المحتوى الرئيسى

مُحمد حسن يكتب: معارك الموحدين الكبرى في الأندلس (1/3) | ساسة بوست

11/05 03:15

منذ 1 دقيقة، 5 نوفمبر,2015

معركة شنترين ( 580هـ )

استمرت الحروب والمعارك بين الموحدين الذين فرضوا سيطرتهم على الأندلس في عهد خليفتهم القوي ( عبد المؤمن بن علي ) من جهة ، وبين ممالك النصارى ( نافار – ليون – قشتالة – البرتغال – قطلونية ) من جهة أخرى .

ولم يستطع أي طرف من الطرفين أن ينتصر على الطرف الآخر انتصارًا حاسمًا يهدد من وجوده على أرض الجزيرة ، ولذلك لجأ كل من الطرفين إلى أسلوب الحرب السريعة الخاطفة التي تهدف إلى التخريب والتدمير وإضعاف العدو ، وإنهاكه والحد من موارده .

وإن كان الخليفة الموحدي الأول (عبدالمؤمن بن علي) قد انشغل بتوسعاته في المغرب ، وبتوطيد سيطرته على قواعده الرئيسية ، فإن ابنه الخليفة الثاني (أبو يعقوب يوسف ) قد أراد القيام بعمل عسكري عظيم في الأندلس ، وسنحت له الفرصة لتحقيق مآربه بعد القضاء على حركة (ابن مردينش) في شرق الأندلس ، عندها قام أبو يعقوب بحملة عسكرية ضخمة على مدينة (وبذة )عام 567هـ إلا أن هذه الحملة لم تأت بثمارها نتيجة لعدة أسباب ، وهي: –

1-    الظروف الجوية السيئة التي عانى منها الجيش الموحدي المحاصر للمدينة.

2-    استماتة البرتغاليين في الدفاع عن المدينة ، ورفضهم للتسليم.

3-    تحرك الملك القشتالي ( ألفونسو الثامن ) لنجدة البرتغاليين.

4-    الضعف الخططي والفوضي الضاربين في الجيش الموحدي.

وقد أدى فشل الموحدين في الاستيلاء على وبذة إلى تقوية مملكة البرتغال الناشئة على يد ملكها (ألفونسو هنركيز) ، وفي عام 567هـ قام البرتغاليون بدخول مدينة (باجة )، حيث خربوها وهدموا أسوارها ، كما أنهم قاموا بعد ذلك بالكثير من الحملات على القسم الغربي من الأندلس ، وقد أدت تلك الأحداث إلى تزايد مخاوف الخليفة الموحدي من فقدان السيطرة على غرب الأندلس ، لذلك وجد أنه من الواجب عليه القيام بحملة عسكرية كبرى؛ ليعوض بها الفشل الذي صادفه في وبذة ، وقرر أن يتم توجيه تلك الحملة لمملكة البرتغال خصوصًا وأنها أشد الممالك النصرانية وطأة على غزو أراضي الموحدين.

في عام 579هـ أمر الخليفة بتمييز طوائف الموحدين والعرب والقبائل استعدادًا للغزو  ، كما أنه – تنظيمًا للإدارة في الأندلس – قد أصدر مرسومًا بتولية أربعة من أولاده على القواعد الرئيسة في الأندلس.

وبدأ الخليفة في الإشراف بنفسه على صنع عشرة مجانيق عظيمة ، وتجربتها استعدادًا لأعمال الحصار والغزو ، وفي يوم الثلاثاء الرابع من شهر المحرم تحرك الخليفة أبو يعقوب من فاس  إلى سبتة ، ثم أمر جيوشه بالجواز إلى الأندلس ، ثم نزل إلى الجزيرة الخضراء ، ومنها سار إلى أشبيلية ، وهناك خرج الناس لاستقباله ، وقدم إليه أولاده الأربعة ومعهم جند ( قرطبة وغرناطة ومرسية وأشبيلية ) ، وبذلك زاد عدد الجيش الموحدي زيادة كبيرة ، وفي بعض الروايات النصرانية : أن هذه الجيوش مجتمعة كانت تفوق في الكثرة أي جيش آخر قاده ملوك أفريقية إلى أسبانيا  ، كما أن الأساطيل الإسلامية تجمعت عند مصبي نهري         ( الوادي الكبير ووادي يانة ) وقد تم شحنهما بآلات الحصار والمؤن ، وهي على أتم استعداد لمواجهة القوة البحرية للبرتغاليين.

وفي صبيحة يوم الخميس السادس والعشرين من شهر صفر  تحرك أبو يعقوب في اتجاه مدينة شنترين ويبدو أن وجهة الخليفة الموحدي الرئيسية كانت إلى مدينة لشبونة ، ولكنه أراد أن يضعفها أولا بالاستيلاء على قلعة شنترين القوية القريبة منها ، والواقعة على نهر التاجة اليسرى، ويعلل “محمد عبدالله عنان ” اختيار الخليفة الموحدي أبو يعقوب لمدينة شنترين هدفًا لحملته بقوله

(أما هدف هذه الغزوة فقد استقر الرأي على أن يكون مدينة شنترين البرتغالية ، واختيار هذه المدينة بالذات هدفًا للغزوة الموحدية يرجع إلى أسباب عديدة ، مادية ومعنوية ؛ فقد كانت البرتغال في عهد أبي يعقوب أول مملكة نصرانية في شبه الجزيرة مناصبة الموحدين العدوان ، وكانت هذه المدينة بالذات أهم قواعد هذا العدوان ، ومنها خرجت الحملات العدوانية المتوالية التي شنها الفارس المغامر جيرالدو سمبافور على بلاد ولاية الغرب ، وحصولها في قطاع بطليوس ، ثم كانت بعد ذلك قاعدة لمهاجمة ملك البرتغال ، وجيرالدو سمبافور لمدينة بطليوس ذاتها ، وكانت شنترين أخيرًا مركزًا للحملات المخربة التي شنها البرتغاليون على أحواز أشبيلية)

وبعد تسعة أيام  من الخروج من أشبيلية وصلت الجيوش الموحدية إلى حصن العرجة ؛ حيث تجمعت الجيوش وتجهز الجنود بالأسلحة والعتاد ، ثم واصل الجيش تحركه حتى وصل إلى مدينة بطليوس ، وهناك استكملت الجيوش ما كان ينقصها من الميرة والزاد.

في الوقت الذي كانت فيه جيوش الموحدين تقترب فيه من مدينة شنترين كان الملك (فرناندو) ملك ليون يقوم بحصار مدينة( قاصرش ) الواقعة شمال شرقي بطليوس ، على مقربة من نهر التاجة  ، ولما علم فرناندو بنبأ اقتراب الجيش الإسلامي آثر فك الحصار، والابتعاد إلى حاضرته مدينة ردريجو ، أما أبو يعقوب فقد أمر جنوده باختراق نهر التاجة ، ثم قام بضرب الحصار حول المدينة نفسها ، ثم نصب معسكر الجيش الموحدي في الجهة الجنوبية الشرقية من المدينة ، وامتد معسكرهم على طوال النهر.

وفي تلك الأثناء كان الأسطول الموحدي يسير إلى مياه أشبونة ، فقد كانت خطة الخليفة أبي يعقوب تهدف إلى غزو شنترين ، ثم حصار أشبونة بحرًا وبرًا ، وضمان حماية مؤخرة الجيش الموحدي من ناحية مدينة شنترين ، بحيث يتفرغ الموحدون بعد إسقاط أشبونة وتحطيم مملكة البرتغال كلها ، وكان ملك البرتغال ألفونسو هنريكيز قد تحصن في شنترين ، وحشد فيها أعدادًا كبيرة من الجنود، كما أنه رتب عددًا من الجنود لحماية الربض الخارجي للمدينة ، ولكن الموحدين استطاعوا هزيمة جند البرتغال المدافعين عن الربض والأسوار الخارجية للمدينة ، وبدأ أبو يعقوب في تشديد قبضته على المدينة ، وأخذ في قطع ثمارها وإفساد زروعها ، وشن الغارات على نواحيها.

واستطاع الموحدون السيطرة على المدينة ، ولكنهم لم يتمكنوا من الدخول إلى قصبتها ، واستمر القتال بين الفريقين حتى يوم الإثنين الحادي والعشرين من ربيع الأول ( 2يوليو ) ، ونشبت بينهما خلال تلك المدة عدة معارك عنيفة.

وتقدم إلينا الروايات النصرانية عن هذه المعارك صورًا مختلفة ، ويقول بعضها  إن المعارك لبثت تضطرم بين النصارى والموحدين في الربض الخارجي للمدينة لمدة خمسة أيام.

ويبدو أن بعض قادة الجيش الموحدي قد خافوا أن ( يعظم النهر فلا يستطيعوا عبوره وينقطع عنهم المدد ) ؛ خصوصًا وأن الحملة كانت في أواخر فصل الخريف ، فخاطبوا الخليفة في ذلك الأمر ، وضرورة فك الحصار عن شنترين ، ولعل أبا يعقوب قد وافقهم على رأيهم أو أظهر لهم الموافقة ، وإن كان لم يعط أوامر صريحة بالانصراف وفك الحصار.

وقد اختلفت أقوال المؤرخين المسلمين في تلك الحادثة ، فيروي المراكشي أن الخليفة قد قال لقادته حين طلبوا منه الانصراف عن شنترين ( نحن راحلون غدًا إن شاء الله ) ويقصد بها المراكشي الانصراف من أمام شنترين والرجوع إلى أشبيلية.

أما صاحب روض القرطاس فيرى أن الخليفة قد أمر ولده السيد أبي إسحاق بالرحيل ، والتوجه إلى مدينة أشبونة، وشن الغارات على أنحائها ، وأن أبا إسحاق قد أساء الفهم وظن أن الخليفة يأمره بالرجوع إلى أشبيلية.

وبغض النظر عن سبب الارتحال من أمام مدينة شنترين ووجهته ، إلا أنه من المؤكد أن رحيل هذه الأعداد الضخمة والهائلة من الجند بشكل مفاجئ قد خلق نوعًا من أنواع الفوضى والاضطراب الكبيرين في المعسكر الموحدي.

وكان المنادون قد نادوا في الناس بالرحيل وعبور نهر التاجة ، ( فلما كان قرب الفجر أقلع السيد أبو إسحاق ، وأقلع كل من كان يليه ، وتابعه الناس بالرحيل فارتحلوا ، وأمير المؤمنين في مكانه لا علم له بذلك )  .

وترى الروايات النصرانية أن رحيل الجيش الموحدي المفاجئ من أمام أسوار شنترين كان بسبب الأخبار المترامية بمقدم ملك ليون فرناندو بجيشه لمساعدة ملك البرتغال الفونسو هنريكيز .

وفي صباح اليوم التالي لرحيل الجيش الموحدي اكتشف الخليفة أبو يعقوب أن معظم عساكره قد رحلت ، ولم يبق معه إلا عدد قليل من الجند ، ( وانحدر الخليفة صوب النهر ، وبقى ابنه يعقوب المنصور مع بقية الساقة في موضع المحلة مستعدًا للقاء النصارى ، وردهم وحماية أبيه ومن معه ).

وعندما شاهد البرتغاليون معسكر الموحدين خاليًا من الجنود، إلا من الخليفة ونفر قليل معه ، بعثوا ببعض جواسيسهم للاستطلاع ، والتأكد من الأمر ، فلما تيقنوا من انصراف معظم الجيش الموحدي وعبوره نهر التاجة “هجم النصارى على معسكر الموحدين وهم يصيحون ” إليهم ، إليهم ، إليه ، أين هو؟ ” ، ثم نفذوا إلى خيام الحرس ، وقتلوا رجاله جميعًا ، ووثبوا إلى خيمة الأمير ، ومزقوا كل ما حوت من الستور والبسط والفراش، وهو يقاتل بسيفه ستة من الفرسان النصارى ، وأخيرًا طعنه أحدهم بسيفه طعنة نافذة فسقط إلى الأرض مضرجًا بدمائه ” .

واستطاع بعض الفارين من البرتغاليين الوصول للجيش الموحدي على الضفة الأخرى من نهر التاجة ، فهرع الموحدون إلى معسكر لإنقاذه ، والتصدي للنصارى . ويبدو أن الفريقين قد قاتلا بمنتهى العنف والقوة ، واستطاع المسلمون أن يستنقذوا خليفتهم المصاب ، وما لبثوا أن تركوا المعسكر ، وانصرفوا نحو أشبيلية.

أما الأسطول الذي كان يسير في طريقه لحصار أشبونة ، فقد بادر بالفرار عقب معرفة الكارثة التي وقعت للجيش الموحدي أمام أسوار شنترين.

1-    وفاة الخليفة أبو يعقوب يوسف متأثرًا بجراحه أثناء رجوعه من شنترين إلى أشبيلية.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل