المحتوى الرئيسى

«فيينا السوري»: غربلة المسلحين وإحصاء الإرهابيين الأحياء

11/12 02:11

إشكالان أمام فيينا السوري. الأول غربلة المجموعات المسلحة السورية وفصل الإرهابي عن المعتدل، لمقاتلة الاول، ودعوة الثاني الى المشاركة في الحرب والمفاوضات ربما. والثاني انتخاب وفد المعارضين السوريين، الى مفاوضات مع الحكومة السورية، ولجنتي دي ميستورا لمشاورات حول الاصلاح السياسي والامن.

الديبلوماسيون الذين يعدون اللوائح منذ اليوم، في فيينا، لكي يسهل على وزرائهم الحسم، سيمضون يومين من أصعب أيام فيينا بالتأكيد، بسبب تعدد اللوائح، وضيق هامش المناورة أمام تركيا وقطر والسعودية والولايات المتحدة وفرنسا، والدول التي تموّل المجموعات المسلحة وتسلّحها.

الروس لم يسهّلوا مهمّة المجتمعين في فيينا، بالرغم من أنهم اختاروا تجزئة القضايا الخلافية لكي لا ينفجر مسار فيينا. وفضلوا البدء بتحديد خريطة الإرهابيين، قبل دعوة المشاركين في الاجتماع لاحقاً، الى تصويب صواريخهم عليهم في سوريا، والدخول الى ميادين الحرب على من وُضعوا على لائحة الإرهاب، بعدما أمضوا أعواما في تمويلهم وتسليحهم والمراهنة على الوصول الى دمشق خلفهم.

لكن الروس لا يحدثون مع ذلك جديداً، ذلك أن النقاش في جنس الجماعات المسلحة السورية يمتد منذ الساعات الاولى للعمل المسلح في سوريا، وهو لم يتوقف أصلاً منذ آذار العام 2011، والتظاهرات التي رافقته. ولذلك لا تشكل اجتماعات اليوم والغد سوى محطة إضافية في السجال الذي لم يتوقف، مع طارئ يجبر الجميع على الدخول في النقاش جدياً، هو اشتراط الروس وضع تلك اللوائح مدخلاً ضرورياً للبحث في ما تبقى من نقاط الحل السياسي وعقد الصفقات حوله.

واختصاراً، يكاد النقاش، اليوم وغداً، يقتصر على تحديد هوية الفصائل الكبرى في العمل المسلح ضد الجيش السوري، نظرا الى وجود ما يقرب من ألفي مجموعة مقاتلة في سوريا، وفق معظم التقديرات.

والأرجح أن يشمل الجدال الكثير من الفصائل، كـ «جيش الإسلام»، الذي يقوده زهران علوش وتموّله السعودية، أو «فيلق الشام» و «الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام» و «فيلق الرحمن»، وكلها تنويعات «إخوانية» تموّلها قطر وتركيا، بالإضافة الى الجماعات الست التي تؤلف «جيش الفتح»، لا سيما «جند الأقصى».

لكن حركة «أحرار الشام»، التي تعد أكبر فصائل السلفية الجهادية في سوريا، ستكون المدعو الاول الى طاولة التقييم في فيينا: إرهابية ام معتدلة، ولا شيء بينهما، فالحركة التي أسسها ابو عبدالله الحموي في العام 2011، قبل ان تقتله، وتبيد معه قيادة الحركة من الصفين الاول والثاني، الاستخبارات التركية بتفجير في مقرهم في رام حمدان في ايلول العام 2014، لا تزال أكبر تلك الفصائل (اذا ما استثينا «داعش»)، ويقاتل في صفوفها ما لا يقل عن 25 الف مقاتل.

وعلى الروس إقناع القطريين والأتراك اولاً بأن «أحرار الشام» حركة إرهابية. فمنذ أقل من شهر قدّم خالد العطية، وزير الخارجية القطري مطالعة عن «الشرفاء في (أحرار الشام) التي نتعامل معها ونموّلها»، وهي الحركة التي اختار الأتراك تسليمها، منذ أعوام، أمر المعابر في الشمال السوري نحو أراضيهم، بالتعاون مع الاستخبارات التركية، وهي ايضا الحركة التي قدّم بلد أوروبي كبير رسائل اعتماد الى كرواتيا وأوكرانيا لتسليحها. وهي الحركة ذاتها التي تشكل العمود الفقري، الى جانب «جبهة النصرة»، في كل غرف العمليات التي وقفت الاستخبارات التركية وراءها، لا سيما حول حلب وادلب وريف حماة الشمالي. وتشهد الحركة تمدداً كبيراً ومبايعات من الفصائل الصغيرة، التي فقدت «معيلها» الإقليمي، أو قدرتها على تمويل نفسها من السرقات والخوات والضرائب، لا سيما في أرياف حلب، وفي الغوطة من «جيش المسلمين» في القابون و «فيلق عمر».

وعملت الحركة قبل الوصول الى فيينا على تقديم عروض لمقاتلة «الدولة الإسلامية»، في ما كتبه أحد قادتها لبيب النحاس في «واشنطن بوست» خلال الصيف الماضي، عن استعداد للمشاركة في الحرب على «داعش» مقابل تطبيع العلاقات مع جماعته. لكن الحركة التي لم تبايع «القاعدة»، وهي حجة «اعتدالها»، إلا انها لا تبتعد لا في الخطاب، ولا في الأهداف عنها، فضلا عن شراكتها المستمرة مع «النصرة»، فأحد أكبر مؤسسيها «ابو خالد السوري» (اغتاله «داعش» قبل عامين في حلب) لعب دورا كبيرا في «القاعدة» والجهاد الأفغاني، كما يحسب قائدها العسكري العام ابو صالح الطحان، وشرعيها العام ابو محمد الصادق، على التيار السلفي الجهادي. ومن «القاعدة» أتى قائدها السابق هاشم الشيخ، كما جاء من الجهادين الأفغاني والعراقي لقيادتها أمراء كأبو سارية الشامي، قبل مقتله، وأبو أيمن الحموي.

وسيدافع السعوديون بكل ما أوتوا من قوة عن «جيش الإسلام» الذي يملك 15 الف مقاتل، يتمركز أكثرهم حول العاصمة دمشق، لا سيما في غوطتها الشرقية، اذ يعد هذا «الجيش» قوة ارتكاز سعودية أساسية لتهديد دمشق، لكنه منذ تجميد غرفة عمليات عمان، التي يتبع تمويلا وتسليحا لها، وهزيمة خمس موجات من عمليات «عاصفة الجنوب» أمام جنود الفرقة الخامسة عشرة السورية في درعا، تراجعت فعالية هجماته، ولا يزال ينكفئ تدريجيا أمام تقدم الجيش السوري في قلب الغوطة الشرقية، والتوجه نحو تهديد معقله الأساسي في دوما عبر مرج السلطان وحرستا والتلال المحيطة بدوما.

وحتى لو نجح الديبلوماسيون بالتوافق على ما يطلبه الروس، الذين يسعون لقبض ثمن الحل قبل الدخول في تفاصيله، لا توجد مع ذلك ضمانات أن تحترم الدول ما يترتب على تصنيف أي جماعة مسلحة بالإرهاب، لأن ذلك سيكون انسحاباً من الميدان السوري، ووضع العربة أمام الحصان، قبل اتضاح الصفقة السياسية والأثمان التي سيطالب كل طرف بها، للمساومة على الجماعات التي تعمل تحت رعايته في الحرب على سوريا، ذلك ان وصم أي مجموعة بالإرهاب، لا يعني حرمان الأتراك والقطريين والسعوديين من القدرة على خوض الحرب ضد الجيش السوري والموافقة على إطلاق رصاصة في أقدامهم، بل انه سيكون عليهم أن يشاركوا ايضا في الحرب على الجيوش الرديفة التي موّلوها في سوريا.

ومن المبكر طبعا الحديث عن هذا النوع من الصفقات قبل أن يذهب الروس والسوريون الى تكرار مأثرة كويرس في أكثر من مكان من سوريا، وتغيير المعادلة الميدانية، واختراق جبهات جديدة في حلب والغوطة وحمص وسهل الغاب وريف حماة الشمالي، وفرض حل سياسي متوازن.

كما أنه لا ضمانات، مع وصم أي مجموعة بالإرهاب، بألا تواصل كل تلك الدول الراعية للفصائل الارهابية تمويلها، كما لم يمنع القراران الدوليان 2170 و2173 الصادران قبل عام، لا الأتراك ولا القطريين ولا السعوديين، ولا حتى الأميركيين، من تقديم الدعم والتسهيلات والمعابر الآمنة الى سوريا عبر الأراضي التركية لكل الجماعات الإرهابية، خصوصا «النصرة»، برغم تحريم تلك القرارات لها، وصدورها تحت الفصل السابع، من دون أن تجد تقريرا من لجنة أممية واحدة يتحدث عن مصير تلك القرارات، وعن عدم احترام تركيا، خاصة، لها.

وهكذا سيكون على اجتماع فيينا إيجاد آليات تضمن احترام ما يتفق عليه، اذا ما تم التوصل الى لائحة «إرهابية» يعتد بها، ما يعقد أكثر عمل الديبلوماسيين قبل وصول الوزراء.

ويضع الروس شركاء الجماعات المسلحة أمام اختبار من نوع آخر ايضاً، وهو قدرتهم الفعلية على السيطرة على تلك الجماعات، وضرورة أن يتم توافق على ذلك، نظرا لقدرة تلك الجماعات على الهجرة من راعٍ الى آخر، ومن السعودية الى قطر أو تركيا، أو تمويل الجمعيات الإسلامية في الخليج، التي لا تزال مصدراً أساسياً للحرب على سوريا.

وفي النقاش بشأن لوائح الإرهاب، تتداخل خلافات كبيرة حول عدد المقاتلين الأجانب في سوريا، والذي يعد أحد أهم عناصر السجال حول أي من الفصائل المقاتلة يشكل وجهة الجهاديين العابرين من تركيا نحو سوريا. والسجال يتجاوز الديبلوماسيين الى الأجهزة الأمنية والاستخبارية، حيث لا تزال الأرقام المتداولة ما دون الحقائق على الأرض، لا سيما حقيقة أن البؤرة السورية تجاوزت بكثير أكثر الأرقام تفاؤلا، في تهديدها للجوار السوري، لو تمكنت تلك الجماعات من تحقيق انتصار جوهري في سوريا، لا سيما لبنان والاردن.

ويقول «المرصد السوري» المعارض، في تقرير صدر في آب الماضي عن عدد القتلى من الأجانب الذين سقطوا في القتال مع الجيش السوري منذ أربعة أعوام، ان عددهم بلغ قبل الانخراط الروسي في الحرب على الارهاب 34 الفاً و375 مقاتلاً، وهو العدد الذي تمكن من توثيقه بالأسماء الحقيقية أو الحركية، من دون ان يكون الرقم شاملا للحصيلة الحقيقية التي ستكون اكبر بالتأكيد. وتضم الحصيلة مقاتلين من جنسيات خليجية وشمال أفريقية ومصرية ويمنية وعراقية ولبنانية وفلسطينية وأردنية وسودانية وجنسيات عربية أخرى، بالإضافة لمقاتلين من جنسيات أوروبية وروسية وصينية وهندية وأفغانية وشيشانية وأميركية واسترالية، يقاتلون في صفوف تنظيم «الدولة الإسلامية» و «جبهة النصرة» (تنظيم «القاعدة في بلاد الشام») و «جنود الشام» و «جند الأقصى» وتنظيم «جند الشام» و «الكتيبة الخضراء» و «الحزب الإسلامي التركستاني» و «جنود الشام الشيشان»، والحركات الإسلامية المختلفة.

وكان التيار السلفي الاردني قد أصدر في بداية العام 2013 إحصاءً بعشرة آلاف مقاتل أجنبي من 15 جنسية، قتلوا في سوريا. وهي كلها مؤشرات على أن المسألة لا ينبغي ان تقتصر على تحديد الإرهاب، ولكن على إحصاء عدد الأحياء من المقاتلين الاجانب الارهابيين، الذين يجري تقديرهم على الغالب، بثلاثة أضعاف عدد القتلى، أي ما يقارب الـ120 الف مقاتل أجنبي، قدم أكثرهم عبر تركيا، لشن الحرب على سوريا.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل