المحتوى الرئيسى

من «سان دوني» إلى الـ«باتاكلان»: ليل باريس الدامي!

11/16 02:27

ليست فرنسا قبل الساعة التاسعة و20 دقيقة من مساء يوم الجمعة الماضي، كما بعدها. نصف ساعة وثلاث دقائق كانت كفيلة بإدخال البلاد في حالة «حرب»، وفي «حالة طوارئ» لم تشهدها منذ حرب الستينيات مع الجزائر، ولم تعشها المنطقة الباريسية منذ أحداث العنف في ضواحيها في العام 2005.

أقل من ساعة، عاشتها باريس في سيناريو رعب ودم تبناه تنظيم «داعش»، وكان متوقعاً بالنسبة إلى اجهزة استخباراتها، التي حذرت منذ شهر من أن ما يفصل البلاد عن هجوم إرهابي جديد، أقل مما يفصلها عن اعتداء «شارلي إيبدو» في كانون الثاني الماضي. بين الزمنين، هجمات إرهابية في البلاد قادها «ذئاب» منفردون في «هيبر كاشيه» اليهودي ومصنع ليون وقطار تاليس، وإحباط هجمات أخرى واعتقالات بالجملة، دقت جرس الإنذار من أن الخلايا النائمة للإرهاب تتجمع لعمل منظم يستهدف «الجمهورية».

ولكن ليلة باريس الدامية لم تكن متوقعة بكل المقاييس. فمن «ستاد فرنسا» في ضاحية سان دوني، إلى شارع «فولتير» حيث صالة الـ«باتاكلان»، إلى شوارع «فونتين» و«أليبير» و«دي شارون» في الدائرتين العاشرة والحادية عشرة، نفذت ثلاث مجموعات ضمت بمجملها سبعة انتحاريين وعدداً من المسلحين، هجمات مدروسة ومنسقة، أكثرها إيلاماً من حيث عدد الضحايا في مسرح الـ «باتاكلان»، وأكثرها إثارة للتساؤلات حول مدى الإخفاق الأمني، في الملعب الفرنسي، حيث كان الرئيس فرانسوا هولاند يحضر مباراة كرة قدم ودية بين فريق بلاده وألمانيا، وتم إخراجه من الملعب على عجل إلى مقر وزارة الداخلية.

وبدأ الهجوم الأول بتفجيرِ انتحاريٍّ نفسَهُ أمام «ستاد فرنسا»، بعدما تعذر عليه الدخول إلى الملعب الذي كان يحمل بطاقة مباراته، ليطلق مسلحون النار بعد خمس دقائق على جمع من الأشخاص خارج حانة «لو كارييون» ومطعم «لو بوتي كامبودج» عند تقاطع طريقي بيشات وأليبير في الدائرة العاشرة. في الساعة التاسعة والنصف، فجر الانتحاري الثاني نفسه أمام الملعب الفرنسي، بالتزامن مع فتح مسلحين النار على واجهة حانة في شارع «فونتين أو روا» ومطعم «لا بيل إيكيب» في شارع «دي شارون» في الدائرة الحادية عشرة. بعد 20 دقيقة، فجر انتحاري ثالث نفسه داخل مطعم «لو كومبتوار دو فولتير» في شارع فولتير، الذي يضم في مكان ليس ببعيد قاعة «باتاكلان» للموسيقى التي تتسع لـ1500 شخص، وحيث كانت تصدح فرقة روك أميركية، والتي دخلها ثلاثة انتحاريين بدأوا بإطلاق النار على الحضور معيدين مرات عدة، بحسب شهود، تعبئة أسلحتهم «الكلاشينكوف»، بعدما صرخوا أن ما يجري هو «رد على ما تفعله فرنسا في سوريا والعراق»، ما سرع بدخول «قوات النخبة»، فتمكنت من قتل انتحاري بعدما كان اثنان منهم قد فجرا نفسيهما.

وفي الحصيلة غير النهائية لهجمات باريس، 132 قتيلاً، بينهم 20 أجنبياً، و89 في الـ «باتاكلان» وحدها، بالإضافة إلى 352 جريحاً، 99 منهم في حالة خطرة. اما في آخر مستجدات التحقيقات، فقد اعلن مدعي باريس مساء أمس تحديد هوية انتحاريين فرنسيين اثنين آخرَين شاركا في الهجمات، وذلك بعد تحديد هوية انتحاري فرنسي هاجم قاعة الـ «باتاكلان» أمس الأول، وهو عمر اسماعيل مصطفائي (29 عاماً)، المسجل لدى الامن منذ 2010 كمتطرف اسلامي، من دون أن تعرف له علاقات بشبكات «جهادية»، بحسب القضاء الفرنسي، الذي أوقف ستة على الأقل من أفراد عائلته.

وقال المدعي العام فرنسوا مولان في بيان ان الانتحاريين الإثنين «كانا يقيمان في بلجيكا»، لافتا الى ان احدهما هو «منفذ أحد الهجومات الانتحارية التي ارتكبت قرب ستاد فرنسا»، والثاني «هو من فجر نفسه في شارع فولتير».

من جهتها، قالت الشرطة الفرنسية على «تويتر» انها تسعى أيضا لـ«اعتقال رجل بلجيكي المولد يدعى عبد السلام صلاح في ما يتعلق بالهجوم»، واصفة إياه بأنه «خطير».

وكانت النيابة العامة البلجيكية أعلنت في وقت سابق أمس ان بين منفذي هجمات باريس «فرنسيَّين اقاما في بروكسل، احدهما في حي مولنبيك، وقتلا في موقع الهجمات».

وتحدثت النيابة العامة عن «سيارتين مسجلتين في بلجيكا» على ارتباط بالهجمات، بعدما كان المحققون الفرنسيون قد عثروا على إحداها في إحدى ضواحي باريس، كما عثروا على سيارة ثانية مرتبطة أيضاً بالهجوم أمام الـ«باتاكلان»، واستخدمت خلال الهجمات.

وقالت النيابة البلجيكية أن السيارتين «قد استؤجرتا مطلع الاسبوع في منطقة بروكسل»، مضيفة انه «تم توقيف سبعة اشخاص في بلجيكا منذ السبت في اطار الشق البلجيكي من التحقيق في الاعتداءات»، و «العثور على سيارة في منطقة مولنبيك».

واشارت النيابة العامة البلجيكية الى انه تم القبض على ما مجموعه سبعة اشخاص في بلجيكا منذ السبت «في اطار الشق البلجيكي» من التحقيقات حول اعتداءات باريس، مضيفة أن «بعضهم قد يمثل امام قاضي التحقيق خلال الساعات المقبلة».

من جهته، قال وزير العدل البلجيكي كون غينس إن اعتقالات مولنبيك «يمكن اعتبارها على ارتباط بسيارة بولو رمادية، تم استئجارها في بلجيكا وعثر عليها امام (مسرح) باتاكلان».

وكان عثر على بنادق «كلاشنيكوف» عدة من النوع الذي استخدم في الهجمات في السيارة السوداء من طراز «سيات» التي عثر عليها المحققون الفرنسيون في ضاحية مونتروي شرق باريس.

من جهتها، أعلنت الشرطة اليونانية أمس الأول، ان شخصين تلاحقهما نظيرتها الفرنسية في اطار الهجمات «سبق ان تسجلا في اليونان هذا العام كطالبي لجوء».

وطلبت السلطات الفرنسية من أثينا التأكد من جواز سفر احد هذين الشخصين، وهو سوري الجنسية، ومن بصماته الرقمية ومن بصمات الشخص الآخر، انطلاقا من اعتقادها انهما سجلا اسميهما في اليونان، وذلك بعد العثور على جواز سفر السوري قرب جثة احد مهاجمي الـ «باتاكلان».

من جهتها، قالت السلطات الصربية إن حامل جواز السفر السوري الذي عثر عليه قرب جثة أحد الانتحاريين في الـ «باتاكلان»، كان «مسجلا كلاجئ في دول أوروبية عدة الشهر الماضي».

وقالت وزارة الداخلية الصربية في بيان: «أحد الإرهابيين المشتبه فيهم، هو شخص مطلوب لدى وكالات الأمن الفرنسية، سجل نفسه عند معبر بريسيفو الحدودي (من مقدونيا إلى صربيا) يوم السابع من تشرين الأول حيث قدم رسميا طلب لجوء»، وذلك بعدما تم تسجيله في اليونان في الثالث من الشهر نفسه»، مضيفة أنه «لم تصدر الشرطة الدولية (الانتربول) أمر اعتقال بحق هذا الشخص».

وكان تنظيم «الدولة الاسلامية» انتظر حتى اليوم الثاني الذي تلا الهجوم ليتبناه رسمياً في بيان تداولته حسابات تابعة له على «تويتر»، مؤكداً فيه أن فرنسا على «رأس قائمة اهدافه».

وجاء في البيان: «قام ثمانية اخوة ملتحفين احزمة ناسفة وبنادق رشاشة باستهداف مواقع منتخبة بدقة في قلب عاصمة فرنسا، فتزلزلت باريس تحت إقدامهم وضاقت عليهم شوارعها».

واوضح البيان ان الاعتداءات استهدفت «ملعب دي فرانس اثناء مباراة فريقي المانيا وفرنسا الصليبيتين، ومركز باتاكلان للمؤتمرات حيث تجمع المئات من المشركين، واهدافا اخرى».

وهدد التنظيم المتطرف فرنسا بانها «على رأس قائمة اهداف الدولة الاسلامية ما داموا قد تصدروا ركب الحملة الصليبية وتجرأوا على سب نبينا، وتفاخروا بحرب الاسلام في فرنسا، وضرب المسلمين في ارض الخلافة بطائراتهم»، مشيراً إلى ان «هذه الغزوة هي اول الغيث وانذار لمن اراد ان يعتبر».

وكان الرئيس الفرنسي، وبعد إعلانه حالة الطوارئ وإغلاق الحدود مباشرة بعد الهجوم، أعلن في اليوم التالي أن «ما حصل امس هو عمل حربي، ارتكبه داعش ودبر من الخارج بتواطؤ داخلي سيسمح التحقيق بإثباته»، وذلك قبل تبني «داعش» الهجوم.

وندد هولاند، اثر خروجه من اجتماع لمجلس الدفاع بمشاركة الوزراء الرئيسيين في حكومته في قصر الإليزيه، بـ«عمل وحشي مطلق»، مؤكداً ان «فرنسا لن ترحم»، ولافتاً إلى «اتخاذ كل التدابير لضمان امن المواطنين في اطار حال الطوارئ» .

وشدد الرئيس الفرنسي على ان «قوات الامن الداخلي والجيش متأهبة بأقصى مستويات قدراتها»، معلناً «تعبئة 1500 جندي اضافي» لمنطقة باريس، والحداد الوطني في البلاد لمدة ثلاثة ايام ابتداء من الأحد.

وأمس، عبّر هولاند أمام برلمانيين عن رغبته في تمديد حالة الطوارئ التي أعلنها لـ «مدة ثلاثة اشهر»، علماً أنها لن تتجاوز حالياً 12 يوماً إذا لم يصوت البرلمان عليها.

من جهته، اكد رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس ان فرنسا «في حالة حرب، وستضرب عدوها المتمثل بتنظيم الدولة الاسلامية بهدف تدميره».

وقال فالس في تصريح لقناة «تي اف 1»: «نحن في حرب تخاض على التراب الوطني وفي سوريا»، مؤكداً ان «الرد الفرنسي سيكون بالمستوى نفسه لهذا الهجوم».

ونبه رئيس الوزراء الفرنسي الى ان على بلاده «ان تتوقع ردوداً اخرى من الارهابيين»، مذكرا بانه كرر مرارا منذ اعتداءات كانون الثاني الماضي ان «الخطر ماثل على الدوام».

وشدد على وجوب «ان نعيش قيمنا. علينا ان نقضي على اعداء الجمهورية ونطرد كل هؤلاء الائمة المتطرفين، وهو امر نقوم به، وننتزع الجنسية من اولئك الذين يهزأون بما تمثله الروح الفرنسية وهذا ما نقوم به ايضا».

إلى ذلك، وبعد توقيف الرحلات المدرسية لوقت غير محدد في البلاد، ومنع التظاهر، اغلق برج ايفل ابوابه «حتى إشعار آخر»، بحسب ما اعلنت الشركة المشغلة للنصب الباريسي.

أوروبياً، قررت رئاسة الاتحاد الاوروبي عقد مجلس طارئ لوزراء الداخلية والعدل للدول الاعضاء يوم الجمعة المقبل استجابة لطلب قدمته باريس.

وفي هذا الإطار، قال وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف إن «المعركة ضد الارهاب يجب ان تتعزز على جميع المستويات، خصوصاً على المستويين الاوروبي والدولي».

وأضاف انه «ازاء مستوى التهديد الذي يحدق بالاتحاد الاوروبي، على اوروبا انشاء سجل اوروبي لركاب الرحلات الجوية يكون مجدياً، وإقرار تشريعات متينة وفعالة حول ضبط الاسلحة النارية»، مطالباً أيضاً بـ«تعزيز آلية تبادل المعلومات وتطبيق اجراءات مراقبة منهجية ومنسقة على الحدود الخارجية للاتحاد من خلال مراجعة محددة الاهداف لقانون شنغن للحدود».

من جهته، اعلن نائب مستشار الامن القومي الاميركي بن رودس أن بلاده «ستكثف التنسيق مع فرنسا بشأن الرد العسكري في سوريا على هجمات باريس، كما ستكثفان تبادل المعلومات الاستخبارية».

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل