المحتوى الرئيسى

مدرسة العك الإعلامية

11/03 10:50

لم تظهر ريهام سعيد فجأة، أو تهبط من الفضاء بالبراشوت على حين غرة. هى حاضرة، على الشاشة الصغيرة، منذ سنوات، تمارس عملها بذات الطريقة التى أودت بها إلى ذلك المأزق الوعر، الذى لا فكاك منه، جزئيا، إلا بالاستقالة أو الإقالة. الواقعة الأخيرة، الصارخة، جاءت فى سياق ممارسات مثقلة بالاستخفاف وخفوت الحس الإنسانى، ومنها، على سبيل المثال، تلك الحلقات التى استأجرت فيها بنات غلابة، بصرخن ويتمرغن على الأرض، متظاهرات بأنهن عليهن عفاريت وتعرضن للمسات الجن، بالإضافة لتلك الحلقة الجارحة، حين وقفت فوق ظهر عربة نقل محملة بملابس يتخطفها أهالينا، اللزاجئين، من سوريا، كى تلقى بعبارات مفككة، خطبة مفتعلة عن حظنا الطيب، لأننا لم نمسِ مثلهم.

لكن ريهام سعيد التى انهالت عليها الضربات، وشيعها المشيوعون بإلقاء القلل، ليس الاستثناء السيئ فى منظومة الإعلام المتردى، ولا البقعة الكالحة فى جلباب نظيف، ناصع البياض.. ذلك أنها جزء لا يتجزأ من الصورة التعيسة. لا يمكن إغفال حال شقيقاتها، وأشقائها. إحداهن، حلا لها أن تؤدى دور ضابط شرطة الآداب. اختلقت فرية عن حمام شعبى، زعمت أنه مجرد وكر لممارسة الشذوذ، داهمت المكان مع عساكر ومخبرين، لإلقاء القبض على المستحمين عرايا، ثبت أنهم أبرياء. وأخرى، فى نوبة تهور، بلغت حد الطيش، وصفت اقتصاد دولة شقيقة، أنه قائم على الدعارة.

أما عن الأشقاء الأشقياء، فإن بعضهم فضل الظهور بمظهر من تمكنت منه الروح الوطنية، فأخذ، بصوت نحاسى، ووجه مترب، يصب جام غضبه، على منتقدى النظام، متهما إياهم بالخيانة والعمالة والقبض من الخارج.. وثمة من فضل تنصيب نفسه رعايا للأخلاق الحميدة، فأخذ، بابتسامة لئيمة، ينغمس فى مهاجمة الملابس الخليعة، والراقصات، زاعما أنهن ينشرن الفتنة والفجور.

المشكلة ليست فى المذيعين فقط، لكن فى قنوات بلغ عددها حدا يتجاوز الطاقة البشرية للعاملين بها، وبالتالى تركت الحبل على الغارب لمذيعين من متوسطى أو ضئيلى الثقافة، كل منهم عليه أن يملأ فراغ الوقت بالكلام. أيام الإذاعة، كانت الأحاديث قاصرة على طه حسين والعقاد والشيخ الجليل محمود شلتوت وغيرهم من أساتذة الثقافة، مرة واحدة أسبوعيا، يتحدث كل منهم بأسلوب راق عن موضوع أو قضية مهمة. لاحقا، فى التلفاز، استعيض عن الحديث الفردى بحوارات جادة وممتعة مع مفكرين كبار، يجريها أناس فى قامة ليلى رستم، سلوى حجازى، أحمد فراج، طارق حبيب.

دارت الأيام دورة، وأخرى تورمت محطات التلفاز، ولم يواكبها تنمية بشرية، وبالضرورة، أصبح المشهد أقرب لمعطف واسع، ضخم، على جسد هزيل، لا يندرج فى باب الإعلام بقدر انتمائه إلى نوع من التهريج الرخيص، المتظاهر بالجدية.

الرواج، لفت الأنظار، الادعاءات الباطلة، أصبحت الهدف من عشرات البرامج، تتحقق بأى وسيلة، ومنها، تأجيج الخلافات، والوصول بها إلى حد التهديد، رش الآخر بالماء، ناهيك عن الشتائم المقزعة، إلى الدرجة التى بدا معها أحد كبار الشتامين، بشعره الأبيض، نجما فوق العادة، ينتشر كالجرب، منتقلا من قناة للثانية للثالثة.

الطريف أن هذا «الجرب» أصاب أحد المسئولين عن القناة التى تقدم «صبايا الخير»، فأخذ يشتم، بلا مبرر، ريم ماجد ويسرى فودة.

ريهام سعيد، ليست ظاهرة منفصلة عن إعلام عكاك، متخبط، يخلط الأمور، مهمل، مغرور، متطاول.. ريهام، هى، هذه المرة، رأس جبل الجليد العائم.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل