المحتوى الرئيسى

خُطوتُنا التالية.. مقعد دائم فى مجلس الأمن

10/23 22:18

طوّق المجتمع الدولي عنق مصر باكليل من الغار، وفي اعتراف جماعي دولي غير مسبوق بشرعيه ثوره 30 يونيو صوّتت الجمعيه العامه للأمم المتحده، باغلبيه ساحقه تشبه الاجماع، لصالح حصول مصر علي مقعد مناوب في مجلس الأمن. وبالطبع ليست المره الاولي التي تنتزع فيها مصر مقعدها عن استحقاق ضمن الدول العشر التي تشكل اغلبيه ثلثي مجلس الامن، لكنها المره الخامسه التي لا تشبه كل المرات. هذه المره تاتي بعد محاولات فاشله لضرب حصار دولي علي مصر بقصد عزلها، والتشكيك في شرعيه الثوره الشعبيه التي خلعت حكم جماعة الإخوان الفاشيه، وعبّدت الطريق امام تحول ديمقراطي واسع. قد لا يكون هذا الاعتراف الدولي بشرعيه ما جري في مصر هو المغزي المهم من عوده مصر الي مقعدها المناوب. لكن المغزي الاهم هو الدور الذي ينتظره الاخرون من مصر في الدوره الجديده لاصلاح النظام الدولي، ليصبح اكثر عدلاً وديمقراطيه، وهو دور تتطلع اليه كتله عريضه من بلدان الجنوب الذين يبحثون عن علاقات دوليه عادله ومتكافئه مع اقرانهم من دول الشمال، لا يوفرها النظام الراهن للعلاقات الدوليه الذي قام علي مبدا احتكار سلطه القرار الدولي، كما تعبّر عنه الصلاحيات الواسعه -بما في ذلك حق الاعتراض- الممنوحه لعدد محدد من الدول دائمه العضويه في مجلس الامن. وقد تراكمت اخطاء تاريخيه لتباعد بين النظام الدولي وما ينبغي ان يوفره من «تعدديه» ديمقراطيه ودوليه تضمن حقوقاً متكافئه للدول المختلفه التي يتكون منها هذا النظام، اياً كان حجم الدوله وطبيعه نظامها الاجتماعي وخياراتها السياسيه والاقتصاديه.

لقد انتهت الحرب البارده في نهايه القرن الماضي بانتصار امريكي صامت علي الاتحاد السوفيتي السابق. وعاده بعد الحروب الكبري تنعقد مؤتمرات يُتفق فيها علي تنظيم العلاقات الدولية. فبعد حروب نابليون في اوروبا انعقد مؤتمر «فيينا» في عام 1815. وبعد نهايه الحرب العالميه الاولي انعقد مؤتمر «فرساي» بفرنسا الذي ادي الي قيام عصبه الامم. وبعد الحرب العالميه الثانيه انعقد مؤتمر «سان فرانسيسكو» بامريكا الذي ادي الي قيام الأمم المتحدة. اما بعد انتهاء الحرب البارده فلم تنعقد اي مؤتمرات لوضع اسس للعلاقات الدوليه بعد الحرب البارده، لا لسبب الا لان الولايات المتحده، وهي المنتصر الوحيد في هذه الحرب البارده، قد رات انها تستطيع بمفردها اداره العلاقات الدوليه، ومن ثم فلسنا بحاجه لمؤتمر دولي يضع اسساً للعلاقات الدوليه فيما بعد الحرب البارده. وحول هذا الدور الامريكي الجديد يقول الدكتور بطرس غالي، الامين العام الاسبق للامم المتحده: «حدث خلاف كبير بين الدول التي تؤمن بحد ادني من الديمقراطيه في العلاقات الدوليه من ناحيه وبين انصار الهيمنه وسيطره القطب الاوحد وايجاد ما يسمي (امبرياليه جديده) من ناحيه اخري». ويعترف الدكتور غالي بان الحرب البارده شقت التحالف الدولي الذي ادي الي انتصار الحلفاء، وادي هذا الانشقاق الي تجمد الامم المتحده، فلم تستطع ان تحقق اي هدف من اهدافها، باستثناء دورها الهام في تصفيه الاستعمار.

وباستثناء تصفيه الاستعمار لم تقم الامم المتحده بتحقيق الهدف المنشود وهو تحقيق التعدديه. وقد كان ثمه يقين اخذ -لحسن الحظ- في التراجع، وهو ان الالفيه الثالثه او علي الاقل القرن الحالي سيشهد استمراراً للهيمنه الامريكيه علي النظام الدولي. وهي هيمنه قوبلت بالرفض، ليس فقط من المجتمع الدولي، وانما ايضاً من تيار امريكي داخلي، بما في ذلك قيادات فكريه امريكيه مثل بريجنسكي مستشار الرئيس الامريكي الاسبق كارتر للامن القومي، وصموئيل هنتنجتون صاحب «نهايه التاريخ». ويري هذا التيار ان من مصلحه امريكا ان تتعاون مع الدول الاخري وان تُسلّم بالتعدديه، وان تقبل حداً ادني من الديمقراطيه في اتخاذ قرارات السياسه الدوليه، والا ستكون «دوله يتيمه» ليس لها اصدقاء في المجتمع الدولي! وثمه تناقض بين الحرب التي تقودها امريكا ضد نظم تتهمها بالاستبداد وبانها غير ديمقراطيه، وسكوتها علي نظام عالمي غير ديمقراطي لا تتوافر فيه التعدديه السياسيه تحتكر فيه وحدها، واحياناً مع بعض حلفائها، سلطه اتخاذ القرار الدولي. ان معالجه هذا التناقض لا تكون بالخروج علي الامم المتحده، وانما عن طريق تدعيمها، او بانشاء منظمات دولية جديده يُناط بها الاشراف علي الابعاد المختلفه للنشاط الدولي. وتدعيم الامم المتحده لا يكون الا بادخال الديمقراطيه الي منظماتها، وفرض قيود صارمه علي استعمال حق الفيتو بدلاً من ان يظل حقاً مطلقاً «للكبار فقط»، وتوسيع العضويه الدائمه لمجلس الامن توسعهً تضمن تمثيلاً عادلاً للمناطق والاقاليم، واعاده النظر في الجمعيه العامه للامم المتحده، والسماح للاهالي والجمعيات غير الحكوميه وممثلي البرلمانات والاحزاب والخبراء بالاشتراك في اداره العلاقات الدوليه. بمعني اخر، لا بد ان يتوفر حد ادني للديمقراطيه في الجمعيه العامه للامم المتحده، وان تُضمن الديمقراطيه لاي منظمه اخري تتولي في المستقبل تنظيم العلاقات الدوليه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل