المحتوى الرئيسى

مُحمد يسري يكتب: معارك الموحدين الكبرى في الأندلس (1-3) | ساسة بوست

11/14 05:18

منذ 3 دقائق، 14 نوفمبر,2015

معركة شنترين ( 580هـ )

استمرت الحروب والمعارك بين الموحدين الذين فرضوا سيطرتهم على الأندلس في عهد خليفتهم القوي ( عبد المؤمن بن علي ) من جهة ، وبين ممالك النصارى ( نافار – ليون – قشتالة – البرتغال – قطلونية ) من جهة أخرى .

ولم يستطع أي طرف من الطرفين أن ينتصر على الطرف الآخر انتصارًا حاسمًا يهدد من وجوده على أرض الجزيرة ، ولذلك لجأ كل من الطرفين إلى أسلوب الحرب السريعة الخاطفة التي تهدف إلى التخريب والتدمير وإضعاف العدو ، وإنهاكه والحد من موارده .

وإن كان الخليفة الموحدي الأول (عبدالمؤمن بن علي) قد انشغل بتوسعاته في المغرب ، وبتوطيد سيطرته على قواعده الرئيسية ، فإن ابنه الخليفة الثاني (أبو يعقوب يوسف ) قد أراد القيام بعمل عسكري عظيم في الأندلس ، وسنحت له الفرصة لتحقيق مآربه بعد القضاء على حركة (ابن مردينش) في شرق الأندلس ، عندها قام أبو يعقوب بحملة عسكرية ضخمة على مدينة (وبذة )عام 567هـ إلا أن هذه الحملة لم تأت بثمارها نتيجة لعدة أسباب ، وهي: –

1-      الظروف الجوية السيئة التي عانى منها الجيش الموحدي المحاصر للمدينة .

2-      استماتة البرتغاليين في الدفاع عن المدينة ، ورفضهم للتسليم .

3-      تحرك الملك القشتالي ( ألفونسو الثامن ) لنجدة البرتغاليين .

4-      الضعف الخططي والفوضي الضاربين في الجيش الموحدي .

وقد أدى فشل الموحدين في الاستيلاء على وبذة إلى تقوية مملكة البرتغال الناشئة على يد ملكها (ألفونسو هنركيز) ، وفي عام 567هـ قام البرتغاليون بدخول مدينة (باجة )، حيث خربوها وهدموا أسوارها ، كما أنهم قاموا بعد ذلك بالكثير من الحملات على القسم الغربي من الأندلس ، وقد أدت تلك الأحداث إلى تزايد مخاوف الخليفة الموحدي من فقدان السيطرة على غرب الأندلس ، لذلك وجد أنه من الواجب عليه القيام بحملة عسكرية كبرى؛ ليعوض بها الفشل الذي صادفه في وبذة ، وقرر أن يتم توجيه تلك الحملة لمملكة البرتغال خصوصًا وأنها أشد الممالك النصرانية وطأة على غزو أراضي الموحدين  .

في عام 579هـ أمر الخليفة بتمييز طوائف الموحدين والعرب والقبائل استعدادًا للغزو  ، كما أنه – تنظيمًا للإدارة في الأندلس – قد أصدر مرسومًا بتولية أربعة من أولاده على القواعد الرئيسة في الأندلس .

وبدأ الخليفة في الإشراف بنفسه على صنع عشرة مجانيق عظيمة ، وتجربتها استعدادًا لأعمال الحصار والغزو ، وفي يوم الثلاثاء الرابع من شهر المحرم تحرك الخليفة أبو يعقوب من فاس  إلى سبتة ، ثم أمر جيوشه بالجواز إلى الأندلس ، ثم نزل إلى الجزيرة الخضراء ، ومنها سار إلى أشبيلية ، وهناك خرج الناس لاستقباله ، وقدم إليه أولاده الأربعة ومعهم جند ( قرطبة وغرناطة ومرسية وأشبيلية ) ، وبذلك زاد عدد الجيش الموحدي زيادة كبيرة ، وفي بعض الروايات النصرانية : أن هذه الجيوش مجتمعة كانت تفوق في الكثرة أي جيش آخر قاده ملوك أفريقية إلى أسبانيا  ، كما أن الأساطيل الإسلامية تجمعت عند مصبي نهري         ( الوادي الكبير ووادي يانة ) وقد تم شحنهما بآلات الحصار والمؤن ، وهي على أتم استعداد لمواجهة القوة البحرية للبرتغاليين .

وفي صبيحة يوم الخميس السادس والعشرين من شهر صفر  تحرك أبو يعقوب في اتجاه مدينة شنترين ويبدو أن وجهة الخليفة الموحدي الرئيسية كانت إلى مدينة لشبونة ، ولكنه أراد أن يضعفها أولا بالاستيلاء على قلعة شنترين القوية القريبة منها ، والواقعة على نهر التاجة اليسرى، ويعلل “محمد عبدالله عنان ” اختيار الخليفة الموحدي أبو يعقوب لمدينة شنترين هدفًا لحملته بقوله

(أما هدف هذه الغزوة فقد استقر الرأي على أن يكون مدينة شنترين البرتغالية ، واختيار هذه المدينة بالذات هدفًا للغزوة الموحدية يرجع إلى أسباب عديدة ، مادية ومعنوية ؛ فقد كانت البرتغال في عهد أبي يعقوب أول مملكة نصرانية في شبه الجزيرة مناصبة الموحدين العدوان ، وكانت هذه المدينة بالذات أهم قواعد هذا العدوان ، ومنها خرجت الحملات العدوانية المتوالية التي شنها الفارس المغامر جيرالدو سمبافور على بلاد ولاية الغرب ، وحصولها في قطاع بطليوس ، ثم كانت بعد ذلك قاعدة لمهاجمة ملك البرتغال ، وجيرالدو سمبافور لمدينة بطليوس ذاتها ، وكانت شنترين أخيرًا مركزًا للحملات المخربة التي شنها البرتغاليون على أحواز أشبيلية )

وبعد تسعة أيام  من الخروج من أشبيلية وصلت الجيوش الموحدية إلى حصن العرجة ؛ حيث تجمعت الجيوش وتجهز الجنود بالأسلحة والعتاد ، ثم واصل الجيش تحركه حتى وصل إلى مدينة بطليوس ، وهناك استكملت الجيوش ما كان ينقصها من الميرة والزاد .

في الوقت الذي كانت فيه جيوش الموحدين تقترب فيه من مدينة شنترين كان الملك (فرناندو) ملك ليون يقوم بحصار مدينة( قاصرش ) الواقعة شمال شرقي بطليوس ، على مقربة من نهر التاجة  ، ولما علم فرناندو بنبأ اقتراب الجيش الإسلامي آثر فك الحصار، والابتعاد إلى حاضرته مدينة ردريجو ، أما أبو يعقوب فقد أمر جنوده باختراق نهر التاجة ، ثم قام بضرب الحصار حول المدينة نفسها ، ثم نصب معسكر الجيش الموحدي في الجهة الجنوبية الشرقية من المدينة ، وامتد معسكرهم على طوال النهر .

وفي تلك الأثناء كان الأسطول الموحدي يسير إلى مياه أشبونة ، فقد كانت خطة الخليفة أبي يعقوب تهدف إلى غزو شنترين ، ثم حصار أشبونة بحرًا وبرًا ، وضمان حماية مؤخرة الجيش الموحدي من ناحية مدينة شنترين ، بحيث يتفرغ الموحدون بعد إسقاط أشبونة وتحطيم مملكة البرتغال كلها ، وكان ملك البرتغال ألفونسو هنريكيز قد تحصن في شنترين ، وحشد فيها أعدادًا كبيرة من الجنود ،

كما أنه رتب عددًا من الجنود لحماية الربض الخارجي للمدينة ، ولكن الموحدين استطاعوا هزيمة جند البرتغال المدافعين عن الربض والأسوار الخارجية للمدينة ، وبدأ أبو يعقوب في تشديد قبضته على المدينة ، وأخذ في قطع ثمارها وإفساد زروعها ، وشن الغارات على نواحيها  .

واستطاع الموحدون السيطرة على المدينة ، ولكنهم لم يتمكنوا من الدخول إلى قصبتها ، واستمر القتال بين الفريقين حتى يوم الإثنين الحادي والعشرين من ربيع الأول ( 2يوليو ) ، ونشبت بينهما خلال تلك المدة عدة معارك عنيفة .

وتقدم إلينا الروايات النصرانية عن هذه المعارك صورًا مختلفة ، ويقول بعضها  إن المعارك لبثت تضطرم بين النصارى والموحدين في الربض الخارجي للمدينة لمدة خمسة أيام .

ويبدو أن بعض قادة الجيش الموحدي قد خافوا أن ( يعظم النهر فلا يستطيعوا عبوره وينقطع عنهم المدد ) ؛ خصوصًا وأن الحملة كانت في أواخر فصل الخريف ، فخاطبوا الخليفة في ذلك الأمر ، وضرورة فك الحصار عن شنترين ، ولعل أبا يعقوب قد وافقهم على رأيهم أو أظهر لهم الموافقة ، وإن كان لم يعط أوامر صريحة بالانصراف وفك الحصار .

وقد اختلفت أقوال المؤرخين المسلمين في تلك الحادثة ، فيروي المراكشي أن الخليفة قد قال لقادته حين طلبوا منه الانصراف عن شنترين ( نحن راحلون غدًا إن شاء الله ) ويقصد بها المراكشي الانصراف من أمام شنترين والرجوع إلى أشبيلية .

أما صاحب روض القرطاس فيرى أن الخليفة قد أمر ولده السيد أبي إسحاق بالرحيل ، والتوجه إلى مدينة أشبونة، وشن الغارات على أنحائها ، وأن أبا إسحاق قد أساء الفهم وظن أن الخليفة يأمره بالرجوع إلى أشبيلية .

وبغض النظر عن سبب الارتحال من أمام مدينة شنترين ووجهته ، إلا أنه من المؤكد أن رحيل هذه الأعداد الضخمة والهائلة من الجند بشكل مفاجئ قد خلق نوعًا من أنواع الفوضى والاضطراب الكبيرين في المعسكر الموحدي .

وكان المنادون قد نادوا في الناس بالرحيل وعبور نهر التاجة ، ( فلما كان قرب الفجر أقلع السيد أبو إسحاق ، وأقلع كل من كان يليه ، وتابعه الناس بالرحيل فارتحلوا ، وأمير المؤمنين في مكانه لا علم له بذلك )  .

وترى الروايات النصرانية أن رحيل الجيش الموحدي المفاجئ من أمام أسوار شنترين كان بسبب الأخبار المترامية بمقدم ملك ليون فرناندو بجيشه لمساعدة ملك البرتغال الفونسو هنريكيز .

وفي صباح اليوم التالي لرحيل الجيش الموحدي اكتشف الخليفة أبو يعقوب أن معظم عساكره قد رحلت ، ولم يبق معه إلا عدد قليل من الجند ، ( وانحدر الخليفة صوب النهر ، وبقى ابنه يعقوب المنصور مع بقية الساقة في موضع المحلة مستعدًا للقاء النصارى ، وردهم وحماية أبيه ومن معه )  .

وعندما شاهد البرتغاليون معسكر الموحدين خاليًا من الجنود، إلا من الخليفة ونفر قليل معه ، بعثوا ببعض جواسيسهم للاستطلاع ، والتأكد من الأمر ، فلما تيقنوا من انصراف معظم الجيش الموحدي وعبوره نهر التاجة “هجم النصارى على معسكر الموحدين وهم يصيحون ” إليهم ، إليهم ، إليه ، أين هو؟ ” ، ثم نفذوا إلى خيام الحرس ، وقتلوا رجاله جميعًا ، ووثبوا إلى خيمة الأمير ، ومزقوا كل ما حوت من الستور والبسط والفراش، وهو يقاتل بسيفه ستة من الفرسان النصارى ، وأخيرًا طعنه أحدهم بسيفه طعنة نافذة فسقط إلى الأرض مضرجًا بدمائه ”  .

واستطاع بعض الفارين من البرتغاليين الوصول للجيش الموحدي على الضفة الأخرى من نهر التاجة ، فهرع الموحدون إلى معسكر لإنقاذه ، والتصدي للنصارى . ويبدو أن الفريقين قد قاتلا بمنتهى العنف والقوة ، واستطاع المسلمون أن يستنقذوا خليفتهم المصاب ، وما لبثوا أن تركوا المعسكر ، وانصرفوا نحو أشبيلية .

أما الأسطول الذي كان يسير في طريقه لحصار أشبونة ، فقد بادر بالفرار عقب معرفة الكارثة التي وقعت للجيش الموحدي أمام أسوار شنترين .

النتائج المترتبة على المعركة :

1-      وفاة الخليفة أبو يعقوب يوسف متأثرًا بجراحه أثناء رجوعه من شنترين إلى أشبيلية.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل