المحتوى الرئيسى

كيف تحولت ألمانيا من بلد مصدر للموت إلى مشتل للحياة؟! - ساسة بوست

10/24 16:12

منذ 25 دقيقه، 24 اكتوبر,2015

تسببت سياسات هتلر النازيه التوسعيه في اندلاع الحرب العالميه الثانيه، الحرب التي خلفت ما يقارب 60 مليون قتيل، ودمرت معظم دول اوروبا بشكل شبه كامل، لقد كانت احدي اسوا الحروب في تاريخ البشر بلا منازع.

في مايو 1945 خسرت المانيا الحرب ضد الحلفاء، وفقدت خلالها سبع ملايين من القتلي ما بين عسكريين ومدنيين واسر 11 مليون من جنودها، فتم تقسيمها بين الغرب والاتحاد السوفياتي الي شطرين بعد احتلالها، لتصير دوله محطمه تمامًا بدون مصانع ولا شباب ولا حكومه، غارقه في براثن الجوع والياس والدمار ومكروهه من الكل.

كان ذلك هو وضع دوله هتلر في تلك الفتره، اما الان فالمانيا هي خامس اقتصاد في العالم، تعج بالحياه والابداع والامن، استقبلت علي مدار السنين الاخيره مئات الالاف من المهاجرين واللاجئين وجوعي العالم من كل انحاء القارات، لقد صارت من بلد يصدر الموت والرعب الي دوله ديموقراطيه مسالمه للغايه، ابهرت العالم بقيمها ومبادئها الانسانيه.

بالطبع الكل يعرف كيف كانت المانيا وكيف صارت، وليس من اجل ذلك نكتب ما نكتبه الان، لكن ما يهمنا في هذا الشان، هو كيف انتقلت المانيا من الوضع الذي كانت فيه بعد الحرب العالميه الثانيه الي ألمانيا الجديدة التي نعرفها اليوم؟

قبل ان نجيب عن السؤال، تجدر بنا الاشاره الي ان المانيا ليست وحدها المدمره في تلك الفتره بسبب الحرب، فقد كانت اليابان وكوريا الجنوبيه وفرنسا وبريطانيا وسائر بلدان اوروبا، كانت كذلك، وجميعها في الحقيقه مدينه في جزء من نهضتها للدوله الغنيه الوحيده حينها والاقل تضررًا من الحرب، الولايات المتحده الامريكيه، وسيتبين ذلك مع مثال المانيا.

صحيفه الديلي تنشر نهايه الحرب مع المانيا في 7 مايو 1945

ليس من السهل رصد العوامل التي ادت ببلد ما الي نهضته، اذ غالبًا ما تاتي هذه النقله بسبب مجموعه من الظروف المحيطه والشروط السياسيه والاقتصاديه والاجتماعيه المتداخله، وتتخللها الكثير من الانحدارات والمنعطفات، لكن سنحاول وضع الخطوط العريضه التي نشا بينها تقدم المانيا.

عقب المحادثات في مصير المانيا بعد هزيمتها، طرح مشروع “مورجنتاو” لجعلها دوله زراعيه بحته، في محاوله لاتقاء خطرها، لكن الرئيس الامريكي روزفلت رفض المشروع، بسبب امكانيه تغول المانيا من جديد بسبب كساد اقتصادها، كما حدث بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى.

كانت امريكا تري ان المانيا وسائر بلدان اوروبا التي كانت تسقط الواحده تلو الاخري تحت نفوذ الشيوعيه السوفييتيه خطرًا يهددها، فما كان لها من خيار سوي مساعده اوروبا المدمره لتنميتها، ومن ثم اقر وزير الخارجيه الامريكي “جورج مارشال” مشروعًا يعرف باسمه “مارشال” سنه 1947 لدعم اوروبا.

مخلفات الحرب العالميه الثانيه بالمانيا

قدمت امريكا بموجب القرار مساعده ماليه قدرها 12,4 مليار دولار، وهو ما يعادل حاليًا 130 مليار دولار، نال المانيا الغربيه التابعه للحلفاء منها اكثر من مليار دولار، مما ساعدها علي تعويض النقص في الاحتياطي الاجنبي واستيراد المواد الغذائيه وحاجتها من السلع الاساسيه ومواد البناء لبناء المصانع.

نجح ابو المعجزه الاقتصاديه للالمان لودفيج ايرهارد وزير الاقتصاد في حكومه المستشار كونارد اديناور في فرض سياسه اقتصاد السوق الاجتماعي، بحيث حافظ علي عناصر الاسواق الحره والياتها وفي نفس الوقت سيدت الدوله نفسها كراعيه لهذه الاسواق منعًا للاحتكار، مما شجع علي نمو الشركات ومشاركه الجميع في الثروه.

ازدادت وتيره النمو الاقتصادي بالمانيا الغربيه بعد ان فتحت امريكا اسواقها للسلع الاوروبيه، وبدات بتصدير السيارات والصلب لجيش المستهلكين الاغنياء الامريكيين.

اما بالنسبه لالمانيا الشرقية التي كانت خاضعه لسيطره النظام الشيوعي فلم يتحسن وضعها، وسرعان ما بدا بعض سكانها يخاطرون بالعبور الي المانيا الغربيه للعمل في المصانع الناشئه هناك.

ساهم ايضًا تاسيس المنظمة العالمية للتجارة والتعاون وصندوق النقد الدولي في تسريع نمو اوروبا عامه، واستفادت المانيا الغربيه من القروض الماليه من قبل تلك المؤسسات.

استطاع هتلر اقناع الملايين من الالمان بتفوقهم العرقي علي ما سواهم من شعوب العالم، ما قادهم الي احتلال بلدان اوروبا والتسبب في ابادات جماعيه لعرقيات اخري دون ان يواجه اي مقاومه داخليه المانيه تعارض توجهه.

امام هذا الوضع بالاضافه الي خطر انتشار القيم الشيوعيه، كان لزامًا علي دول الحلفاء بقياده امريكا اعاده صياغه الثقافه الالمانيه من خلال غرس قيم النظام الراسمالي الليبرالي في المجتمع الالماني عبر تعديل القوانين، لمنع صعود الافكار النازيه من جهه ولمواجهه التمدد الشيوعي انذاك من جهه اخري. وهو ما اتاح ببروز نظام ديموقراطي، توسعت فيه الحريات ونال العمال اجورًا افضل واسسوا نقابات، وازداد فيه دور العلم في بناء الدوله.

ولم تكن تلك القيم الفكريه غريبه عن المجتمع الالماني باي حال، فقد كان لدي المانيا ارث فكري ثري للغايه حتي قبل الحرب العالميه الثانيه، اذ ساهمت بقوه في اشعاع عصر الانوار الذي بدا في فرنسا، ونكتفي بذكر مساهمات امانويل كانط صاحب مفهوم المثاليه البراغماتيه وفريديريك نيتشه الذي اسس الحركه المنظوريه وغوتفريد لايبنتز من طور المدرسه العقلانيه.

نساء المانيات يشاركن في ازاله مخلفات الحرب العالميه الثانيه

اظهر الالمان ايضًا اصرارًا شديدًا لاعاده بعث بلادهم المحطمه، فعملت النساء الالمانيات في المصانع، وعاد المهندسون والاطباء والاكاديميون الهاربون من النظام النازي الي وطنهم، وبدت قيم الالتزام الصارم وحب العمل واحترام النظام جليه في حياه الشعب الالماني الصعبه انذاك، ولا تزال هذه القيم راسخه حتي الان.

يعد شرط “المجتمع المتنور” واحدًا من شروط نهضه دولة معينه، اذ ان المجتمع الذي لديه قابليه للتطور وتغيير الوضع ولا تعرقله مثبطات ثقافيه او دينيه، يكون من السهل عليه المضي في طريق التقدم، ولعل هذا الشرط هو ما ينقص كثيرًا من البلدان لتحقيق نهضتها الان.

وبشكل عام فالمجتمعات التي يكون لديها تجربه قبليه من الازدهار تكون نهضتها اسهل واسرع، وهو ما حصل مع بلدان اوروبا المحطمه بسبب الحرب بما فيها المانيا الغربيه، فلم تمر بضع سنوات حتي عادت اقتصاداتها اكثر قوه.

في نهايه الثمانينات، كان الوضع بين المانيا الشرقيه الخاضعه للاتحاد السوفياتي والمانيا الغربيه التابعه لدول الحلفاء اشبه بالفرق بين كوريا الجنوبيه وكوريا الشماليه حاليًا.

ومع إنهيار الاتحاد السوفياتي نزح الالاف من المانيا الشرقيه نحو شقيقتها الغربيه، واندلعت مظاهرات حاشده اسقط المحتجون خلالها جدار برلين الفاصل بينهما منادين بالوحده، استغل الفرصه حينها المستشار هيلموت كول وعقد مفاوضات طويله مع روسيا وفرنسا وامريكا وبريطانيا من اجل اقناعهم بتوحيد المانيا الشرقيه والغربيه.

وبالفعل حصلت جمهورية المانيا الاتحادية علي سيادتها في 3 اكتوبر 1990، وعلي الفور وضع برنامج ضخم بموجبه تشارك المانيا الغربيه ازدهارها الذي بنته بعد جهود مضنيه مع المانيا الشرقيه، بموجبه يتم تحويل 80 مليار دولار سنويا من المانيا الغربيه نحو نظيرتها الشرقيه لتنميتها، وذلك مستمر حتي سنه 2019 وفق البرنامج المحدد منذ ذلك الحين. ورغم ان الهوه بينهما لا تزال مستمره شيئًا ما حتي الان، فقد اصبحت القطعه الشرقيه من المانيا تتفوق علي دول مثل السعوديه ونيجيريا والمجر واوكرانيا مجتمعه من حيث الانتاج المحلي.

مثلت تجربه اندماج الشطر الشرقي والغربي مرحله تاريخيه هامه لالمانيا من اجل وحده اراضيها، كما جعلت المجتمع الالماني اكثر انفتاحًا وحيويه وتنوعًا، تعلم منها كيفيه التعامل مع المتناقضات والاسئله الصريحه والصراعات الاجتماعيه، وكيفيه تقبل كل ذلك وعدم اخفائه، لذلك لم يكن غريبًا علي المانيا استقبالها بجراه ملايين المهاجرين واللاجئين في ظرف سنوات معدوده، انها بمثابه مختبر اوروبا للتجارب والتحديات الجديده.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل