المحتوى الرئيسى

نقد الذات واجب الوقت

10/22 10:18

ما جري في المرحله الاولي من الانتخابات البرلمانيه المصريه ينبغي ان يؤخذ علي محمل الجد. صحيح ان مفاجاتها ومفارقاتها وفرت فرصه نادره استعرض فيها ظرفاء المصريين مواهبهم ببذخ غير مالوف، الا ان لها وجها اخر يدعونا لان ننتقل بسرعه من الهزل الي الجد. اذ ازعم ان من ابرز نتائج تلك الجوله ذلك التراجع المشهود في نسبه المشاركين في التصويت وهو ما يعني ان الاداره السياسيه حصلت علي تقرير «ضعيف» في الاختبار.

الامر الثاني الذي يستحق النظر ان العبث بالفتوي لحث الناس علي التصويت اخرج اغلبيه المصريين من المله ووجب تكفيرهم. لست مشغولا كثيرا بمن نجح ومن خسر ومن اعاد فحدود الجميع وادوارهم معروفه سلفا، فلا الذي نجح يستحق التهنئه ولا من خسر يستحق المواساه. لكن اكثر ما همني كان مفاجاه العزوف المدوي عن التصويت، الذي وجدته بمثابه مظاهره احتجاجيه صامته، لم ترتب ولم تكن بحاجه لاي تصريح، والمشاركون فيها افلتوا من الملاحقه والمحاكمه. وغايه ما يمكن ان يعاقبوا به هو توقيع غرامه ٥٠٠ جنيه علي الممتنع اذا لم يكن لديه عذر مقبول من مرض او سفر او خلافه. ذلك ان قانون التظاهر اذا كان قد حبس الجميع في البيوت وحذرهم من اي تعبير عن الاحتجاج السلمي، وبعدما وصل الانذار الي عنوان كل ناشط حين اطلقت الشرطه الرصاص وقتلت المحاميه شيماء الصباغ في قلب القاهره حين كانت تحمل باقه زهور في مسيره سلميه، ازاء كل ذلك فان المجتمع اختزن الاحتجاج وتحين فرصه الانتخابات لكي يعلن عن موقفه دون هتاف او لافتات او مسيره.

لا استطيع ان ادعي بان الاحتجاج كان الدافع الوحيد للاحجام عن التصويت، ولدي استعداد لان افهم ان هناك اسبابا اخري تتعلق بالتنظيم والارتباك الذي احدثه توزيع المقاعد بين القوائم والافراد المرشحين، الا ان احدا لا يستطيع ان يتجاهل الاحتجاج كسبب مهم للاحجام، خصوصا بين الشباب الذين اجهضت احلامهم، ومتوسطي الدخل الذين قصمت اعباء المعيشه ظهورهم، وما عاد لديهم ما يتعلقون به في المستقبل، ناهيك عن ثوار يناير الذين ذهبت جهودهم وتضحياتهم هباء.

لا اجادل في مساله ضعف الاحزاب لكنني ازعم انه ليس سببا وجيها، فقد اقبل المصريون علي استفتاءات وانتخابات سابقه كان الضعف فيها قائما، لان الامال كانت اكبر والافق تلوح فيه بعض عناصر الاشراق. ثم انك اذا لاحظت ان نصيب القوائم الحزبيه لايتجاوز ٢٠٪ من مقاعد البرلمان، فسيقنعك ذلك بان ضعف الاحزاب محدود التاثير علي نسبه الاقبال، لان ٨٪ من المقاعد مفتوحه للجميع ولا علاقه لها بالاحزاب.

اسخف ما قرات في تفسير احجام الاغلبيه عن التصويت ان الناس لجاوا الي ذلك محبه في الرئيس وتعبيرا عن رفض البرلمان الذي قيل انه سيعوق حركته ويحد من سلطاته. وفي قول اخر ان الاحجام سببه ثقه الناس في الرئيس ورغبتهم في الاكتفاء به دون الحاجه الي البرلمان. اما اسوا ما قرات فكان ذلك النزوع الي تقريع المجتمع والتنديد بتقاعسه الي جانب الادعاء بان الشباب استسلموا لحروب الجيل الرابع المناهضه للنظام في مصر. او اتهامهم بقله الوفاء وانعدم المروءه لان الرئيس حرص في اكثر من مناسبه علي ان تلتقط له صور وسط الشباب، في حين انهم لم يردوا له الجميل.

حتي اذا كانت تلك اراء اشخاص تحسب عليهم، الا انها اصوات ترددت عبر شاشات التليفزيون. وكانت تعبيرا رمزيا عن محاولات الهروب من مواجهه الحقيقه والافتقار الي شجاعه الاعتراف بان ثمه رساله احتجاج في عزوف الناس عن التصويت. وهذا الاحتجاج يجب ان تدرس اسبابه لكي تعالج في الوقت المناسب. ذلك ان نقد الذات هو الخطوه الاولي لتصويب الاخطاء وانجاح المسيره، في حين ان الاكتفاء بالقاء المسئوليه علي الاخر واتهامه يؤدي الي استمرار الاخطاء واستفحالها، الامر الذي يعد اكبر تهديد للمسيره.

مساله تكفير اغلب المصريين هي التطبيق العملي للفتوي الذي اصدرها عضو مجمع البحوث الاسلاميه الذي زعم ان المشاركه في التصويت فريضه دينيه تعادل الصلاه. وذهب الرجل سامحه الله الي القول بان المشاركه اخطر واهم. لان اثم تارك الصلاه يرتد عليه وحده، في حين ان اثم الممتنع عن التصويت ينسحب فيه الضرر علي المجتمع كافه. ورغم ان الكلام يتعذر اخذه علي محمل الجد، حيث ينسب الي ترزيه الفتاوي وليس الي علماء الاصول، الا ان خطورته في تداعياته التي غابت عن صاحب الفتوي التليفزيونيه فبلغت به الجراه او الخفَه حدا جعله يساوي بين احد اركان الاسلام الذي وصفت فيه الصلاه بانها عماد الدين ومن تركها ترك الدين وبين التصويت في الانتخابات. ومقتضي قوله ان الممتنع عن التصويت عامدا يعد تاركا بدوره للدين وتكفيره في هذه الحاله مستحق. وهو ما يسري علي اغلبيه الشعب المصري التي قاطعت الانتخابات.

لقد وضعتنا الفتوي امام قياس فاسد لا يجرؤ علي القول به من كان له حد ادني من الاحاطه ببديهيات علوم الدين. ولا تفسير لذلك سوي ان صاحبنا وسَّعها اكثر من اللازم في ركوبه للموجه. وكان حرصه علي ارضاء اهل السلطه مقدما علي ارضاء دينه وربه.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل