المحتوى الرئيسى

30 صورة تلخص ملامح العراق "الجريح"

10/30 16:29

كان أحمد الزيدي بعمر 13 عاما، حين عرفت يداه طريقها إلى الكاميرا، يلتقط ملامح بغداد، يحفظ شيء من بهاء مدينته، اجتماع العائلات، "لمة" الأصدقاء في حضن الوطن، قبل أن يتفتت أوصاله، بتفجير هنا وقذف هناك، وتدخل أمريكي لسنوات لم ينعم به العراق حتى انسحاب آخر جندي، بل زاده هدما لكيانه، بانقسام الطوائف وتدخل آخر تحت اسم "داعش"، وبين هذا وذاك لم تفارق الكاميرا الشاب العشريني، فقط تحول إلى مصور حربي يرافق الوحدات المقاتلة، يرصد بعدسته مرحلة مليئة بالدم، ودوي الرصاص المخترق للأجساد، لم تخل في الوقت ذاته من مشاعر إنسانية لا ترغب إلا في الذود عن الأرض. لحظات ارتأى "الزيدي" أن يحقق بما اقتنص منها حلم يرادوه منذ نحو عامين بإقامه "أكبر معرض فوتوغرافي بالشرق الأوسط" وبطريقة مختلفة، وإن لم يصل لمبتغاه الأول بعد، لكنه نجح في تحقيق الثاني، فكان معرضه الأول ببغداد ذات طابع فريد.

في ساحة حدائق أبو نؤاس العامة، يوم 29 سبتمبر المنصرف، اصطفت على الجانبين 30 لوحة مصورة، من قماش "الكامفس" بارتفاع متر ونصف، وعرض مترين ونصف فُردت على حوامل معدنية، ضمت كل لوحة صورة التقطتها عين "الزيدي" عكف على اختيارها طيلة شهرين من بين900 صورة أخرى، هي مشروعه القائم عليه قبل 4 أعوام منذ كرس تخصصه بعد دراسة السينما بالمركز العراقي للفيلم المستقل للعمل كمصور حربي، مراهنًا على أن توصل تلك الصور معاناة وقصص وبطولات المقاومين بساحات المعركة مع "داعش".

مقاتلين يواجهون من وراء جدار حجري، وأخرين يبتسمون لآثار القذف البادي خلف مجلسهم، وأخر يحمل نظرة إصرار، فيما لا تغيب علامة النصر عن رفيق ثاني بساحة المواجهة، اجتياح المدن، توثيق مجزرة يشتعل لها الرأس شيبا.. صور تمنى "الزيدي" أن يبصرها الوافدون لمعرضه بروحهم، قبل أعينهم "لو أي مشاهد ركز بالصورة راح يسمعها وهي تحكي".

عمل "الزيدي" في عدد من الصحف والوكالات، شارك في العديد من المهرجانات، لكن ذلك يعد المعرض الأول له داخل بغداد موطن نشأته، تَنَقل به بين خمسة أماكن –ساحة التحرير، مدينة الصدر، الطب وأخيرا حدائق أبو نؤاس- كلها "في الشارع" حسب وصفه، وكانت تتعرض بين الحين والأخر للتفجير، لذا وجدها الأنسب لهدفه في الوصول إلى البسطاء والمارة من أهل مدينته لإعلامهم مباشرة وبطريقة مختلفة بعيدا عن ما قد تحمله شاشات التليفزيون من "زيف" كما قال، معتبرا ذلك بداية لحلقة الوصل بين الفنانين بشكل عام والمواطن العراقي المتواجد بالشارع "في حلقة ضايعة.. هلا لما تسألهم عن الفنانين بالعراق يقولك أنا مابشوفهم غير في التلفزيون"، فأراد المصور الحربي بمعرضه هذا أن يكون حلقة الوصل بعمل كبير ومنظم.

كانت الساعة تشير إلى الثانية عشر ظهرا ليوم 12 يونيو 2014، حين اتخذ "الزيدي" موقعه بمكان عالي، فيما يمر نهر دجلة أمامه، لكنه لم يكن بصفائه المعهود، ساد المشهد بكامله لون أحمر، لم تفطن له عين المصور الحربي، لكن أصابعه على الكاميرا تعلم طريقها إلى التقاط الصورة، بينما تنهمر الدموع من عينيه، وسط دوي إطلاق رصاص لا يتوقف... اقتنص "الزيدي" صورته وعاد مسرعا إلى مكانه، ليعلم أنه التقط صورة لمجزرة "سبايكر" أحد أكبر المجازر المرتكبة بالقاعدة العسكرية المسماة باسم أول طيار أمريكي نزل بالمنطقة "1700 طالب في القوة الجوية العراقية أعدمهم داعش وكبوهم بالنهر"، ليحفر ذلك المشهد حزنا كان الأكثر تأثيرا على الشاب بين الصور الملتقطة.

صعاب كثيرة تخطاها "الزيدي" لم تنته بالتقاط الصور من كبد المعركة، بل فكرة المعرض ذاته كادت أن تتوقف، لمعاناة التنقل بين المدن المرغوب إقامة المعرض بها، في ظل عدم وجود داعم له، مما اضطر الشاب العراقي أن يقوم بتمويله ذاتيا مساندا إياه أحد فصائل المقاومة، فضلا عن الإجراءات التي أوشكت أن تتعطل نظرا لظروف عمل المصور في ساحات المواجهة عذرت عليه الحصول عليها إلا بعد عناء.

لم يهدأ الحال في العراق منذ 2003، غير أن "الزيدي" لا يجد تغيير شكلي في موطنه، بل النفوس هي ما أصابها التغير "صحيح فترة دخول الأمريكان شالت صدام لكن زرعت الطائفية وأصبحت حرب أهلية" كما قال الشاب العشريني، الذي يصف حالة التصوير حتى خروج الأمريكان بالعصيبة "كان تصويرنا بالخفاء"، لكن الآن رغم الصعوبة، غير أن التواجد في صفوف المقاومة يمنح المصور المزيد من المؤازرة.

نرشح لك

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل