مترجم: ما الذي يجب أن يتعلمه العالم من المملكة العربية السعودية؟ - ساسة بوست

منذ 1 دقيقه، 24 اكتوبر,2015

تُعتبر المملكة العربية السعودية واحده من اكثر الاماكن جفافا علي الارض، وتبلغ متوسط درجات الحراراه فيها علي مدار العام حوالي 43 درجه، وفي هذه البيئه الصعبه وخلال نصف القرن الاخير تم تاسيس اكثر من مزرعه لانتاج الالبان، وتعتبر بعض هذه المزارع من الاضخم عالميًّا، وتعتمد هذه المزارع علي اعداد كبيره من الابقار، والتي بدورها تحتاج لمساحات شاسعه من الاراضي لزراعتها بالمحاصيل اللازمه لاطعام هذه الاعداد الكبيره من قطعان الابقار، ويحتاج هذا الامر لامدادات منتظمه من المياه لري هذه المحاصيل، وبما ان المملكه لا يوجد بها اي انهار او بحيرات فقد اعتمدت علي مخزونها من المياه الجوفية، والذي كان يعد واحدًا من اكبر واقدم احتياطيات المياه الجوفيه علي الارض، وقد تكون ببطء علي مدار عشرات الالاف من السنين.

اماكن عديده حول العالم لا تمتلك مصادر متجدده من المياه مثل البحيرات والانهار، ولا تكفي الامطار وحدها لري المساحات المزروعه من اراضيها، ولهذا تلجا لاستخراج المياه من باطن الارض وطبقاتها. المشكله ان هذا المخزون الجوفي من المياه يحتاج لفترات طويله جدًا ليتجدد، واذا كان المزارعون يستخرجون المياه بوتيره اسرع من الوقت الذي يلزم هذا المخزون ليتجدد فان مصيره الي نفاد سريع.

سعيًا وراء حلم تحويل صحراء المملكه العربيه السعوديه لجنه خضراء وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطعام تم انفاق مئات بلايين الدولارات من عائدات النفط من اجل هذا الحلم علي مدار سنين معدودات، وبدايه من عام 1970 بدات المملكه في تشجيع المزارعين ودعمهم بشتي الطرق وامدادهم بكهرباء مجانيه لاداره المضخات اللازمه لاستخراج المياه المجانيه من باطن الارض من دون اي قيود او قواعد تنظم هذا الامر، وهو ماحول مساحات ممتده من الصحراء العربية القاحله الي واحات خضراء، حتي ان المملكه – هذه البلد الصحراويه القاحله – اصبحت من البلاد المصدره للقمح.

بدات المملكه اوائل الثمانينيات من القرن الماضي برنامجها لزراعه القمح، ودعمت المزراعين وشجعتهم بطرق شتي، واشترت محصولهم باسعار اعلي من اسعار السوق بخمس مرات، وهو ما اسهم بشكل كبير في سرعه وصول مخزون المملكه من المياه الجوفيه الي حدود حرجه في وقت قصير، فبالرغم من ان البرسيم الذي زرعته المملكه ايضًا بكثره يستهلك مياهًا اكثر باربع مرات من القمح، فان القمح اكثر منه اهدارًا للماء فهو لا يُحصَد من الارض الا بعد ان يجف تمامًا، ولم تكن المملكه في حاجه حقيقيه لكل ما تزرعه من القمح، فانتاج المملكه من القمح بلغ في ذروته حوالي خمسه ملايين طن في العام، كانت المملكه تستهلك حوالي خمس هذه الكميه محليًّا، والنسبه الاكبر كانت اما تفسد او يجري تصديرها من بلد موارده المائيه محدوده جدًّا.

منذ حوالي نصف قرن كان مخزون المملكه من المياه الجوفيه حوالي 500 كيلومتر مكعب، وهو ما يكفي لملء بحيره اري احدي البحيرات الكبري غرب نيو يورك، وطبقا لدراسه تابعه لجامعه لندن تمت في 2004 فقد جري استنزاف حوالي 400 كيلومتر مكعب من المخزون وهو ما يعني ان اربعه اخماس هذا المخزون الضخم جري استنزافه في سنوات محدوده في بقعه صحراويه شديده الجفاف، من المفروض ان تستخدم فيها كل قطره مياه برشد وفي مكانها الصحيح.

انخفض الناتج الزراعي للمملكه بشكل سريع وحاد، حتي ان الاراضي المزروعه الان اقل من الاراضي التي كانت مزروعه عام 1990 بحوالي النصف. جري اتخاذ محاولات متاخره جدًّا لانقاذ ما يمكن انقاذه، ومنها خطط لمحاوله ترشيد استهلاك المياه، وفي خلال هذا اعلنت المملكه ان عام 2016 سيكون اخر موسم لزراعه القمح في المملكه نهائيًّا، وعلي جانب اخر ستحتاج المملكه لبناء عدد اكبر من محطات تحلية مياه البحر المكلفه جدًّا، والتي تستهلك الطاقه بكثافه من اجل مياه الشرب لان الاعتماد علي هذه التقنيه لري المحاصيل الزراعيه ليس له جدوي اقتصاديه.

لم تكن مفاجاه الاستيقاظ سريعًا علي الواقع المؤلم، والذي لم يفلح هذا الحلم القصير في تخبئته عن الانظار طويلًا، فبحلول عام 2000 وصل المخزون الجوفي من المياه للمملكه لحدود خطره، وجفت الكثير من الابار مره واحده وفي عام 2003 اخبر الدكتور غازي القصيبي اول وزير سعودي للمياه مجله نيو يورك تايمز ان معظم ينابيع المياه التي كان يمر بها وهو طفل شرقي المملكه قد جفت تمامًا. تجري تغذيه الينابيع من المخزون الجوفي للمياه، والذي جري استنزافه بسرعه في بضع عقود قليله مضت، حتي ان بعض الواحات التي يرجع تاريخها لبضع الاف من السنين لم تعد تجد المياه التي تبقي قلبها ينبض بالحياه، فمدينه تاريخيه مثل مدينه تيماء في منطقه تبوك والتي قد تم بناؤها علي انقاض واحه قديمه جري ذكرها في كُتب العهد القديم اكثر من مره، وجد الباحثون في 2011 ان معظم ابارها قد جفت تمامًا.

تعتبر المملكه العربيه السعوديه نموذجًا متكاملًا يوضح ما يمكن ان يؤدي اليه سوء اداره الموارد المائيه وخاصه اذا كانت محدوده، ولكنها بالطبع ليست وحدها، فدول كثيره تسير بسرعه علي نفس المسار، فمبكرًا في هذا العام استخدم الباحثون من جامعه كاليفورنيا صورًا للاقمار الاصطناعيه من وكاله ناسا لرسم خريطه توضح معدلات استنزاف المخزون الجوفي للمياه حول العالم، وقد وجدوا ان هناك عددًا من الاماكن حول العالم نفد مخزونها في الفتره ما بين عام 2003 وعام 2013 بمعدل اسرع من قدرتها علي التجدد، ووجد الباحثون ان هناك قائمه من ثمانيه اماكن من اجمالي 37 مكان هم الاكبر مخزونًا من المياه الجوفيه عالميًّا قد جري استنزاف مخزونهم بسرعه، وياتي في مقدمه هذه القائمه المخزون العربي من المياه الجوفيه وخاصه في المملكه العربيه السعوديه واليمن، وفي القائمه اماكن اخري وصل المخزون فيها لعلامه الخطر ولمستويات مقلقه جدًّا.

لبضعه مواسم متتاليه عانت كاليفورنيا في الولايات المتحده الامريكيه من قله الامطار التي تغذي مواردها المتجدده من الانهار والبحيرات، مما اضطر المزارعون للجوء لمخزون المياه الجوفيه وضخه من باطن الارض بكميات كبيره، وقد ساعد مخزون المياه الجوفيه المزارعين علي تجاوز ازمه قله الامطار، بل وساعدهم علي تعظيم عائداتهم وبارقام قياسيه لعامين متتاليين في 2013 و2014 ، ولكن بتكلفه عاليه جدًا وخاصه عندما تتعلق التكلفه بمخزون المياه الجوفيه الذي يجري استنزافه بشكل سريع جدًّا، وهو ما ادي لهبوط في طبقات الارض، مما يجعل عمليه تعويض هذا المخزون بشكل كامل وحتي مع عوده الامطار لطبيعتها عمليه صعبه.

جري هذا في ظل غياب التشريعات والقواعد الكافيه لتنظيم عمليه استخراج المياه الجوفيه، علي الرغم من انه في عام 2014 جري تمرير قانون لحمايه مخزون الولايه من المياه الجوفيه لاعطائه الفرصه الكافيه ليتجدد ويُعوّض ما يجري سحبه منه، ولكن من المتوقع ان يستغرق القانون بضع سنوات ليدخل حيز التاثير، وعلي الرغم من ان النسبه الاكبر من استهلاك المياه في كاليفورنيا لصالح الزراعه ونسبه قليله جدًا تذهب لمياه الشرب، فقد فرضت الولايه غرامه قدرها 500 دولار علي المطاعم التي تقدم المياه للزبائن مع طلباتهم من الطعام دون ان يطلبوها بانفسهم.

لا يختلف الوضع في الصين كثيرًا حيث اعتمدت علي مخزون المياه الجوفيه في المنطقه الشماليه الغربيه من الصين لامداد عُشر سكانها بالغذاء والمياه، وهو ما اوصل هذا المخزون لوضع حرج وخاصه مع استنزاف هذا المخزون بشكل مكثف في فتره قصيره جدًّا.

لن يكون امام الدول التي تعاني من عجز مائي الا استيراد احتياجاتها العذائيه من الخارج، او عبور حدودها الي الاماكن التي لديها وفره مائيه لزراعه ما تحتاجه هناك بنفسها واعاده تصديره اليها وفي العام الماضي وصلت الواردات الزراعيه لكل من المملكه العربيه السعوديه والصين من الولايات المتحده لرقم قياسي.

حتي بعد نفاد النسبه الاكبر من مخزون المملكه من المياه الجوفيه لم تستغنِ المملكه نهائيًّا عن حلمها بزراعه طعامها، فقد شجعت المملكه المستثمرين علي الاستثمار زراعيًّا خارج المملكه ودعمتهم ماليًّا ودبلوماسيًّا، وذلك في اماكن شتي في افريقيا، من اثيوبيا الي غينيا الجديده الي ضفاف نهر السنغال غرب افريقيا، وحتي في الولايات المتحده الامريكيه فقد لجات شركه المراعي احد اكبر منتجي الالبان في المملكه لشراء 15 ميلًا مربعًا من الاراضي الزراعيه في صحراء اريزونا لزراعتها بالبرسيم لاجل تصديرها للمملكه من اجل تغذيه قطعان الابقار التي تعتمد عليها في عمليات الانتاج، وياتي هذا الماء الذي يحتاجه البرسيم من نهر كولورادو، والذي هبط منسوب المياه فيه خلال السنوات القليله الماضيه، مما يمثل تهديدًا لامدادات مياه الشرب لكل من لوس انجلوس و لاس فيجاس وسان ديجو.

الصين هي الاخري استحوذت في 2013 علي اكبر مُنتج في امريكا للحوم الخنازير لتامين بعض احتياجاتها من اللحوم، ومن خلال استيراد المنتجات الزراعيه او الحيوانيه فان هذه الدول تستورد المياه بشكل غير مباشر من خلال المحاصيل التي تستوردها، او من خلال استهلاك الحيوانات المستورده من الغذاء والمياه، وقد واجهت تجارب الزراعه لدي الغير الكثير من التحديات، بدءًا من التحديات البيئيه الي اعتراضات السكان المحليين وجهات محليه علي تبديد الموارد المائيه لهذه الدول.