المحتوى الرئيسى

العقوبات الأمريكية على السودان.. 18 عاماً من العزلة

11/05 11:29

على مدار حكمه، واجه الرئيس السوداني عمر البشير، أزمات اقتصادية متتالية تعود في بعض منها، إلى الاضطرابات السياسية والحرب الأهلية متعددة الجبهات، لكن وفقاً لخبراء تظل العقوبات الأمريكية، السبب المحوري، لما ترتب عليها من عزل البلاد عن الاقتصاد العالمي.

وكانت العلاقة ولا تزال متوترة بين واشنطن وحكومة البشير، منذ وصوله للسلطة عام 1989.

وبسبب تبنى نظام البشير خطاباً وصف بـ"المُعادي" للغرب، واحتضانه لزعماء جماعات إسلامية معارضة لبلدانها في المنطقة العربية، من بينهم زعيم تنظيم القاعدة الراحل، أسامة بن لادن، أدرجت واشنطن السودان على قائمة الدول الراعية للـ"الإرهاب" في 1993.

ورغم سعي حكومة البشير لاحقاً، لتحسين علاقتها مع الولايات المتحدة، بتخفيفها لحدة خطابها الأيدولوجي، وطرد إسلاميين من بينهم بن لادن عام 1996، إلا أن واشنطن صعّدت من خطواتها تجاه السودان بفرض عقوبات اقتصادية عليه في العام التالي.

وزادت واشنطن أكثر في تضييقها على السودان، حيث قصف سلاح الجو الأمريكي عام 1998 مصنعاً للأدوية في الخرطوم، مملوك لرجل أعمال سوداني، بحجة أنه مصنع للأسلحة الكيميائية، وبعدها تم خفض التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى درجة قائم بالأعمال.

لكن ذلك لم يمنع الخرطوم من إبرام اتفاق تعاون مع واشنطن لمكافحة "الإرهاب"، عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، أُعلن عنه لاحقاً، دون الكشف عن تفاصيله، وبرره مدير المخابرات السوداني السابق، صلاح قوش، بأنه مثل حماية لبلاده من تلقي ضربة عسكرية على غرار الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق.

وسمحت حكومة الخرطوم أيضاً للولايات المتحدة بالتوسط بينها ومتمردي "الحركة الشعبية" الذين يحاربونها جنوبي البلاد رغم اتهامها لواشنطن بدعمهم.

وبالفعل نجحت واشنطن في دفع الطرفين للتوقيع على اتفاق سلام شامل عام 2005، مهد لانفصال الجنوب، في يوليو 2011، عبر استفتاء شعبي صوت فيه 98% من الجنوبيين للانفصال.

ووعدت واشنطن، الخرطوم بشطب اسمها من قائمة الدول الراعية لـ"الإرهاب"، ورفع العقوبات، وتطبيع العلاقات بين البلدين في حال التزامها بإجراء الاستفتاء، وعدم عرقلة انفصال الجنوب، وهو ما لم يحدث على الرغم من أن السودان كان أول دولة تعترف بدولة الجنوب، وشارك الرئيس البشير في حفل إعلانها بعاصمتها جوبا.

ووضعت واشنطن شروطاً جديدة، أبرزها وقف الحرب في مناطق أخرى، هي جنوب كردفان، والنيل الأزرق، ودارفور، وتحسين سجل حقوق الإنسان، وحل أزمة الحكم.

ورفضت الخرطوم هذه الشروط ورأت أنها "تدخل في الشؤون الداخلية"، واتخذت خطوات تصعيدية، بينها، رفضها منح مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد بووث، تأشيرة دخول لزيارة البلاد، والاجتماع بمسؤولين حكوميين في نوفمبر 2013.

وفي يوليو 2014، نقلت وكالة الأنباء السودانية الرسمية، عن مصدر حكومي لم تسمه، أن الحكومة بصدد مراجعة اتفاق التعاون في مكافحة "الإرهاب" مع واشنطن.

وبرر المصدر وقتها القرار الذي لم يتم حتى الآن، الإعلان عن خطوات عملية حياله بأن "العلاقات الثنائية التي ينبغي أن تشكل الإطار السياسي العام لهذا التعاون لا تتناسب مع الروح التي ظل السودان يُبديها في التعاون في هذا المجال مع الولايات المتحدة".

ودون ورود أي تعليق من واشنطن، حول ما قالته الوكالة الرسمية، جدد الرئيس باراك أوباما في أكتوبر 2014، العقوبات المفروضة على السودان كإجراء تقليدي منذ فرضها عام 1997، بحجة "استمرار الارتباط بشبكات الإرهاب، وانتهاك حقوق الإنسان".

وفيما أعلنت الخارجية السودانية رفضها تجديد العقوبات، ووصفت الخطوة بأنها "كيد سياسي وازدواجية في المعايير" تلقّى بعد أيام قليلة وزير الخارجية السوداني وقتها، علي كرتي، مكالمة هاتفية نادرة من نظيره الأمريكي جون كيري، اعتبرها كثير من المسؤولين الحكوميين مؤشراً على رغبة أمريكية في تطبيع العلاقات.

وأعرب كيري خلال المحادثة، وفقاً لما قالته الخارجية السودانية آنذاك، عن رغبة بلاده في "التفاوض الثنائي المباشر مع السودان حول القضايا العالقة بين البلدين"، بينما أبلغه كرتي "بالوعود الأمريكية تجاه السودان والتي ظلت الإدارة الأمريكية تتنصل من الوفاء بها".

وما زكّى التفاؤل الحكومي وقتها، تلقي كرتي في فبراير الماضي، دعوة للمشاركة في "صلاة الإفطار الوطني" التي تنظمها مجموعة "الأسرة المسيحية" والتي تضم نخبة من السياسيين الأمريكيين.

ورغم أن الخارجية الأمريكية، قالت إن دعوة كرتي لم تصدر من أية جهة حكومية ضمن ردودها على حملة، قادتها مجموعة ضغط اعترضت على حضور مسؤول سوداني رفيع، لمناسبة خاطبها أوباما، إلا أن الخرطوم رأت في الزيارة مؤشراً على جدية واشنطن، خصوصاً مع تلقي مساعد الرئيس البشير، إبراهيم غندور، بعدها بأيام، دعوة رسمية من الكونغرس.

 وبالفعل وصل غندور واشنطن، في زيارة هي الأولى من نوعها لمسؤول سوداني رفيع، والتقى بمسؤوليين أمريكيين، لكن اجتماعاته لم ترق لمستوى مقابلة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري.

وفي مؤشر آخر لانفراج العلاقة، قررت واشنطن بعد أيام من زيارة غندور، في فبراير الماضي، تخفيف العقوبات، حيث سمحت لشركاتها بتصدير الأجهزة الإلكترونية الشخصية مثل الهواتف الذكية، وأجهزة الكمبيوتر وتطبيقاتها إلى السودان.

وأرجعت واشنطن قرارها هذا إلى "الترويج لحرية التعبير، ومساعدة السودانيين على التواصل مع العالم من خلال شبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت".

بعدها تراجعت الخرطوم عن رفضها منح مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد بوث، تأشيرة دخول حيث زار الخرطوم في أغسطس الماضي، وسط تكتم حكومي حول مخرجات زيارته.

وأعقب ذلك، زيارة إبراهيم غندور الذي تقلد حقيبة الخارجية بدلاً من منصب مساعد الرئيس، إلى نيويورك، حيث عقد اجتماعاً نادراً مع كيري، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ترأس غندور وفد بلاده المشارك فيها.

وفيما لم تصدر تفاصيل عن مخرجات اللقاء، طرأ بشكل جلي تباعد المواقف بين الطرفين، عندما قال  وزير الخارجية الأمريكي، منتصف الشهر الماضي، خلال محاضرة في جامعة "هارفارد" إن بلاده "قد تشطب" السودان من قائمة الدول الراعية لـ"الإرهاب" شريطة "إنهاء الحرب الأهلية في إقليم دارفور غربي البلاد، وولايتي جنوب كردفان، والنيل الأزرق".

في المقابل، قال وزير الخارجية السوداني إن لقائه مع نظيره الأمريكي لم يتطرق لأية شروط أمريكية، مجدداً رفض بلاده "التدخل في شؤونها الداخلية".

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل