المحتوى الرئيسى

صلاح عيسى لـ«مبتدا»:«فهلوة» السادات حققت نجاحات ومبارك رفض الديمقراطية

11/05 12:19

أكد الكاتب الكبير صلاح عيسى، فى حوارخاص مع "مبتدا"، أن عودة الإخوان مرتبطة بقدرة النظام السياسى على تأسيس نظام ديمقراطى طبقا للمعايير الدولية.

وأوضح عيسى، أنه يرى أن الإخوان فصيل استبدادى نشأ لأن النظام السياسى الذى كان موجودا فى مصر، كان يرى أن الدولة معصومة، وبالتالى أنتج معارضة شبيهة به. لذلك إذا تأسس نظام ديمقراطى طبقا للمعايير الدولية، فسينشأ عنه نظام معارضة مطابق أيضا للمعايير الدولية.

أضاف عيسى قائلا: "أرجو ألا تقودنا الظروف إلى إعادة النظام القديم مرة أخرى، وتأسيس الدولة المعصومة من جديد، لأنه حينها سيعود الإخوان"، وتابع: "عودة الإخوان أو استمرار جماعات الإسلام السياسى رهين أيضا بإدراك وفهم دستور 2014 فهمًا صحيحًا، لأن هذا الدستور يؤسس لدولة مدنية ديمقراطية عصرية، والنص الخاص بأن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسى للتشريع، فسرته المحكمة الدستورية العليا بشكل ملزم للجميع، وهو أن مبادئ الشريعة هى الأمور قطعية الثبوت قطعية الدلالة التى لا يجوز الاجتهاد فيها، أما كل الأمور ظنية الثبوت ظنية الدلالة فيجوز لولى الأمر أن يجتهد فيها".

ويرى الكاتب الصحفى الكبير، أن الإخوان أو السلفيين أو غيرهم من جماعات الإسلام السياسى، لن يكون لهم مكان على الخريطة السياسية فى أى وقت من الأوقات، إذا لم يجتهدوا فى المواءمة بين أفكارهم، وضروريات العصر الحديث.

وعن مسؤولية الرئيس الراحل عبدالناصر فى الفوضى التى تضرب الكثير من بلدان الوطن العربى حاليا، قال عيسى: "أعتقد أن النظام الذى كان قائما فى عهد عبدالناصر كان طبيعيا فى ذات المرحلة، وهى مرحلة التحرر الوطنى والتنمية الاقتصادية والتآمر الإمبريالى على الدول العربية، وأن الخيار الذى اتخذته ثورة 23 يوليو، عندما ألقت بدستور 54 "القائم على الجمهورية البرلمانية"، فى صندوق القمامة لم يكن من فراغ"، مضيفا أن "عبدالناصر قال لعبداللطيف البغدادى صراحة: "اللى هيمسك السلطة التنفيذية هيخبط منك البلد"، ومن هنا نشأت فكرة إنشاء نظام "البطريركية الثورية"، القائمة على الزعيم أو الأب والاحتشاد جميعا من أجل تحقيق هدف اجتماعى ننتقل خلاله من التخلف إلى التقدم، وننتقل به من الاستعمار إلى الاستقلال".

ويشير عيسى إلى أن هذا الكلام كان منطقيا فى مصر، وفى الدول التى وصفت حينذاك بأنها الدول المستقلة بعد الحرب العالمية الثانية، لكن هذه النظم والتى أسميها بـ"نظم الاستبداد الوطنى" قادها هذا الاستبداد إلى أخطاء لا أول لها ولا آخر، مضيفا: "بالتأكيد أنجزت إنجازات عظيمة ثم وقعت فى أخطاء كبيرة، ثم كان استمرار هذه النظم بعد رحيل زعمائها التاريخيين أزمة كبيرة، وهذا هو الخطأ الذى وقع فيه مبارك وصدام حسين والقذافى، لأنهم لم يدركوا أن العمر الافتراضى لهذه الأنظمة انتهى، وأن عليهم أن يقودوا التغيير فى اتجاه أنظمة ديمقراطية، حتى لا تحدث انفجارة تؤدى إلى فوضى، وعندما لم يفعلوا ذلك حدثت الهبة الشعبية التى بدأت فى تونس وانتقلت إلى مصر وسوريا وليبيا.

ويضيف الكاتب الصحفى الكبير، أنه ربما لا يكون عبدالناصر مسؤولا أوحد عن هذا، ولكن المسؤول هو خلفاؤه ومجايلوه الذين ظلوا فى السلطة بعد رحيله، ومنهم السادات لأنه حاول أن يلعب اللعبة بشكل فيه جانب كبير من الفهلوة، بمعنى أنه يصنع ديمقراطية شكلية، أو تعددية حزبية قائمة على فكرة حزب واحد فى قالب تعددى.

ويشير عيسى، إلى أنه من هنا يكون خلفاء عبدالناصر مسؤولون عن تأخر التطور الديمقراطى فى مصر وغيرها من الدول العربية، فضلا عن مسؤولية تيار الإسلام السياسى، الذى نشأ فى ذلك الحين، وسعى لتولى محل الدولة الوطنية، فكانت النتيجة أنه أثار مخاوف لدى الأقليات السياسية والمذهبية ولدى الحريصين على الديمقراطية وعلى الدولة المدنية.

ويرى رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرة، أن الانفجارات العفوية التى حدثت أثناء ثورات الربيع العربى كانت طبيعية وثورية، لكن أزمتها هى الافتقار إلى الحد الأدنى من التنظيم، والحد الأدنى من الوعى، ولذلك خطف التيار الإسلامى هذه الثورات من أصحابها الحقيقيين، وخصوصا ثورة 25 يناير، لكن مصر نجحت فى استرداد ثورتها من جديد فى 30 يونيو.

ويروى عيسى: "أتذكر أننى والمرحوم محمد السيد سعيد فى أحد لقاءات مبارك المحدودة بالمثقفين، على هامش دورة ما بمعرض الكتاب، وبعد انتهاء اللقاء، حدثناه صراحة بأن عليه أن يغير الدستور القائم، وأن يغير النظام القائم، وأن عليه أن يقود التطور نحو الديمقراطية فى هذا البلد، وإلا سنفاجأ بكارثة وبفوضى شاملة، فكان رده المعتاد "إنتو مش عارفين حاجة.. نحن محاطون بمؤامرات من كل جانب، ومش مدركين مين اللى على شمالى ومين اللى فى جنوبى"، فى إشارة للقذافى ونظام السودان. وأضاف: "لما أبقى أموت ابقوا اعملوا اللى إنتو عايزين تعملوه".

وقال صلاح إن حصول حزب النور على هذا عدد قليل من المقاعد البرلمانية، كان مفاجأة أثبتت للجميع أن هذا الحزب "نمر من ورق".

وأضاف عيسى أن المخاوف من زحف الحزب على البرلمان كانت مخاوف مبالغاً فيها، حيث أن كل التوقعات والتنبؤات قبل الانتخابات كانت تتحدث عن أن النور قد ينافس على أغلبية المقاعد، وبالتالى فإن النسبة الضئيلة التى حصل عليها فى المرحلة الأولى، أظهرت حجمه الحقيقى.

واعتبر أمين عام المجلس الأعلى للصحافة أن "النور" لم ينجح فى القوائم، وفشل نصف مرشحيه الباقين للإعادة فى الفوز، كما أن الدوائر التى تعتبر مراكز قوة له مثل الإسكندرية والبحيرة وبعض محافظات الصعيد، فشل فى التواجد فيها بشكل كبير وفقا لنسب التصويت، أما المحافظات الباقية فى المرحلة الثانية فنسبة تواجده فيها بالأساس ليست كسابقتها فى المرحلة الأولى، وبالتالى فإن حزب النور لم يعد يمثل أى خطر على البرلمان.

وعن نسب التصويت فى المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، قال عيسى أنها اعتُبرت ضعيفة لأنها قورنت بطفرات استثنائية فى الاستحقاقات الانتخابية التى أجريت بعد ثورة يناير مباشرة، إنما بالمقارنة بنسب التصويت التى سبقت الثورة فتعتبر مقبولة، فنسبة الحضور فى الانتخابات التى تمت بإشراف قضائى كامل، والتى أجريت بقاعدة "قاضٍ على كل صندوق"، والتى فاز فيها الإخوان بـ 88 مقعدًا عام 2005، كانت تتراوح بين 22% إلى 23%.

وأضاف: "أما الطفرات فى نسب التصويت التى جاءت بعد الثورة فهى نتيجة للحشد غير المنظم، ولأسباب تتعلق بالظرف الذى كانت تُجرى فيه، وفى كل الأحوال لا يمكن حساب نسبة التصويت فى الانتخابات البرلمانية الحالية إلا بعد انتهاء المرحلة الثانية، وأعتقد أن نسبة التصويت قد تزيد إلى أواخر العشرينيات أو أكثر من ذلك، لأنه يجب أن نضع فى الاعتبار أن محافظات وجه قبلى وبحرى كانت من المحافظات قليلة الحضور فى الاستحقاقات الانتخابية، نتيجة وجود مشكلات طائفية أو ثأر، أو احتجاجًا على عدم اهتمام الدولة بها".

وتابع عيسى: "حصول حزب المصريين الأحرار على 41 مقعدًا أمر طبيعى لمجتمع تركيبته وتكوينه رأسمالى، فالحزب يقدم نفسه باعتباره بديل الأحزاب الليبرالية القائمة، وممثل للرأسمالية المصرية، ويتحدث القائمون عليه ومرشحوه عن ذلك صراحة وبوضوح فى دعايتهم، ويرفعون شعار إن الرأسمالية تجلب التنمية والرخاء والعدل، كما أنه اتبع تكتيكاً انتخابياً لا بأس به، بينما يضم بين جنباته عدداً من رجال الأعمال إضافة إلى عدد من الشباب".

وأوضح الكاتب الكبير أن حصول حزب مستقبل وطن على عدد مقبول من المقاعد البرلمانية كان مفاجأة، ويُعتقد أنه راهن على العوامل التقليدية فى الانتخابات المصرية، لاسيما الاعتماد على ما يسمى بـ"القيادات الطبيعية" فى الريف المصرى، أى السعى لجذب المرشحين الذين ينتمون للأسر الكبيرة اعتمادًا على نسبة تصويتهم، لكن الجديد فى هذه الانتخابات كان سعى "مستقبل وطن" لتقديم مرشحين من الأجيال الجديدة، والاعتماد على أعضاء الحزب الوطنى من غير المعروفين، وهو تكتيك اعتمده عدد من الأحزاب الأخرى، كما أن "مستقبل وطن" يمكن اعتباره من الأحزاب التى يرعاها رجال الأعمال، والذين يمثلون شرائح أخرى من الرأسمالية المصرية، لأن من يرعاه طبقًا لما قاله أعضاؤه أنفسهم رجل الأعمال المعروف أحمد أبو هشيمة.

أما الظهور الباهت للأحزاب العريقة ومنها الوفد والتجمع فيشير بحسب عيسى إلى أن الانقسامات التى حدثت داخل حزب الوفد على مشارف الانتخابات أثرت بالتأكيد عليه، كما أن خطابه السياسى فى الفترة الأخيرة كان مرتبكًا، فلا هو راهن على الطبقات الوسطى والطبقة الرأسمالية، ولا هو منضبط تنظيميًا، حتى أن هناك 18 مرشحًا من المنشقين عن الحزب كانوا ينافسون أعضاء منه فى نفس الدوائر.

وأضاف: "أما التجمع فيعانى أيضاً من الانقسامات منذ فترة، بداية من خروج بعض أعضائه لتكوين حزب التحالف الشعبى الاشتراكى، كما أن فصائل اليسار فشلت فى أن تتوحد، إضافة إلى أن رجال الأعمال المنتمين إلى اليسار كفوا أيديهم عن تمويل الحملات الانتخابية".

وحول فوز عبدالرحيم على وأحمد مرتضى منصور فى دائرة الدقى والعجوزة أكد عيسى أن ذلك مرتبط بالنجومية الاجتماعية، فالأول بسبب عمله بالإعلام، فضلا عن إمكانياته المادية التى أهلته لتنظيم حملات دعائية واسعة، أما الثانى ففاز بسبب ارتباطه بجماهير نادى الزمالك المتواجدين بالمنطقة القريبة من النادى، فضلا عن دعم حزب المصريين الأحرار له.

وأكد الكاتب الصحفى الكبير صلاح عيسى فى حواره مع "مبتدا"، أن دعوات تعديل الدستور انطلقت من عناصر محسوبة على ما أسماهم بـ"رابطة صناع الطغاة"، سواء أدركوا هذا أم لم يدركوا.

وقال الكاتب الصحفى الكبير، إن "الذين أطلقوا هذه الحملة حاولوا أن يقحموا الرئيس السيسي فيها، من أجل الاستفادة من جماهيريته الواسعة، حتى يخلقوا رأيا عاما كبيرا لدعوتهم، لكن الرئيس حسم هذا الموضوع فى التصريحات التى أدلى بها فى الاحتفالات بأعياد أكتوبر".

ورأى رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرة، أن فكرة تعديل الدستور الآن فكرة خاطئة، لأن هذا الدستور لا يقلص سلطات رئيس الجمهورية، ولكنه يُحدث توازن بين سلطة الرئيس وبين سلطة البرلمان، من ناحية، وبين سلطة الرئيس وسلطة رئيس الوزراء، من ناحية أخرى.

وأكد عيسى، أن النظام الدستورى المصرى فى عهد السادات ومبارك، وفى ظل دستور 71، كان يقوم على فكرة دمج كل السلطات فى السلطة التنفيذية، ثم دمج السلطة التنفيذية فى شخص الرئيس، ولذلك كان الفقهاء الدستوريون يسمونه نظام "شبه رئاسى"، أو مختلط، وكان يجنح إلى النظم الرئاسية، أما التعديل الذى حدث فى دستور 2014، فجعل النظام شبه برلمانى، بمعنى أنه يفصل بين السلطات، لكنه يجنح إلى توازن سلطة البرلمان وسلطة الرئيس.

وقال عيسى "من دعوا لهذه الفكرة مخطؤون، وهم ظنوا أنهم بذلك يقدمون خدمة جليلة للرئيس، ولكن الرئيس رفض هذه الخدمة، إضافة إلى أن فكرة تعديل دستور لم يُطبق بعد، ولم يُختبر، ولم تـُعرف عيوبه، يعكس نوعا من الهطل السياسى، أظن أنه اختفى من الساحة".

ولأنه صاحب كتاب "دستور في صندوق القمامة" لازال عيسى يدعو لتطبيق دستور 1954، لكنه يقول "تعودت أن ما لا يدرك كله لا يترك كله، حتى أننى رحبت بجانب من التعديلات التى أجريت على دستور 71، فى عهد مبارك، على أساس أنه ليس بالضرورة أن ننتقل بسرعة من الجمهورية الرئاسية إلى الجمهورية البرلمانية، ولكن من الوارد أن نظل نتخذ خطوات فى هذا الاتجاه، وأتمنى إذا كانت هناك تعديلات على هذا الدستور بعد 10 أو 15 سنة، أن ينتقل بنا المشرعون إلى الجمهورية البرلمانية، وهو النظام السياسى الأصلح لبلاد توطن فيها الاستبداد".

وبصفته أمين عام المجلس الأعلى للصحافة، فيؤكد عيسى عن وقائع حجب ومصادرة الصحف قائلا "لا يمكن القول بأن هناك صحف صودرت على الإطلاق، والذى حدث فى كل الحالات هو قرار من الناشر، بحذف مادة من المواد التى نشرتها الصحيفة، وهذا القرار كان مرتبطا فى بعض الحالات بمخالفة نصوص قانونية صريحة من قانون العقوبات، والخاصة بنشر أخبار القوات المسلحة والمخابرات العامة، دون عرضها عليهم".

وأشار عيسى إلى أن حالة الطوارىء فقط هى ما تجيز للسلطة التنفيذية أن تصادر الصحف، دون أن تعلن أو تلجأ للقضاء، لذا فنحن في الوضع الطبيعى، الذى يؤكد أنه حينما تصادر صحيفة يومية، لابد من صدور مذكرة من الجهة المختصة إلى النيابة بأن هذه الجريدة نشرت مادة مخالفة للقانون، فتصدر النيابة العامة قرار مصادرة مؤقتة لعدد الصحيفة، ثم ينتقل الأمر فى صباح اليوم التالي على قرار المصادرة، إلى المحكمة المختصة، إما أن تؤيد قرار المصادرة أو تفرج عن العدد، ونحن خلال الفترة الماضية، لم نسمع عن أى إجراء من هذه الإجراءات تم اتخاذه.

ويروى عيسى قائلا "عندما كنت مديرا لتحرير الأهالى، نشرنا خبرا معينا، وفوجئت بالمطبعة تتصل بى وتؤكد لى أن مباحث أمن الدولة أوقفت طباعة العدد فى مطابع الأهرام، بسبب هذا الخبر، وتخيرهم إما حذفه أو مصادرة العدد، لكننى قدرت مصلحة الجريدة، إضافة إلى رغبتى فى عدم مساهمتى فى فتح شهية أجهزة الأمن وقتها فى مصادرة الصحف، فحذفت الخبر بعد التشاور مع رئيس التحرير".

ويقول عيسى "الصحافة المصرية فى أزمة، لكنها فى الواقع ليست أزمة حريات. الصحافة تعانى من أزمات مالية نتيجة للركود الاقتصادى، وتراجع نسب التوزيع أمام منافسة وسائل الإتصال الحديثة، إضافة إلى تعدد الإصدارات مع عدم اتساع سوق التوزيع. هناك مشاكل للصحفيين الشبان وشيوع البطالة فيما بينهم، نظرا لاتساع رقعة الكليات والجامعات التى تدرس الصحافة والإعلام، وهناك أيضا مشكلات متعلقة بميثاق الشرف الصحفى وتقاليد المهنة".

ويضيف الكاتب الصحفى الكبير قائلا "نعم يشيع فى الصحف مناخ استقطاب للتيار المدنى وللسلطة القائمة فى مقابل التيارات الإسلامية المتشددة، والبعض يرى أن هذا الاتجاه مفروض من الدولة، ولكن فى الواقع هذا غير صحيح، لأن الإعلام المصرى المسموع والمقروء والمرئى كان طرفا فى ثورة 30 يونيو، ويعتبر نفسه شريكا فى صنعها، لأنه لولاه ما أمكن حشد الجماهير التى خرجت ضد نظام محمد مرسى، بسبب تحريض رموزه على ضرب الإعلاميين وقتلهم ووصفهم بسحرة فرعون".

ويؤكد عيسى أن بعض الصحفيين الذين يُمنعون من الكتابة، هو إما بقرار شخصى منهم، أو من الناشر، لأنه فى مرحلة ما من المراحل التاريخية لابد أن يضع الكتاب وأصحاب الرأى مزاج الرأى العام فى الاعتبار.

ويرى الكاتب الصحفى صلاح عيسى، أن الرئيس الراحل محمد أنور السادات ربما يكون قد ظُلم تاريخيًا، لأن التيار السياسى الأكثر حداثة ركَّز على سلبياته، ولم يعطه حقه فى الإيجابيات، لكن هو بشكل عام كان يعتبر نفسه فرعونًا.

وأضاف، خلال حواره لـ"مبتدا"، أن السادات قال للكاتب أحمد بهاء الدين "أنا وعبد الناصر آخر الفراعنة"، وبدأ فى عهده يلعب ألعابًا خطرة، نظرًا لطبيعة شخصيته كمغامر سياسى ملك القدرة، والصبر على أن يظل فى إطار سلطة عبدالناصر لمدة 18 عامًا كاملة إلى أن ورثه فى الوقت الذى اختلف فيه الجميع مع عبدالناصر، وغادروا السلطة، باستثنائه، وحسين الشافعى.

وأوضح عيسى أن الرئيس الراحل السادات كشف عن شخصية مختلفة عن شخصيته المعروفة عنه بعد وفاة عبدالناصر، وبعد توليه السلطة، ما جعله يقوم بمناورة أخطر، وهى التحالف مع الجماعات الإسلامية لضرب المعارضين اليساريين الذين عارضوا وصوله للسلطة، والذين كان يسميهم "لابسى قميص عبدالناصر"، وكانت نتيجة تحالفه معهم أن فصيلًا منهم هو الذى اغتاله، يوم احتفاله بنصر أكتوبر المجيد، لافتًا إلى أن سياسيات الانفتاح الاقتصادى أدت إلى فوضى، وجعلت الفساد يستشرى فى الإدارات الحكومية، ما دفعت الطبقات الشعبية إلى الشعور بالتململ، حيث إنها أحست بأنها تبذل جهدًا، ثم يتم فى النهاية نهب عرقها.

ويرى صاحب كتاب "مثقفون وعسكر" أن زيارة السادات للقدس مثلًا كانت من ضمن المغامرات السياسية غير المحسوبة، لأنها افتقدت إلى أى شكلٍ من أشكال التنسيق مع العالم العربى، وصدمت الجميع، فتدافعت النخبة فى مصر إلى التصرف معها بشكلٍ انفعالى، والدخول فى انشقاقات مع بعضها البعض، فأضعف موقفه التفاوضى مع الإسرائيليين، وقادوه إلى أن يوقع اتفاق صلح منفرد، وليس اتفاقية سلام شاملة تعيد حقوق كل الأطراف، كما كان الهدف الأساسى من زيارته للكنيست.

عيسى يؤكد أنه لاشك فى أن "فهلوة" السادات حققت نجاحات فى بعض الأمور، لكنه كان متعجلاً فى أن يغير المجتمع إلى الصورة التى كان يراها، فسياساته كان بها كثير من العشوائية، والتفكير الذاتى، بصرف النظر عن إنجازاته التى لابد من الاعتراف بها.

الكاتب الكبير له كتاب مهم بعنوان "شاعر تكدير الأمن العام" يتناول فيه الظاهرة الغنائية الشعرية السياسية للراحلين أحمد فؤاد نجم، والشيخ إمام، فيؤكد فى حواره معنا على أن الظرف الذى نشأ فيه نجم، وإمام كان لابد، وأن يخلق هذه الظاهرة، قائلًا: "نحن أمام هزيمة كبرى، وأمام إحساس شديد بالمرارة، وأمام جيل يشعر بأنه طُعن فى أحلامه، بعد أن صعد إلى قمة الجبل، وتصور بأن قيادته تتبع سياسات تحرك العالم كله، وأننا نملك أكبر قوة ضاربة فى الشرق الأوسط، وأن إسرائيل لن تحتمل فى يدينا أيام، وأننا لسنا فقط سوف نسترد ما تنازلنا عنه فى حرب 56 من مضايق، بل سنسترد أرض 48، التى فُقدت فى النكبة".

ويضيف عيسى "قيمة ظاهرة نجم وإمام، أنها كانت الصوت الذى يدعو للصمود فى مناخ يدعو للاكتئاب، وهذا ما جعل النخبة الثقافية تلتف حولها، بعد أن تنبهت بأن هذا الصوت أوشك أن ينتهى بداخلها"، مشيرًا إلى أن نجم جاء فى اللحظة المناسبة، وكانت ميزته أنه يقول الكلمة المناسبة فى الوقت المناسب، ويسمعها الجميع عبر التواصل المباشر وأجهزة الكاسيت، وهذا ما ساهم بالطبع فى تكوين ثنائيات أخرى من هذا النوع، لأن كثيرين تنبهوا إلى التأثير الكبير للشعر الملحن والمغنى عن الشعر المقروء.

ويقول عيسى "ونتيجة لتغير الظرف السياسى بعد اتفاقية السلام التى كان يؤيدها قطاع كبير من الشعب، دون مثقفيه، وسياسييه، ونخبته، ونتيجة لخلافهما الشخصى، تفككت الظاهرة، وأعتقد أن مثل هذه الظاهرة لن تعود من جديد، فمن الوارد أن تظهر ثنائيات تقدم فنًا مختلفًا، والحقيقة أنا أندهش أنه لا يمكن القول إن ثورة 25 يناير أنتجت فنًا، مثلما أنتجت ثورتى 1919، و1952، ربما تنتج فى وقت تتحقق فيه أهداف الثورة الحقيقية".

من جهة أخرى يؤكد صاحب كتاب "رجال ريا وسكينة" أن مسألة تحويل المجرم إلى بطل شعبى تستند فى الأساس إلى فكرة المجرم الذى يتحدى سلطة باطشة، وهذا بالتأكيد يرسخ، ويوثق لقيمة متخلفة داخل مجتمعنا، مثل الأخذ بالثأر فى موَّال ياسين، وبهية، أو شفيقة ومتولى، قائلًا: "لكن عندما درستُ قضية ريا وسكينة دراسة معمقة، لفت نظرى أن الشعب لم يحولهما إلى أبطال، بل بالعكس، نسبوا إليهما من الجرائم ما لم ترتكباه، لأن الحقيقة أنه لا ريا، ولا سكينة مدت يدها على أى ضحية، فمن كانوا يقتلون هم الفتوات، ويوم ما تم إعدامهما وقفت سيدات الحى الذى كانا يسكنان فيه وغنوا "خمارة يا أم بابين.. وديتى السكارى فين".

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل