المحتوى الرئيسى

#منسيون- ماهر عواد.. "عن العيشة واللي عايشينها" (١ من ٢)

11/15 14:36

في أحد الأيام سألت صديق لي "أين ماهر عواد الآن؟" فأجابني بتنهيدة "الله يرحمه" وظللت لفترة طويلة معتقدا أنه توفي حتى رأيته بعيني في إحدى فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ٢٠١٤.

اللافت أن هذا السيناريست المختلف كليا وجزئيا، لن تجد على مواقع الإنترنت المتخصصة وغير المتخصصة ما يسد رمقك إذا كنت من هواة البحث والتنقيب عن سير المبدعين، لن تجد سوى أسماء أفلامه السبعة وملحوظة أنه كان زوجا للسندريلا سعاد حسني دون أن نعرف على الأقل تاريخ ميلاده وكيف بدأ وبدأت رحلته في دروب السينما؟

وعذرا عزيزي القارئ فأنت مع الأسف الشديد لن تجد في هذا المقال أيضا ما يسد رمقك من معلومات شخصية عن ماهر عواد، بل سندخل سويا في رحلة من ٧ أفلام تركها لنا ماهر عواد قبل أن تعتزله السينما ويعتزل هو الجميع.

البداية مختلفة ولكنها مهتزة أيضا..

كان هو وصديقه شريف عرفة يحلمان بسينما مختلفة، سينما واسعة تستطيع أن تناقش وتحلل وتنتقد وتجمع بين الكوميديا والدراما والاستعراض.. الفيلم الموسيقي في آن واحد، سينما تحمل أبعاد مجتمع بأكمله سياسيا وإجتماعيا وإقتصاديا، بعيدا عن الخطابة السينمائية أو الإصلاحية، سينما تستحق أن نصفها بالسينما لتبدأ رحلة الثنائي في منتصف 1986 حينما بدأو تصوير أول أفلامهم بعدما تحمس لهم ولتجربتهم المنتج جرجس فوزي والمنتج شريف شعبان ليقدموا فيلم "الأقزام قادمون" من بطولة يحيى الفخراني و ليلى علوي وجميل راتب، ليبدأ عواد وعرفة رحلتهما كما كان نهج أغلب افلام الثمانينات في نقد الإنفتاح الإقتصادي و تبعاته التي حولت هذا المجتمع إلى مجتمع إستهلاكي شرة من خلال مخرج إعلانات.

عالم جديد يقتحمه عواد وشريف و هو عالم صناعة الدعاية وما قد يتبعها من صناعات مثل الوهم والثروة والرغبة، مخرج الإعلانات الذي يكتشف حقيقة ما يقدمه للناس بعدما يقع حريق في صالة ديسكو كان قد اعلن عنها سابقا ليبدأ في اكتشاف عالم الوهم الذي صنعه ليثور عليه هو ومجموعة من الأقزام ليستردوا أرضهم التي اغتصبها منهم رجل أعمال يدعى "رضوان".

وبدون الخوض في إسقاطات الفيلم وتفكيك رمزيته فإن ماهر عواد وشريف عرفة أعلنا في فيلمهما الأول أنهما بداية صرخة سينمائية جديدة بلون ونكهة مختلفة عن كل ما هو سائد وقتها ولكن الفيلم و التجربة الجديدة لم تلاقي النجاح الجماهيري وبذلك اصبح الأقزام قادمون واحدا من الأفلام النادرة رغم اختلافها.

بعد فيلم "الأقزام قادمون" عاد شريف عرفة للعمل كمساعد مخرج مع عدد من المخرجين حتى عام ١٩٨٨، حينما عاد هو وصديقه ماهر عواد بفيلم جديد هو "الدرجة الثالثة" من بطولة أحمد زكي، وسعاد حسني، وجميل راتب، وسناء يونس، وعبدالعظيم عبدالحق، وأحمد عقل، ويوسف عيد، وأحمد راتب، وغيرهم من النجوم.

ويمكن اعتبار فيلم "الدرجة الثالثة" هو أكثر أفلام عواد وعرفة تعرضا للظلم والإضطهاد السلطوي، فضيق عليه الخناق أثناء عرضه سينمائيا، كما منع من العرض تلفزيونيا ولم نعلم بوجوده إلا بعد اختراع الأقمار الصناعية وقنوات السينما المشفرة، إضافة إلى أن جميع النسخ الخاصة بالفيلم رديئة جدا.. والسؤال: لماذا هذا الفيلم تم إضطهاده بهذا الشكل التأمري؟

السينما كانت قد اقتحمت عالم لعبة كرة القدم بداية من "كابتن مصر" لإسماعيل ياسين مرورا بـ"حديث المدينة" لعصام بهيج و"اونكل زيزو حبيبي" لمحمد صبحي و"رجل فقد عقله" لعادل إمام و "4-2-4" لسمير غانم ويونس شلبي وغريب في بيتي لسعاد حسني و نور الشريف.

الأفلام السابقة تناولت عالم رياضة كرة القدم بحبكات وزوايا ورؤى مختلفة، ولكن لم يجسر أحد إلى الزاوية التي دخل منها ماهر وشريف في "الدرجة الثالثة"؛ عالم مشجي كرة القدم وتحديدا مشجعي الدرجة الثالثة وقود الملاعب وروحها، الفيلم الذي تناول علاقة الجمهور بإدارة النادي في تبسيط وتشريح وتشريخ لعلاقة السلطة بالمحكوم، مع نقد لاذع للتجربتين "الناصرية" و"الساداتية" في الحكم، إضافة إلى حالة من الثورية في أحداث الفيلم وهي سمة غلبت على أفلام شريف عرفة وماهر عواد سنتحدث عنها لاحقا، كل هذا في قالب كوميدي به لمحة استعراضية، وبأسماء مثل أحمد زكي وسعاد حسني كان كفيلا أن يضع الفيلم ضمن قائمة "الأفلام التحريضية بجدارة".

"الدرجة الثالثة" كان المدفع والبندقية والصيحة التي يخشاها الأنظمة، ليكون مصير الفيلم الطمس والتهميش.

في "الدرجة الثالثة" يؤكد عواد و شريف على قناعتهما الثورية التحريضية وعلى إيمانيهما بفكرة العمل الجماعي أو التحرك الجماعي للشارع، ففي "الأقزام قادمون" يتحرك الأقزام مع شهاب في ثورة ضد فاسد رأسمالي منتفع اغتصب أرضهم، وفي "الدرجة الثالثة" تتحرك الجموع مع مناعة وسرور للحفاظ على حقهم في الحياة والوجود حينما قررت إدارة النادي هدم مدرجات الدرجة الثالثة للتخلص منها نهائيا، إذا في التجربتين كان التحرك الجماعي هو النهاية و المصير فالتكن هي الرسالة التي يقدمها ماهر عواد والنبؤة أيضا "لابديل من التحرك الشعبي" لتتحقق بعدها بسنوات وسنوات.

في "الأقزام قادمون" يقتحم ماهر عواد جيتو الأقزام في رمزية واضحة وصريحة عن كيف يرى المنتفعون والسلطة الفاسدة الشعب؟ فهو في النهاية قزم قليل الحيلة ضعيف البنية.

وفي "الدرجة الثالثة" أيضا ينحاز ماهر وشريف إلى الفئات المهمشة البسيطة الأقرب للجيتو منها إلى طبقة من طبقات المجتمع، ويدخلا جيتو "الغلابة" المعدومين و الكادحين الراغبين والطامعين في حقهوهم الحياتية الأساسية، وهي الحياة والوجود بكرامة. طبقة هي الخليط من الباعة الجائلين و السائقين والقهوجية، جيتو المقهورين والباحثين عن "خرم أبرة" للسعادة و الحياة.

مرة أخرى يقرر ماهر عواد أن هؤلاء الغلابة قادرين على الإطاحة بنظام إذا تجمعوا، قادرين على الفعل الثوري إذا ضاقت بهم السبل، وأي خطر ممكن أن يشكله كاتب سينمائي على نظام ظاهره الحرية وباطنة القمع مثل نشر تلك الأفكار.

حينما أراد ان يدعونا للمقاومة

توقف أخر لمدة ٣ سنوات لم نرى فيها اسم شريف عرفة أو ماهر عواد على أفيش سينمائي ليعودا يوم ٢٧ مايو ١٩٩١ بفيلمهما الثالث "سمع هس" من بطولة ليلى علوي، وممدوح عبدالعليم، وحسن كامي، وسهير الباروني، وأحمد عقل و غيرهم.

الثنائي عرفة وعواد قدم لنا قصة الزوجين حمص وحلاوة أصحاب الفن والراغبين في تحقيق حلمهما المشروع في الوصول ليجدا أن العالم بأجمعه يقف في وجههما.

حمص وحلاوة يواجهان غندور المطرب اللامع ذو الشهرة والنفوذ، و الذي يكشف لنا ماهر عواد فساده سريعا سريعا حينما نعلم انه لص ألحان، ليدخل في صراع حول اللحن الأصلي وملكيته، وربما من أجمل مشاهد الفيلم مشهد الإفتتاحية حينما عرض لنا ماهر عواد من خلال خشبه مسارح احد الموالد صراع بين قزمين حول عباءة كانت ملك لأحدهم ويدعي الإثنان أن العباءه ملك له وان الناس جميعا تشهد بذلك، مشهد لم يتجاوز الدقيقة ولكنه كان تمهيدا عبقريا للفيلم والذي جاء تحرضيا ايضا ولكن ليس محرضا للثورة ولكن محرضا على المقاومة.

يكشف عواد وعرفة سوء كل المنتفعين و"لصوص الأحلام" والجهد من خلال قصة حمص وحلاوة، وقدرة المال والسطوة والنفوذ على تذليل جميع العقبات وشراء أغلب الضمائر، ليقف حمص وحلاوة وحيدين أمام جيش من المفسَدين والمفسِدين، وليس بجانبهم سوى "عفارم" و فرقته التي لا تملك سوى اللعن والشتم، ومعتوه أخرس عازف بيانولا، وليس أجمل ولا أبلغ تعبير عن المقاومة إلا أغنية الختام في الفيلم والتي كتبها بهاء جاهين، ولحنها مودي الإمام و تبدأ بجملة "هافضل طول عمري صعلوك.. صايع متشرد بعكوك" وتنتهي بصرخة "هاتشوفوا" مرورا بجمل مثل "مش ممكن أبدا ولا يمكن الأهتم مش ممكن ها يسنن/ الأقرع ها يتنوا كدة أقرع/ واللي بيحلم راح يتجنن" وجمل "هاتشوفوا طريقنا مودي لفين.. على ما تهل سنة ٢٠٠٢/ هانكون فوق فوق فوق فوق.. أطول واحد فيكوا هايجي تحت كتافنا كدة بشبرين"، في غنائية حوارية بين الحلم وأعداءه والمنتفعين من مقتله واليائسين والمستسلمين تنتهي بصرخة من وراء قضبان بشرية تمنع الحلم من الوصول.

في "سمع هس" ينتقل شريف عرفة وماهر عواد من مرحلة إرهاصات الفيلم الموسيقي الاستعراضي إلى مرحلة تحقيق الحلم بعمل فيلم إستعراضي مكتمل من موسيقي لأزياء لأغاني لاستعراضات كتبها بهاء جاهين، ولحنها مودي الإمام، وصممها عاطف عوض، ليخرج خيري بشارة قائلا إن "(سمع هس) هو إعادة لإحياء الفيلم الاستعراضي وإعادة تعريف له".

وبالطبع فيلم بهذه الجرأة لم يجد له منتج فخرج من إنتاج ممدوح عبدالعليم وشريف عرفة وماهر عواد، ولكن كان نصيبه أفضل من سابقيه فعرض الفيلم وأصبح من الأفلام الشهيرة والمعروفة لماهر عواد وشريف عرفة.

"يا مهلبية يا".. مابين السيرة و المسيرة

في العام نفسه وتحديدا في ٢٧ ديسمبر ١٩٩١ يقدم عواد وعرفة فيلمهما الرابع والذي حمل اسم "يا مهلبية يا" بطولة ليلى علوي، وهشام سليم، وأحمد آدم، وصلاح عبدالله، وعلاء ولي الدين، وأشرف عبدالباقي، وعبدالعزيز مخيون، وأحمد راتب، وأحمد عقل وحسن كامي.

قرر ماهر عواد أن يكون "يا مهلبية يا" فيلما داخل فيلم ويدور على مستويين في السرد أحدهما يحدث في الوقت الحالي ويقوم ببطولته عبدالعزيز مخيون بدور المخرج السينمائي "شكري" وأحمد راتب في دور المؤلف والسيناريست "مهدي" في اسقاط وإشارة صريحة لمسيرة ماهر وشريف، وأحمد عقل في دور "بعكوك" المليونير، بينما تظل ليلى علوي شخصية تتأرجح بين العالمين في البداية والعالم الأخر بطولة هشام سليم وحسن كامي و صلاح عبدالله وأشرف عبدالباقي وأحمد أدم وعلاء ولي الدين.

الفيلم الذي يدور بين التسعينات (الحاضر وقتها) و بين الماضي الأربعينات استطاع ماهر عواد عبر سيناريو ذكي للغاية أن يجعل المشاهد هو الأخر في حيرة من أمره هل الأربعينات يعاد تمثيلها في فيلم داخل الفيلم أم انها هي الفيلم الأصلي والحاضر هو الدخيل عليها، مستخدما تكنيكا في السرد والكتابة نادر استخدامه.

بل وبرهن ماهر عواد على براعته في التأرجح والتداخل بين مستويات السرد والزمن إلى حد جعلنا نتجاهل السؤال حول الزمن وأيهما حاليا وأيهما ما كان والإندماج في الفيلم وظل يلاعب المشاهد بمشاهد موضوعة بعناية شديدة.

الفيلم الذي حمل صرخة تحريضية جديدة على فساد ممتد ومستمر مهما تغيرت نظم الحكم أو الأشخاص والأسماء ينتهي هذه المرة بإنفجار كبير يطيح بالجميع ويطيح بنا أيضا قبل أن يداعبنا ماهر عواد على لسان "مهدي" (أحمد راتب) قائلا: "فيلم ناجح إن شاء الله".

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل