بالمنوفية، ومعهد للإخوان بكفر الشيخ، ومثله للدعوة السلفية، أما بالغربية، فيوجد معهدان للجمعية الشرعية، وآخر للجمعية الشرعية في سوهاج.

وأكد مصدر مطلع، أن وجود مثل هذه المعاهد بمثابة الـ«كارثة»؛ لأنها تُعد أجيالاً من العقول المتطرفة للانضمام إلى جماعات مثل "داعش" وغيرها، باعتبارها أداة فعالة، ووسيلة قوية في التعاون مع الجماعات الإرهابية التي تستهدف النيل من رجال الجيش والشرطة، مطالبًا بضرورة تدخل الحكومة في هذا الشأن، وعدم الاعتماد على التصريحات الرنانة لوزير الأوقاف.

ويكشف الواقع تواطؤ مديريات الوزارة في التعامل مع هذا الملف، في الوقت الذي قامت بمخاطبة أصحاب وشيوخ المعاهد فقط بضرورة التركيز على تدريس المناهج الوسطية، دون تشكيل لجان حقيقية تكشف عن محتوى المناهج وطريقة التدريس.

من جهته قال مصدر مسؤول بوزارة الأوقاف، إن الكشوف النهائية التي وصلت من مديريات الأوقاف بالمحافظات عن المعاهد التابعة للجمعيات، كشفت عن وجود أكثر من 60 معهدًا تابعًا لهذه الجماعات، مؤكدًا أن عدد المعاهد التابعة لوزارة الأوقاف بمختلف محافظات الجمهورية، يبلغ 19 معهدًا.

ويضيف المصدر، أن الجماعات المتطرفة لجأت إلى معاهد إعداد الدعاة؛ لنشر الأفكار المتطرفة من خلال تدريس كتب للبنا والقرضاوي التي تدعو إلى العنف والتطرف، وأن هذه المعاهد موجودة بمحافظات الجمهورية، وتتبع الدعوة السلفية والجمعية الشرعية وأنصار السنة، وغيرها من الجماعات الأخرى، منوهًا بأن القطاع الديني يدرس وضع خطة استراتيجية للتعامل مع هذه المعاهد، وإحكام السيطرة عليها إعمالاً بقرار ضمها للأوقاف، وإغلاق أي معهد دون النظر إلى من يديره حال ثبوت أية مخالفات سواء من حيث المنهج أو المحتوى أو غير ذلك.

في السياق نفسه، يضع القطاع الديني ضمن خطة إحكام السيطرة، خروج لجان تقوم بالكشف عن تلك المعاهد؛ للوقوف حول ما إذا كانت مطابقة للقانون من عدمه.

شهدت العلاقة بين شيخ الأزهر أحمد الطيب ووزير الأوقاف محمد مختار جمعة منحنيات خطيرة، كانت كفيلة بنشوب حالة من التوتر بين مؤسستي الأزهر والأوقاف حتى إذا نفى الطرفان ذلك، لا سيما أن هناك شواهد تثبت عدم تفاعل كلا الطرفين مع بعضهما بالشكل الأمثل.

وظل مختار جمعة بطل الصراع، وحاول أن يجعل من الوزارة قوة ونفوذا تهدد مكانة شيخ الأزهر، وهو ما ظهر بانشغاله عن واجبه في الاصطفاف مع المشيخة؛ للعمل معًا في ملف تجديد الخطاب الديني، وهو ما دفع الطرفان لتنظيم عدة مؤتمرات تطلبت ميزانية كبيرة دون جدوى أو نتيجة ملموسة على أرض الواقع.

الخلاف بين مختار جمعة وأحمد الطيب، حُسم لصالح شيخ الأزهر، حيث تم تكليف مختار جمعة من قبل مؤسسة الرئاسة خلال الأيام الماضية بالذهاب إلى المشيخة في زيارة رسمية؛ لتقديم الاعتذار للطيب، وبالفعل استجاب الوزير للتوجيهات، وقام بتقبيل يد الإمام الأكبر، إلا أن الزيارة لم تسفر عن أية إيجابيات في العمل الدعوي، فما زالت الجهود في قضية النهوض بالدعوة فردية، تفتقد للرؤية أو الخطط الاستراتيجية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل