كيف نتأثر بسقوط 40 ألف طن من الغبار الكوني على كوكبنا؟

تتكون أجسامنا من بقايا نجوم نتيجة انفجارات هائلة حدثت فى المجرات.

يبدو فى هذه الصورة التى اُلتقطت بالأشعة تحت الحمراء هبوب رياح نجمية ناتجة عن انفجار نجم هائل فأدت إلى تكوين موجات من الغبار. يحمل هذا الغبار الكثيف كمية كبيرة من الأكسيجين والكربون والحديد والنيكل وعناصر أخرى تجد لها طريقًا إلى أجسامنا.

يبدو – للوهلة الأولى – أنه لا توجد أرضية مشتركة بين الفيزياء الفلكية وعلم الأمراض فى الطب. ما الذى ينبغى أن تفعله البقع الداكنة فى الشمس مع النمش الشمسى أو الشيخوخى؟ كيف يرتبط الانفجار العظيم بالتليف الكيسى؟

ألَّف كاريل شريفر من كبار الزملاء في شركة لوكهيد مارتن للطاقة الشمسية ومختبر الفيزياء الفلكية بالاشتراك مع زوجته آريس شريفر أستاذ علم الأمراض بجامعة ستانفورد بين العِلميْن فى كتاب بعنوان: Living With the Stars: How the Human Body Is Connected to the Life Cycles of the Earth, the Planets, and the Stars

لقد أوضحا لنا من منزلهما بـ “بالو ألتو بكاليفورنيا” فى حوار صحفى كيف أن كل شىء بداخلنا نشأ فى الانفجارات الكونية منذ مليارات السنين، وكيف أن أجسامنا تعيش حالة من الفناء والتجديد باستمرار، ولماذا كانت المغنية جونى ميتشل على حق عندما غنت أغنيتها الشهيرة “إننا من غبار النجوم”.

آريس: لقد كانت مُحقة بالفعل! فكل شىء بداخلنا وكل شىء فى الكون وكل شىء على الأرض نشأ من غبار النجوم ولا يزال هذا الغبار يغمرنا إلى يومنا هذا، فهو يربطنا بالكون مباشرة ويعيد بناء أجسامنا مرارًا وتكرارًا طوال عمرنا.

لقد كانت هذه أكبر مفاجأة فجَّرها هذا الكتاب.. إننا لم نكن ندرك من قبل إلى أى مدى نحن فانون بالفعل وأن أجسامنا متكونة من بقايا نجوم نتيجة انفجارات هائلة حدثت فى المجرات. تجدر الإشارة إلى أن كل المادة التى منها تكونت أجسامنا تنشأ من مخلفات غبار النجوم، فذلك الغبار يشق طريقه إلى المواد الغذائية التى نحتاجها لكل ما نقوم به من تفكير وحركة ونمو، وتتجدد كتلة أجسامنا كل بضع سنوات.

هل من الممكن أن توافينا بأمثلة توضح كيف تتشكل أجسامنا من غبار النجوم؟

كاريل: لم يكن يوجد فى بداية نشأة الكون سوى عنصر الهيدروجين ونسبة قليلة من الهليوم ونسبة طفيفة جدًّا من سائر العناصر، ولا يوجد هليوم فى أجسامنا لكن يوجد هيدروجين، بيد أنه لا يؤثر على كتلة أوزاننا. تشبه النجوم المفاعلات النووية؛ فهى تتلقى وقودًا، ثم تقوم بتحويله إلى شىء آخر فيتحول الهيدروجين إلى هليوم وينشطر الهليوم إلى كتلتين: الأولى من الكربون والنتروجين والثانية من الأكسيجين والحديد والكبريت، وهى كل العناصر التى تتكون منها أجسامنا. تنتفخ النجوم عندما توشك دورة حياتها على الانتهاء وتتساقط معًا من جديد وتتخلص من طبقاتها الخارجية، وإذا كان النجم ثقيلًا فسيصير مستعرًا أعظم (سوبرنوفا).

وبناءً على ذلك، تأتى معظم عناصر المادة التى تتكون منها أجسامنا من النجوم التى تحتضر أو النجوم التى ماتت فى الانفجارات؛ تلك الانفجارات المستمرة حتى الآن. إننا نحمل فى أجسامنا عناصر يقدَّر عمرها بعمر الكون، فضلًا عن أنه يوجد بعض العناصرالتى هبطت هنا منذ مائة عام فقط، وكل هذا الخليط فى أجسامنا.

يربط كتابكما بين علمين مختلفين – على ما يبدو- وهما علم الفيزياء الفلكية وعلم الأحياء البشرى. صِفا لى طبيعة وظيفة كل منكما وكيف ربطتما بينهما لتأليف هذا الكتاب.

آريس: أعمل طبيبة متخصصة فى علم الوراثة وعلم الأمراض، ويشخِّص اختصاصى علم الأمراض الأمراض وأسبابها.. ندرس أيضًا رد فعل الجسم للمرض ومدى استجابته للعلاج الموصوف. إننى أقوم بذلك على مستوى الحامض النووى DNA؛ لذلك فأنا أتولى مسئولية مختبر علم الأمراض التشخيصية والجزيئية، وأوفر أيضًا رعاية للمريض من خلال تشخيص الأمراض الوراثية والسرطانية وكذلك من خلال تتبع مدى الاستجابة للعلاج لدى مرضى السرطان بناءً على التغييرات التى نكتشفها فى الحامض النووى لكل منهم.

يقوم كتابنا على العديد من المحادثات التى جرت بينى وبين كاريل، والتى تحدثنا فيها عن موضوعات مستقاة من حياتنا المهنية اليومية، وكانت الموضوعات مختلفة عن بعضها البعض نوعًا ما؛ فأنا أبحث فى شفرة الحياة، وهو عالم فى الفيزياء الفلكية من شأنه اكتشاف أسرار النجوم. وكلما تابعنا إجابات الأسئلة التى نطرحها على بعضنا اكتشفنا أن ثمة روابط بين تخصصاتنا أكثر مما كنا نعتقد إن كان هناك اعتقاد من الأساس.

كاريل: أعمل عالمًا بالفيزياء الفلكية وأتخصص فى أنواع كل الأشياء بدءًا من المادة المظلمة، ووصولًا إلى المجرات، واخترت النجوم تحديدًا؛ لأنها خلبت عقلى، لكننى لم أعبأ بمعرفة عددها؛ إذ إننا لن نستطيع التوصل إلى أية تفاصيل على الإطلاق؛ فالنجوم ما هى إلا نقط صغيرة فى السماء.

لذلك وجهت اهتمامى إلى الشمس التى تعد النجم الأوحد فى شتى أرجاء الكون الذى يمكننا رؤية ما يحدث له. كانت وكالة “ناسا” تطلب منى من حين لآخر إدارة مدرسة صيفية من الباحثين المبتدئين لتكوين مواد علمية لفهم الأشياء التى تقطع الطريق من الشمس إلى الأرض. لقد تعلمت الكثير من هذه الروابط وبدأت أُخبر آريس عنها، فقد كنت أرى من وقت لآخر أن هذا يمكن أن يشكل قصة مثيرة، وقد لاحت لنا هذه الفكرة بأن نقوم معًا بتنفيذها، وقالت آريس سنبدأ بأصغر شىء وسنصل إلى أكبر شىء، واستمتعنا أيما استمتاع بهذا العمل.

لدينا اعتقاد بأن التغيير يجرى ببطء فى أجسامنا بعدما نصل لمرحلة البلوغ؛ لذلك فأنا مشغوف باكتشاف أن أجسامنا تتغير طوال الوقت وتتجدد باستمرار من تلقاء نفسها. أخبرينا عن جلد الإنسان.

آريس: لا يرد على تفكير أغلب الناس أن الجلد يعتبر عضوًا من أعضاء أجسامنا، بل إنه أكبر عضو فى الواقع. حتى نبقى على قيد الحياة لا بد أن تنقسم خلايا أجسامنا وتنمو، ونحن على دراية بذلك لأننا نرى الأطفال ينمون، فالخلايا تشيخ أيضًا ومن ثم تموت والجلد خير مثال على ذلك.

إن الجلد عضو يلمس كل شىء من حولنا، وهو معرَّض للتلف دومًا ويحتاج للتجديد باستمرار. يزن جلد الإنسان 4 كيلوجرامات تقريبًا ويتكون من عدة طبقات، وسرعان ما تشيخ هذه الطبقات خاصة طبقة الأدمة التى تقع تحت البشرة مباشرة، وتُستبدل خلايا هذه الطبقة كل شهر أو شهرين تقريبًا؛ وهو ما يعنى أننا نفقد ما يقرب من 30 ألف خلية كل دقيقة وتُستبدل طبقة البشرة بأكملها مرة كل عام تقريبًا.

لا يكاد توجد خلايا فى أجسامنا تعيش لبضع سنوات. بالطبع، قد لا يتفق ذلك مع الطريقة التى نتصورها عن أنفسنا عندما ننظر فى المرآة بيد أن خلايانا لا تعد ثابتة على الإطلاق، إن أجسامنا أشبه بالماكينة التى تعمل ليل نهار. إن فناء الجسم وانبعاث الطاقة والمادة اللازمتين للتصدى لذلك الفناء هو ما يدفعنا لاكتشاف الترابط مع الكون.

لقد جرت مناقشة ممتعة معكِ عن العمر. صِفى لى كيف تشيخ أعضاء الجسم بإيقاعات مختلفة؟

آريس: يعيد كل نسيج من الأنسجة بناء نفسه ولكن بمعدلات مختلفة تتفاوت من نسيج لآخر. لقد نمى إلى علمنا من خلال التأريخ باستخدام الكربون المشع أن الخلايا فى جسم الإنسان البالغ يتراوح عمرها بين سبع وعشر سنوات، وهذا أقل من متوسط عمر الإنسان بكثير لكن ثمة اختلافات ملحوظة فى أعمار هذه الخلايا؛ فتوجد خلايا لا تتجاوز أعمارها بضعة أيام بالفعل، هذه الخلايا توجد بالقرب من السطح، والجلد خير مثال على ذلك، علاوة على الخلايا التى توجد على سطح الرئتين والجهاز الهضمى. إن خلايا عضلة القلب – ذلك العضو الذى لا يكف عن العمل – تستمر فى القيام بوظيفتها لمدة تتجاوز عقدًا من الزمان، بيد أننا إذا نظرنا لشخص يبلغ من العمر 50 عامًا، فسنجد أن أكثر من نصف خلايا قلبه سوف يتم استبدالها.

إن أجسامنا لا تكف أبدًا عن الحركة؛ فهى تعمل منذ أن خلقها الله، ولا بد أن تعمل على الدوام حتى تبقى على قيد الحياة، وهذا لا ينطبق على أجسامنا فحسب بل ينطبق أيضًا على الكائنات الحية كلها.

نجوم تُولد وأخرى تموت فى هذه اللقطة بالأشعة تحت الحمراء، وقد خُلق الإنسان من غبار هذه النجوم.

لقد أدهشنى الرقم 40 ألف طن من الغبار الكوني الذى يسقط على الكرة الأرضية كل عام، من أين يأتى كل هذا الغبار؟ وإلى أى مدى يؤثر علينا؟

كاريل: عندما تكون النظام الشمسى أخذ يعمل على تجميد الغاز ويحوِّله إلى ثلج وجزيئات من الغبار، من شأن هذه الجزيئات أن تنمو وتكبر نتيجة اصطدام بعضها ببعض، وفى النهاية سُحبت الجزيئات بفعل الجاذبية لتتشكل الكواكب، والكواكب أشبه ما تكون بالمكنسة الكهربائية التى تسحب كل شىء حولها، بيد أنها لم تتمكن من استكمال مهمتها فى السحب حيث لا يزال هناك كم هائل من الغبار يطفو حولها.

عندما نصرح بذلك – بصفتنا علماء فى الفلك – فقد نعنى أن أى جزىء من الأشياء يزن ميكروجرامات، ذلك الجزىء الذى لا تستطيع أن تراه إلا إذا كان لديك ميكروسكوب، مقارنةً بالأجسام التى تزن أطنانًا مثل المذنّبات، ولا تزال هذه الجزيئات هناك وتُسحب بفعل جاذبية الكواكب والشمس. وكوكب الأرض لا يتمكن من تجنب التأثر بهذا الحطام الملىء بالجزيئات؛ لذا يتساقط هذا الغبار على كوكب الأرض طوال الوقت منذ نشأة الكون، ولذلك خُلق كوكب الأرض أولًا. إنك لا تلاحظ ذلك هذه الأيام بيد أنه فى النهاية تشق كل الجزيئات التى تحتوى على الأكسيجين والكربون والحديد والنيكل وسائر العناصر طريقها لأجسامنا.

عندما تسقط كمية كبيرة من الغبار- مثل مذنب عملاق أو كويكب – على كوكب الأرض فهذا يعنى حدوث انفجار هائل، وهو ما يعتبر أحد مبررات اعتقادنا بأن الديناصورات انقرضت منذ 70 مليون عام نتيجة حدوث انفجار هائل، ومثل هذا الانفجار لا يحدث كثيرًا لحسن الحظ، بيد أن ثمة أشياء تسقط من السماء طوال الوقت.

كثير من السلع التى نستخدمها يوميًّا بدأ وجودها فى الفضاء الخارجى، هلا أخبرتنا عن الملح؟

كاريل: إن كل ما يرد على ذهنك من الأشياء قد بدأ تاريخه فى الفضاء الخارجى. ولنأخذ الملح على سبيل المثال، وإننا عادة نقصد بالملح ملح الطعام وهو يحتوى على عنصرين من العناصر الكميائية هما الصوديوم والكلوريد. من أين أتى هذان العنصران؟ إنهما تشكَّلا داخل النجوم التى انفجرت منذ مليارات السنين وتتساقط بقايها على الأرض من وقت لآخر. لا تزال الانفجارات النجمية تأخذ مجراها داخل المجرات إلى يومنا هذا؛ لذا بعض من عنصر الكلور الذى نأكله فى ملح الطعام قد تشكل منذ وقت قريب!

هل يعد القصور البدنى جزءًا من النظام الكونى يا آريس؟ بما أنك تدرسين علم الأمراض.

آريس: بالتأكيد. توجد إجراءات صحية لا بد من انقسام الخلية فيها حتى تتم مثل النمو. وكذلك هناك إجراءات تتم عندما لا تسير الأمور فى مجراها الطبيعى. إننا نشيخ نتيجة فقداننا التوازن بين موت الخلية وتجديدها، وهذا ما نراه فى المرآة عندما نكبر فى السن بمرور الوقت، وهو ما نلحظه أيضًا عندما تستفحل الأمراض كالسرطان. إن مرض السرطان يعنى – فى الأساس – وجود خلل فى الحامض النووى، وبسبب ذلك يخرج الجهاز بالكامل عن مساره الطبيعى، وتتشابه الإجراءات التى تطرأ على الجسم من جراء هذا المرض مع نظيرتها من جراء الشيخوخة إلى حد كبير، فيكمن منبت هذين المرضين فى فقدان التوازن بين موت الخلايا وتجديدها.

يعد التليف الكيسى مرضًا وراثيًّا؛ فالمريض يرث خللًا فى الحامض النووى بسببه لا تستطيع أنسجة بعينها أن تقوم بوظيفتها الطبيعية من أجل صحة الجسم. يدور محور عملى حول حصر التغييرات التى تطرأ على الحامض النووى فى أجسام مختلفة من سلالات مختلفة من بنى البشر؛ حتى نتمكن من الإلمام بكل أنواع التغييرات التى تطرأ على الخلايا والتى تعد أساس ذلك المرض. وبناءً على ذلك، يمكننا أن نتكهن بتوقعات سير المرض، وتتوافر هذه الأيام أدوية تستهدف أنواعًا بعينها من التحول فى الخلية؛ بالإضافة إلى زراعة الأعضاء؛ ولذلك امتدت حياة مريض السرطان على نحو أفضل من ذى قبل بنحو 10 أو 20 عامًا مضت.

كيف غيَّر تأليف هذا الكتاب من نظرتيكما للحياة ونظرة كل واحد منكما للآخر؟

كاريل: ثمة شيئان أدهشانى، أحدهما لم أكن أعرفه من قبل وهو ما وصفته آريس بفناء أجسامنا. لقد اعتقدت – من منطلق كونى عالمًا فى الفيزياء – أن الجسم يُبنى مرة واحدة عندما يُخلق ثم يأخذ طريقه فى النمو وعندما يكتمل نموه يثبت على ذلك الحال. لقد أوضحت لى آريس من خلال مناقشات مطولة ومتعددة أثناء تناولنا العشاء – أن هذا التصور لم يكن سليمًا؛ فالخلايا تموت وتتجدد طوال الوقت. إننا لم نكن هكذا منذ بضع سنوات، وهذا لا ينطبق علينا فقط إنما ينطبق أيضًا على كل شىء من حولنا؛ فهكذا الطبيعة.

إننى أكنُّ كامل التقدير والاحترام لآريس، بشكل خاص، وللأطباء جميعًا، بشكل عام، فهم يلمون بأشياء لا أستطيع تذكرها وهذا ما تطور لدىَّ مع الوقت.

آريس: لم تكن مادة الفيزياء المادة المفضلة لدىَّ فى المرحلة الثانوية، بيد أنه من خلال محادثاتى مع كاريل أصبحت أكثر فهمًا واستيعابًا للكون والعالم من حولى، وهو ما كان هدفنا من الكتاب أيضًا، كنا نود أن يسهل فهمه لدى أى طالب فى المرحلة الثانوية. كان يعدُّ تأليف هذا الكتاب تحديًا فى أن نشرح الأفكار الواردة فيه مستخدمين مصطلحات دارجة، لقد غيَّر من وجهة نظرى فى الحياة بالفعل وزاد من شغفى بالمعرفة وأعلى من تقديرى للحياة ولكاريل.