المحتوى الرئيسى

لعنة الذباب

10/25 09:29

ذبابه تقف اعلي القدم، تلتصق بالجلد، تدغدغه بالملامسه، ثم تاتي اخري لتزاحمها، وثالثه ورابعه.

للحظات تشعر وكانك اصبحت محور الكون بالنسبه لذباب الحجره والحجرات المجاوره. لها ما يشبه الاظافر متناهيه الصغر التي تسمح لها بان تمشي علي الحائط دون ان تسقط، فتطير الي اعلي وتستريح علي زجاج النافذه. تفرك ساقيها الاماميتين كي تنظفهما مما قد يكون قد علق بهما من اتربه او حبوب لقاح وخلافه، فعلي عكس ما نظن الذباب حشره لا تحب ان تتسخ فيضطرب ادراكها الحسي. وعندما تكره انت حياتك بسبب مطاردتها لك، هي والاخريات، فتقرر اغتيالها، تراك وانت تصوب سهامك نحوها، حتي لو اتيتها مباغته من الخلف، لان عينيها المركبتين تسمحان باتساع مجال الرؤية ليشمل احيانا كل ما يحيط بها.

تجذبها رائحه العرق بما تحتوي عليه من أملاح معدنية، خاصه الصوديوم الموجود علي الجلد وفي البول والبراز والدموع. لذا اصبح مشهد الطفله الباكيه، منبوشه الشعر، والذباب متراص علي طرف عينها، من كلاسيكيات مشاهد مصر المحروسه التي صار الذباب القارص من اهم ملامح الحياه فيها. مصدر ضمن مصادر الازعاج اللامتناهيه. يبدا في الازيز واللف والدوران فوق الرءوس، حتي يعرف الفرد منا ان الله حق ويندم علي ما فعل، كاننا شخوص مسرحيه «الذباب» للكاتب الوجودي جان بول سارتر. اصابت مدينته المتخيله لعنه الذباب، فجاء بالالاف لمطارده اهل البلده كي يتوبوا عما فعلوا ويكفروا عن ذنبهم. سكان هذه المدينه، التي استلهمها الكاتب من الاساطير الاغريقيه ليجعل رمزيتها صالحه لكل مكان وزمان، سكتوا عن الحق فعاقبتهم الالهه.

ايقنوا ان زوجه الملك تامرت عليه هي وعشيقها، لكنهم لم يهبوا لانقاذه فمات امام اعينهم، وظل دمه معلقا في رقابهم جميعا. تنازلوا عن حريتهم واستسلموا لسلطان الملك الجديد طواعيه فافترستهم الحسره يوما بعد يوم، وهم لا يدركون انهم يعيشون في اسفل سافلين.

خلال عيد الاموات تحاصرهم الارواح من كل جانب، لكي تقتص منهم، اذ ارتضوا الظلم والخنوع. كل من في هذه المدينه يشعر بالذنب، يجلد ذاته، دون ان يتحرك لتحمل مسئولياته او ليتصالح مع الواقع ويحاول تغييره، يهربون الي الندم ويفضلون التعايش مع الذباب عن الاعتراف بالخطيئه والتحرر منها. سلطت عليهم الالهه الذباب، ولم ترد ان تغيرهم قبل ان يغيروا هم من انفسهم.

الذباب يتكاثر بسرعه، فالانثي الواحده تبيض نحو الف بيضه خلال 12 يوما، تلك فقط هي الفتره اللازمه ليظهر جيل جديد من الذباب يعكر صفو حياتنا، ويكفر سيئاتنا، خاصه عندما «تطلع ريحتنا». يطوف الذباب الأزرق خاصه علي المقابر، حيث يقوم بوضع بيضه علي الجثث، فتفقس يرقات تقوم بالتغذيه علي الجيفه. يعيش هذا النوع من الذباب تحديدا علي الفضلات واللحوم والجثث المتعفنه والنافقه. يكشف اماكن الجثث وبالتالي جرائم القتل بسرعه كبيره، بواسطه قرون الاستشعار التي تشبه اللاسلكي.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل