المحتوى الرئيسى

المخرج قاسم يبحث عن سحر "بغداد خارج بغداد"

10/23 19:10

وغلغامش ايضا هو الذي يربط بين مفاصل الفيلم وفصوله وشخصياته المختلفه، والفيلم نفسه مصمم في بناء شعري يدور حول ثنائيه الحياه والموت، ولا يخضع لقصه واحده ذات عقده، ولا لحبكه تتصارع فيها الشخصيات، بل هو مجموعه من القصص التي تتداخل وتتقاطع دون ان تفقد وحده الموضوع.

انه عرض رصين محمل بالافكار والمشاعر لمسار شخصيات بارزه في التاريخ الثقافي العراقي  في ما بعد الحرب العالمية الأولى، هذا العرض يشمل المأساة والملهاة، والرقص والغناء، والموسيقي والشعر، وفكرته الاساسيه الموت، موت الانسان وموت التاريخ!

وعن تجربته في صنع هذا الفيلم البديع كان للجزيره نت هذا الحوار مع المخرج قاسم حول.

 ما مغزي اختيارك لعنوان الفيلم "بغداد خارج بغداد"؟

عندما عدت الي بغداد بعد اكثر من اربعين عاما من الهجره القسريه وجدتها والمدن العراقيه خاويه.. خاليه من كل ملامح الحيوات الاجتماعيه، ليست فقط ملامح الحياه قد غابت تماما بل ان ملامح الناس قد اختفت، اصبح الناس انماطا مختلفه يساورهم الخوف من شيء ما، من مجهول ما، شعرت بان بغداد -وهي رمز العراق وعاصمه المدن- شعرت بانها قد سافرت، خرجت من مكانها بناسها، بنخيلها، بشوارعها، بمضايفها، باهوارها، بدجله والفرات، وهاجرت خارج الوطن وبدت مقفره خاليه من الحياه.

 لماذا العوده الي الماضي، الي اوائل القرن العشرين ثم فتره الانتداب البريطاني علي العراق؟ هل هناك نوع من النوستالجيا (الحنين الي الوطن) يعكسه فيلمك الي تلك الفتره من الماضي؟

نعم هي النوستالجيا بحد ذاتها والمتمثله ليس فقط بالحنين الي الماضي بل والخوف من عدم القدره علي استعاده الماضي والعوده اليه، وهو ما يصب في فكره رحيل مدينه ومدن بل واختفائها بكل مكوناتها الانسانيه والحضاريه والاجتماعيه.

وخلال تصوير المشاهد التي كنت في غمارها واعيش فيها لم اجد من تلك العوالم الجميله شيئا وكنت خلال تنفيذ المشاهد بعد ان ارسم سماتها ينظر الي الممثلون والفنيون وانا ابكي، لقد نفذت المشاهد بحنان حقيقي، جلبت الماضي الجميل للحاضر الخالي من الملامح، نعم الفيلم هو النوستالجيا بذاتها وانا متاكد من فقدانها ابديا، فصنعت الحيوات في مشاهد للفيلم فحسب، فحنيني للماضي مجرد حلم ومجرد فيلم.

 غلغامش حاضر في الفيلم كشخصيه معاصره تنتقل بحثا عن لغز الوجود، فماذا قصدت من وراء استخدامك المتكرر لغلغامش، وهل يعكس شيئا في الشخصيه العراقيه الحائره المعذبه نفسها؟

شخصيه غلغامش واسطوره غلغامش نفسها تحمل مضامين الوجود، الحياه والموت، تمثل الخوف من النهايه الحتميه، غلغامش شخص جبار ومخيف فهو "لم يترك عذراء لحبيبها"، كان يفض بكاره الانثي قبل اقترانها بزوجها وكان يعارك وحش الغاب ويبحث عن الابطال ليختبر قوتهم ويصادقهم ومنهم انكيدو صديق عمره الذي حارب معه وحش الغاب.

لكن غلغامش وبعد موت انكيدو -وهو الجبار والمتغطرس- انتابه الخوف وتحجم جبروته ليتوسل النصيحه من صاحبه الحان وراح يبحث عن الخلود، وانا حتي لا ابقي دراميا في الاسطوره استدعيت غلغامش ليصبح "بلاما"، وهو تعبير عراقي عن الشخص الذي يقوم بنقل الناس بين ضفتي دجله بالبلم او الزورق الذي كان علي هيئه قفه وهي المستعمله منذ العهد السومري.

استدعيته للحاضر مع سيدوري صاحبه الحان، وهو تعبير عن روح شخصيه غلغامش التي لا تزال تكمن في طبيعه الشخصيه العراقيه والذي يشكل الموت هاجسا قدريا للشخصيه العراقيه، ليس الموت كنهايه طبيعيه للحياه، ولكن الموت المتمثل بذبول الحياه وموتها وانهيارها امام عيون الناس في حياتهم، فالانسان يعيش وهاجس الموت يعيش معه، وهنا يكمن الجانب الفلسفي في تحليل الشخصيه العراقيه.

 الفكره الاساسيه في فيلمك تدور حول الموت، فهل هناك علاقه بين تقدم الفنان في العمر وتفكيره في الموت؟

نعم هذا صحيح، ولا استطيع الهروب من الجواب الصحيح، الخوف من الموت يواجهني وانا اتخطي الـ75، لذلك تجد في مشهد الحوار بالنهر بين غلغامش وسيدوري وحوارهما حول الموت وحكمه صاحبه الحان "المعاصره" سيدوري كامراه شعبيه من مدينه اور عاصمه سومر، كتبت اسمي علي لسانها قائله "رحل جاسم العبودي وجاء قاسم حول"، هو الجواب الصحيح علي سؤالك.

صحيح هو شيء من الغرور والاعجاب الذاتي في النفس ولكن كانت رغبتي منطلقه من الاعجاب الذاتي لتثبيت اسمي كشخصيه من عظماء التاريخ العراقي ومن شخوص الاسطوره السومريه غلغامش، وهو نوع من مواجهه الموت والخوف منه.

 انت توحي بان مسعوده المغنيه اغتيلت في بغداد بينما المعروف انها كانت قد عادت الي بلدتها في الريف وقيل انها تزوجت امراه باعتبارها رجلا ثم قتلت مسمومه علي يدي تلك المراه

حقيقه موت مسعوده التي تحولت الي "مسعود عمارتلي" لا توجد قصه دقيقه بصدد موتها، هناك حكايه تقول ان امراه اعجبت بجمالها وصوتها ثم اكتشفت بعد الاقتران بها انها امراه مثلها وليست رجلا فانتقمت منها ووضعت لها السم وماتت.

كان يمكن لهذه المراه ان تكشف شخصيه مسعود من اول علاقه حب دون ان تذهب بعيدا في العلاقه، ولكن الواقع الاجتماعي الذي يمنعها من الغناء كامراه وهي ذات صوت اخاذ جعلها تتخلي عن انوثتها شكلا.

واعود الي الاستنتاج الشخصي ان السم الذي دبر لها ليس من قبل عشيقه لها بل دبر من قبل ابناء عشائرها وربما عبر تلك المراه، لذلك عملت لقطه الي غرامافون واسطوانه تدور وحول الغرامافون مجموعه من الاشخاص المتشابهين بالزي الشعبي التقليدي وقد مسكوا يدا بيد دليلا علي تضامنهم بالتخلص من مسعوده بطريقه لا تلحق العار بابناء المنطقه والعشيره.

 حدثني عن شخصيه "جعفر لقلق زاده" التي اديتها في الفيلم؟

في تاريخ العراق الثقافي شخصيه حقيقيه موجوده وهي شخصيه "جعفر لقلق زاده" ولكن لا احد يعرف اسمه الحقيقي، فمنهم من قال ان اسمه كامل عبد المهدي، ومنهم من قال ان اسمه جعفر القزويني ومن قال سالم الاخباري.

بقي جعفر لقلق زاده علي قيد الحياه طوال الحقبه الملكيه وحاول ان يظهر علي المسارح بعد ثوره الـ14 من تموز التي اطاحت بالملكيه، كان يرغب بالتمثيل علي المسارح الجاده ولكنه كان يرتجل المشاهد، وهو شخص حكيم وفيلسوف وكان في مشاهده الساخره والتي تبدو تهريجيه يندد بوجود الاستعمار البريطاني، لذلك جعلته يحضر المناسبات الوطنيه والشعريه التي يؤديها معروف الرصافي ويقود الموقف منددا بالاستعمار البريطاني.

عندما ضربه احد الاشخاص السكاري متهما اياه بالتهريج قال له "لو كنت مهرجا انت ما تقدر تشوفني" يعني انا لو كنت مهرجا لاصبحت حاكما او رئيسا وتتعذر عليك مقابلتي. حتي في تلك اللحظه تدفقت حكمته الساخره ان الحكام هم المهرجون ولست انا المهرج.

 فيلمك يصور العرض السينمائي الاول في بغداد ودخول اول جهاز غرامافون، والفيلم ايضا يجمع بين الموسيقي والغناء والشعر والسينما، ما دلالات ذلك؟

نعم، فمن خلال دخول السينما ودخول الغرامافون العراق كشفت شخصيات الفيلم وسيكولوجيتهم وتاريخهم، اظن انها كانت لعبه دراميه محببه في مشاهد جميله ليست بعيده عن مسار الفيلم، فدخول السينما في العراق كشفت طبيعه شخصيات الزهاوي والرصافي وعبود الكرخي وابراهيم افندي وعلاقتهم بالناس والمسؤولين واندهاش غلغامش.

ومن خلال دخول الغرامافون كشفت شخصيه "جقمقجي" وعلاقته بمسعوده "مسعود عمارتلي" وشيخ العشيره والمضيف في الاهوار وقصه الحب بين مسعوده وابن الشيخ.. اظن انه استثمار درامي جميل غير بعيد عن طبيعه شخصيات ومسار الاحداث في الفيلم، هذا هو هدفي من ادراج هذه المشاهد في الفيلم ضمن مسار التطور والغربه والخوف من الموت عبر التاريخ والمعاصره.

 يتميز مستوي التمثيل في فيلمك مقارنه بمجمل الافلام العراقيه، فكيف كان اختيارك للممثلين وهل لجات الي اجراء "بروفات" قبل التصوير؟

لانني ممثل فانا اعتبر التمثيل مفرده هامه في لغه التعبير السينمائيه، وانا لا اميل الي الممثل الجاهز، ولو صادفني ممثل جاهز فاني اعمل علي تدريبه علي الاداء المختلف، فالممثل العربي بشكل خاص (الجاهز) هو ممثل نمطي يكرر نفسه بملابس مختلفه، بعكس الممثل في الغرب الذي لا يكرر نفسه نمطيا بين شخصيه واخري.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل