نواب عراقيون يأبون التخلّي عن "قَبَليتهم"

يابي بعض النواب العراقيين التخلي عن قبليتهم، ويحملون العادات والاعراف العشائريه التي تشرّبوها في بيئتهم الي اعلي سلطه تشريعيه في البلاد. وعادهً، فور تولّي السياسي العراقي منصب ما يُسارع الي شكر ابناء قبيلته والمقربين منه دينياً.

في مقهي مجلس النواب العراقي، كثيراً ما تدور خلف الكواليس احاديث بين اعضاء البرلمان، حتي النساء منهم، عن الانتماء القبلي والديني والمذهبي للنواب. ومن الملاحظ ان غالبيه النواب يحملون اسم العشيره بعد اسمائهم لا اسماء ابائهم، ودائماً يحاولون اثناء فتره الانتخابات التركيز علي القابهم العشائريه.

علماً ان الاعتماد في الانتخابات النيابيه علي القبيله يكون كبيراً. اعداد كبيره من شيوخ العشائر الذين لم ينخرطوا في العمل السياسي قبل وبعد عام 2003 ترشحوا فجاه للانتخابات، وكان الفوز حليفهم. فشيخ العشيره يمتلك اصواتاً داخل عشيرته تُمكّنه من الوصول الي البرلمان.

قبل اشهر، شهدت الاوساط الشعبيه والسياسيه العراقيه جدلاً حول خلاف وقع بين النائب حنان الفتلاوي والمتحدث باسم كتله المواطن بليغ ابو كلل. الخلاف نتج عن سجال بينهما علي خلفيه لقاءات تلفزيونيه غير مباشره. اذ تحدث ابو كلل عن مصطلح "الانبطاح" الذي تتداوله كثيراً النائب الفتلاوي، لكن، بطريقته الخاصه وبايماءات اوحت للاخرين بقصد غير المتعارف عليه.

وكانت الفتلاوي، التي جمعها قبل ذلك لقاء مباشر مع ابو كلل في استوديو قناه العراقيه شبه الرسميه، وصفت حديث خصمها بانه "كلام زعاطيط" (كلام اطفال). لكن الشاب الذي ينتمي الي كتله المواطن بزعامه عمار الحكيم كان ذكياً وهو يستفزها، الا ان الخلاف تطور واستوجب جلسه عشائريه.

ففي العراق، اذا ما ارادت عشيره اخذ حقها من عشيره اخري، او منحها وقتاً لزيارتها (التحويل) ومعرفه مطالبها، فانها تمنحها "عطّوه"، اي مُهله عليها استغلالها لتطييب الخواطر وتهدئه النفوس. هكذا طلبت عشيره ال فتله المعروفه في وسط وجنوب العراق، والتي تنتمي اليها النائب الفتلاوي من عشيره ابو كلل الاعتذار عن التصرف الذي قام به ابنها تجاه ابنه عشيره ال فتله.

وكان ان عقدت العشيرتان جلسه صُلح. وطلبت عشيره النائبه الفتلاوي تعويضاً قدره 400 مليون دينار عراقي، اي ما يعادل 350 الف دولار امريكي. وبعد تدخل اشخاص وشيوخ لا ينتمون الي العشيرتين المتخاصمتين، بحسب الاعراف، خُفّض التعويض الي مئه مليون دينار.

وقال الباحث الاجتماعي العراقي واثق صادق لرصيف22 ان "بروز التنظيم العشائري وعلو صوته في مقابل صوت الدستور والقانون ومؤسسات الدوله، هو احد اخطر نتائج الدوله الريعيه". واوضح ان هذا يحدث بسبب "خروج العراق من حقبه الدوله ذات الطابع المركزي الشمولي المهيمن علي الهويات المتعدده، الي حقبه النموذج الديمقراطي القائم علي المحاصصه، والذي افضي الي تفكك مفهوم الدوله المؤسساتيه. فباتت العشيره تتحكم عبر ارتباطها بالاحزاب والشخصيات السياسيه بالكثير من التفاصيل المؤسساتيه والدرجات الوظيفيه سعياً الي ما يسمي الحفاظ علي مبدا التوازن".

واكّد انه "عندما تكون فاعليه القانون غير ذات قيمه ونفع حقيقيين، يمكن القول ان الدوله قد استقالت من تاثيرها المطلوب في المجتمع، وابتعدت عن فاعليتها في بناء المؤسسات وتقويمها وتطويرها". وفي هذه الحاله، اضاف، "وبما ان السياسي يعرف ان سيطره الدوله ضعيفه، وهيبه القانون منحسره، والفساد متفشٍّ، لا يعود امامه الا اللجوء الي القبيله - العشيره، لحل خلاف او نزاع بينه وبين طرف اخر، وهذا ما يؤدي بالنتيجه الي المزيد من تغوّل العشيره وسعيها الي فرض قيمها، والي المزيد من غياب الدوله واضمحلال سيطرتها في المجال العام".

نائب اخري من محافظه البصره، جنوب العراق، قامت قبل اسابيع، برفقه نائب اخر، بزياره الي وزارة التربية العراقية. تعرّض النائبان فجاه داخل الوزاره الي "محاوله اختطاف" بحسب الروايه التي خرجت عن لسانيهما. ولم يعرف لا النائبان ولا الوزاره هويه المسلحين الذين قاموا بالمحاوله.

وعقب الحادثه، اصدرت النائب عواطف نعمه بياناً صحافياً قالت فيه ان عشيره الدريسات (التي تنتمي اليها النائب) اكدت علي لسان شيوخها عزمها مقاضاه وزير التربيه محمد اقبال، لاستخدامه مسلحين تابعين لمكتبه في محاوله خطف واغتيال النائب عواطف نعمه، وان "هؤلاء الذين نفذوا الاعتداء غير تابعين لوزاره الداخليه ولا لوزاره الدفاع ولا لحمايه المنشات، وهذا يعني ان الوزير مسؤول بشكل مباشر عن هذه الجريمه".

واضافت نعمه: "نحن العشائر قادرون علي حمايه ابنائنا من اعتداءات الجماعات المسلحه وعصابات الجريمه ونعلن اليوم اننا سنقاضي وزير التربيه عشائرياً". بتصرّفها هذا، انطلقت النائب العراقيه من قناعتها بضعف مؤسسه الدوله في حمايه المواطن، فلجات بنفسها الي العشيره التي الغت دور القانون وساهمت بجزء من الخراب الذي يعيشه العراق الان.