المحتوى الرئيسى

«معرض سكورسيزي» في باريس.. عالم سينمائي

10/22 10:14

يحتفلون به وبسينماه. الاميركي الايطالي الاصل مارتن سكورسيزي حاضرٌ في اوروبا بدءاً من برلين الالمانيه في العام 2013. معرضٌ وعروضٌ واستعادات ولقاءات واصدارات جديده لافلام عديده له بنسخ «دي. في. دي.» و «بلو راي». العنوان واضح ومتواضع وعادي: «معرض سكورسيزي». لكن المضمون مفتوحٌ علي عوالم كثيره ومتداخله وشفّافه وعميقه، تعكس كلّها جوانب متفرّقه من شخصيه تعشق السينما حتّي الهوس، وتقيم في تناقضات الالم والبحث عن خلاص عبر صناعه فيلميه تؤكّد ان للسينمائيّ هواجس لا تقف عند حدود الاخراج ومتطلباته، لانها تنبع من «سينيفيليه» تكاد تميّزه عن الاخرين، لشدّه انغماسه في المشاهده ومتابعه مجريات الصناعه ونتائجها في انحاء مختلفه من العالم.

بعد توران الايطاليه وغان البلجيكيه وجنيف السويسريه، تعيش ليون وباريس الفرنسيتين حاله انفعاليه عارمه في ظلّ انتقال الحدث الفني اليهما، علماً ان اللقاء بسكورسيزي، الشخص والفنان والحكايات، ينتهي في ليون (مؤسّسه لوميير) ويستمرّ في باريس (سينماتيك) لغايه 14 شباط 2016. مجلات وصحف بلجيكيه وفرنسيه مختلفه تتابع، بدقّه، حيويه المعرض والنشاطات المرافقه له. المجله الفرنسيه Les Inrocks 2 تُصدر عدداً خاصّاً بمخرج «سائق التاكسي» (1976) و «الثور الهائج» (1980) و «التجربه الاخيره للمسيح» (1988)، متضمّناً كَمّا هائلاً من المقالات المختصره والتعليقات العميقه والسجالات المفتوحه علي تفاصيل السيرتين الحياتيه والمهنيه، وعلي منابع فكره وتامّلاته، وعلي من يشتغل معه تمثيلاً وكتابه وتصويراً ومونتاجاً وانتاجاً وغيرها من التفاصيل التقنيه والفنيه. عددٌ مثيرٌ لمتعه القراءه، الايله بصاحبها الي اكتشافات قد تكون جديده، وقد تكون دعوه اضافيه الي استعاده عناوين سينمائيه منخرطه ـ خصوصاً في بداياتها ـ في احداث تحوّل جذري في مسار السينما الاميركيه، المعروف منذ سبعينيات القرن المنصرم بـ «هوليوود الجديده»، تلك الـ «هوليوود» الموسومه باشتغالاته، وباشتغالات اصدقاء وزملاء مهنه: فرنسيس فورد كوبولا (1939)، وبراين دي بالما (1940)، وجورج لوكاس (1944) وستيفن سبيلبيرغ (1946).

«انها المرّه الاولي التي اشاهد فيها المعرض هذا»، يقول مارتن سكورسيزي (مواليد نيويورك، 17 تشرين الثاني 1942) اثناء جوله صحافيه داخل الـ «سينماتيك» الباريسيه مطلع الاسبوع الجاري. يُضيف انه لم يتوقّع ان يكون المعرض بهذه الشموليه الكبيره، وان يعثر فيه علي بعض اغراضه الشخصيه، متسائلاً عن الامكنه «المخبّاه» فيها سابقاً: «الامر قويّ ومؤثّرٌ جداً. لم افكّر ابداً بانكم ستعرضون طاوله غرفه الطعام الخاصّه بوالدتي». والدته؟ انها كاترين كابّا سكورسيزي (1912 ـ 1997) التي تظهر في افلام عديده له الي جانب ممثلين محترفين، كـ «شوارع دنيئه» (1973) و «ملك الكوميديا» (1983) و «رِفْقه طيبه» (1990) و «كازينو» (1995) وغيرها، علماً انها وزوجها تشارلز (1913 ـ 1993) «بطلي» فيلم وثائقي بعنوان «ايطاليان امريكانا» (1974) يروي ابنهما مارتي فيه حكايتهما وحكايه الاصل الايطالي (صقليه)، والحياه في «ايطاليا الصغيره» (نيويورك) وغيرها. في «معرض سكورسيزي»، صُوَرٌ وملاحظات ومتابعات مختلفه، متعلّقه كلّها بتصوير الفيلم الوثائقي هذا.

يتالّف المعرض الباريسي من فصول مختلفه يُمكن لزائره ان يمرّ بها كلّها، او ان يختار الانسب له، بدءاً من مدخل الصاله الكبيره، حيث توجد شاشه عملاقه تبثّ روائعه، او مقتطفات منها علي الاقلّ. هناك امكنه خاصّه بالاطّلاع علي «سينيفيليه» المخرج، وعلي الرجل المنهمك بعمله. بالاضافه الي محطّه خاصّه بالشخصيات الـ «سكورسيزيه»، المنشغله برغباتها ووجودها، هناك حيّز لاكتشاف اساليب العمل، وتبيان اليه صناعه الاشكال، وبراعتها الجماليه. يتضمّن المعرض ايضاً صُوراً عائليه، وسيناريوهات فيلميه، وملاحظات موضوعه بقلم سكورسيزي حول اشتغالاته كافه، ورسوم اصليه متعلّقه بمسارات مشاريعه، ومصمّمات الـ «ستوري بورد»، و «اكسسوارات» كثيره ماخوذه من افلامه، كازياء امستردام فالون (ليوناردو دي كابريو) في «عصابات نيويورك» (2002)، والثوب الطويل لكاترين هيبورن (كايت بلانشيت) في «الطيّار» (2004) مثلاً.

في ليون، يلتقي سكورسيزي وافراد من عائلته واصدقاء وممثلون وزملاء مهنه، جمهوراً يبلغ عدده 3000 شخص يستمعون الي ذكريات وحكايات يرويها السينمائيّ عن حياته ومهنته (16 تشرين الاول 2015). تكريمٌ ينتهي بمنحه «جائزه لوميير». ينفتح علي عروض متعلّقه بافلامه، كما بافلام يختارها كـ «سينيفيليّ»، بالاضافه الي بعض انجازات «مشروع سينما العالم»، التابع لـ «مؤسّسه السينما»، التي ينشئها سكورسيزي في العام 1990 متعاوناً مع وودي الن (1935) وكلينت ايستوود (1930) وفرنسيس فورد كوبولا، والراحِلَين روبرت التمان (1925 ـ 2006) وستانلي كوبريك (1928 ـ 1999)، بهدف ترميم افلام قديمه، وحمايه «التراث السينمائي الدولي» من الانقراض او التلف، والعمل الدائم علي نشره في العالم. من الانجازات تلك، تمّ عرض «المومياء» (1969) للمصري شادي عبد السلام (1930 ـ 1986). يكتب توماس سوتينل في الصحيفه اليوميه الفرنسيه «لو موند» (18 ـ 19 تشرين الاول 2015) ان عدداً كبيراً من مشاهدي الفيلم هذا يقولون للمشرف علي العرض انهم لم يُشاهدوا فيلماً مصرياً من قبل، متوقّفاً عند اهميه عمل المؤسّسه تلك، التي لا حدود جغرافيه وتاريخيه لها، ومشيراً الي متعه المشاهدين هؤلاء في الاطّلاع علي بعض روائع السينما الدوليه. فابيان برادفِر تقول، في مقالتها المنشوره في الصحيفه اليوميه البلجيكيه «لو سوار» (21 تشرين الاول 2015) ان سكورسيزي ليس ملتزماً سينمائياً لجيل «هوليوود الجديده» فقط، بل انه مجتهدٌ ومثابرٌ وكريمٌ علي مستوي «العمل الذي لا يُصدَّق»، الذي يقوم به بهدف «حمايه التراث السينمائي الدولي ونشره»، بالاضافه الي «نَهَمٍ فضوليٍّ» لموسيقيي عصره: «هناك، داخل الرجل هذا، الوديّ والمفعم بالحماسه، تلك الرغبه الدائمه في التشارك مع الاخرين»، اي في ذاك الحسّ العميق بالمعني الاجمل لمنح الاخرين ما لديه. وما لديه كثيرٌ وممتع ورائع ومهمّ.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل