المحتوى الرئيسى

سيدي إبراهيم الدسوقي .. الجامع بين الشريعة والحقيقة

11/11 18:06

بقلم – هاني ضوَّه :

لله سبحانه وتعالى عبادًا صفوا فتخلصوا من علائق الدنيا، فأخلصت قلوبهم وأرواحهم في عبادة الله ونفع خلقه فاصطفاهم الله أولياءًا له وخصهم ببعض فضله، فأصبح ذكرهم مرفوعًا في مشارق الأرض ومغاربهم لأنهم ساروا على قد الحبيب سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فتعلموا وعلموا فأصبحوا من أهل الوراثة المحمدية .. فالعلماء ورثة الأنبياء.

ومن هؤلاء العلماء الذين ذاع علمهم وانتشر مريديهم في الآفاق الإمام العارف بالله سيدي إبراهيم الدسوقي القرشي، الذي يلقب بـ "أبا العينين" والمقصود بها عين الشريعة وعين الحقيقة، لأنه حاز فضل إتقان علوم الشريعة كلها، وتخلق بها وسار في طريق الله يجاهد نفسه حتى ارتقى فأصبح من أهل الحقيقة وهي معرفة الدنيا على حقيقتها فيفنى العبد في الله ويعرض عما سوى الله وتنكشف له من الحقائق ما لا يراها غيره من أهل الدنيا التي حجبتهم الشهوات.

ولد رضي الله عنه في التاسع والعشرين من شهر شعبان عام 633 هجريًا على أرجح الأقوال من أبوين ينتميان إلى بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأبوه هو السيد عبد العزيز أبو المجد الذي ينتهي نسبه إلى الإمام الحسين رضي الله عنه، وأمه السيدة فاطمة بنت سيدي أبو الفتح الواسطي الذي كان من أجَّل أصحاب سيدي الإمام أحمد الرفاعي رضى الله عنه، كما أنه من شيوخ سيدي الإمام أبي الحسن الشاذلي رضى الله عنه، والذي ينتهي نسبه إلى الإمام الحسن بين علي رضي الله عنه وعن آل البيت أجمعين.

نشأ سيدي الإمام إبراهيم الدسوقي في بيت إيماني صالح فحفظ القرآن الكريم وهو في السابعة من عمره، ودرس العلوم الشرعية المختلفة من توحيد وفقه وتفسير وبلاغة وأدب حتى أتقن علوم الشريعة وأصبح أحد كبار علماء الأمة، ودرس في علوم التصوف والأخلاق تزكية النفس وتبحر فيها حتى صار عينًا من علوم الحقيقة وعينًا من علوم الشريعة، ولذا لُقِبَّ بـ "أبي العينين"، وكان يعمل في صناعة الفخار والحصير والزراعة ليكسب قوت يومه، وكان مجاهدًا في سبيل الله فشارك في فتح عكا مع جيش المسلمين التي عسكر فيها الصليبيون.

لم يترك سيدي إبراهيم الدسوقي الكثير من المؤلفات والكتب، وذلك بسبب انشغاله بتربية المريدين، وقد فقدت معظم كتبه وضاعت، وعلى حسب استنباط شيوخ الصوفية كالكركي والمناوي والبقاعي، تم إلمام بعض أسماء مؤلفاته التي نسبت إليه.

ولما شعر سيدي إبراهيم الدسوقي بدنو أجله، أرسل نقيبه إلى أخيه سيدي أبى العمران شرف الدين موسى، الذي كان يقطن جامع الفيلة بالقاهرة. فأمره أن يبلغه السلام، ويسأله أن يطهر باطنه قبل ظاهره.

وذهب النقيب إلى أخيه، ودخل عليه المسجد وهو يقرأ على طلابه كتاب الطهارة. فأخبره النقيب برسالة أخيه سيدي إبراهيم، فلما سمعها، طوى الكتاب وسافر إلى دسوق. فلما وصل وجد سيدي إبراهيم الدسوقي قد تُوفي وهو ساجد، وكان ذلك عام 696 هـ الموافق 1296م على أرجح الأقوال، أي توفي وله من العمر 43 عاماً.

وقد دُفن سيدي إبراهيم الدسوقي بمدينة دسوق محل مولده، والتي لم يغادرها في حياته إلا مراتٍ معدودة. وأقام أهل المدينة بعد ذلك على ضريحه زاوية صغيرة، وتوسعت شيئاً فشيئاً فتحولت الزاوية إلى مسجد من أكبر مساجد مصر، والذي يُعرف حالياً بمسجد سيدي إبراهيم الدسوقي أو اختصاراً المسجد الإبراهيمي.

ومسجد العارف بالله سيدي إبراهيم الدسوقي واحد من أهم معالم ومساجد مدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ، والذي بني في عهد الأشرف خليل بن قلاوون سلطان مصر في ذلك الوقت فكان عباره عن زاوية صغيرة يجاورها خلوة للإمام والولي الصالح سيدي إبراهيم الدسوقي الذي زاره قلاوون وأمر ببناء هذه الزاوية والخلوة، وبعد وفاة الإمام إبراهيم الدسوقي دفن في خلوته الملاصقة للمسجد.

ولسيدي الإمام إبراهيم الدسوقي أقوال وإرشادات كثيرة وجهها لمريديه لتكون نبراسًا لهم في طريقهم إلى الله عز وجل، وكان يأخذ العهد على المريد، فيقول له: "يا فلان اسلك طريق النسك على كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان وحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا، وعلى أن تتبع جميع الأوامر الشرعية، والأخبار المرضية، والاحتفال بطاعة الله عز وجل قولًا وفعلًا واعتقادًا، وأن لا تنظر يا ولدي إلى زخارف الدنيا ومطاياها وقماشها ورياشها وحظوظها، واتبع نبيك في أخلاقه، فإن لم تستطع فاتبع خُلُق شيخك، فإن نزلت عن ذلك هلكت، واعلم يا ولدي أن التوبة ما هي بكتابة درج ورق ولا كلام من غير عمل، إنما بالتوبة العزمُ على ارتكاب ما الموتُ دونه، فصف أقدامك يا ولدي في حندس الليل البهيم، ولا تكن ممن يشتغل بالبطالة ويزعم أنه من أهل الطريق".

وكان يقول قدس الله سره ورضي عنه: "من لم يحبس نفسه في قعر الشريعة، ويختم عليها بخاتم الحقيقة لا يقتدى به في الطريقة"، ويقول: "الشريعة كالشجرة والحقيقة ثمرتها فلا بد لكل واحد من الأخرى، ولكن لا يدرك ذلك إلا من كمل سلوكه في طريق القوم".

وكان يقول قدس الله سره ورضي عنه:

"من عرف الله وعبده فقد أدرك الشريعة والحقيقة، فاحكموا الحقيقة والشريعة ولا تفرطوا إن أردتم أن يُقتدى بكم، ولم يكن اسم الحقيقة إلا لأنها تحقق الأمور بالأعمال، ومن بحر الشريعة تنتج الحقائق".

وكان يقول قدس الله سره ورضي عنه:

"من لم يكن عنده شفقة ورحمة على خلق الله لا يرقى مراقي أهل الله".

وكان يقول قدس الله سره ورضي عنه: 

"لو هاجر الناس مهاجرة صحيحة طالبين الله خالصا ودخلوا تحت أوامره لاستغنوا عن الأشياخ، ولكنهم جاءوا إلى الطريق بعلل وأمراض فاحتاجوا إلى حكيم".

وكان يقول قدس الله سره ورضي عنه:

"قوة المبتدي الجوع ومطره الدموع وفطره الرجوع، وأما من أكل ونام ولغا في الكلام، وترخص وقال ما على فاعل ذلك من ملام فلا يجيء منه شيء والسلام".

وكان يقول قدس الله سره ورضي عنه:

"من رأى أن له عملا يقبل فقد سقط من عين رعاية الحق تعالى"، ويقول: "احذر يا ولدى أن تدعى أن لك معاملة خاصة مع الله، واعلم أنك إن صمت فهو الذى صومك، وإن قمت فهو الذى قومك، وإن إتقيت فهو الذى وقاك، وليس لك في الوسط شيء، وإنما الشأن أن ترى أنك عبد عاص ليس لك حسنة واحدة وهو صحيح، فمن أين لك حسنة وهو الذى أحسن إليك، وإن شاء قبلك وإن شاء ردك".

وكان يقول قدس الله سره ورضي عنه: 

نرشح لك

أهم أخبار رمضان

Comments

عاجل