المحتوى الرئيسى

العراق: رجال الدين والميليشيات

10/22 10:05

في وقفه تامل امام قبه مرقد الامام حسين بن علي الذهبيه في كربلاء العراق في منتصف ايلول\سبتمبر راودني تساؤل لم استطع مقاومته: تري ماذا سيحدث لو سقط صاروخ علي الصرح او دمره انفجار؟ ان مجرد تخيل فظاعه كهذه امرٌ شنيع، الا ان الفكره صعبٌ الا تخطر علي البال نظراً لتاريخ هذه البقعه بالذات - هذا المقصد الشيعي المميز - وفي ظل الاحداث الراهنه في العراق. ولقد كنت بالفعل قد وقفت هذه الوِقفه اياها قبل 25 عاماً اتامل الدمار الذي حل بالمكان اثر قذيفه القتها قوات صدام حسين لفرض سيطرتها علي المجمّع الذي اختبا فيه متمردون شيعه بعد فشل انقلابهم. وفعلاً كان للنظام ان نجح في احكام سيطرته علي كربلاء ومعظم البلاد، و مع الزمن سمح بترميم الضريح الذي يضم رفات الشهيد الشيعي منذ القرن السابع. وبعد عام 2003 قامت المؤسسه الدينيه الشيعيه بترميمات شامله اخرجت لنا هذا الصرح العظيم الرابض في المكان.

واليوم باتت هذه البقعه هدفاً محتملاً لتنظيم "الدوله الاسلاميه" (داعش)، فمنذ عام 2006 عندما قامت حاضنه داعش الام - قاعده العراق--بتفجير القبه الذهبيه لضريح العسكريه الشيعي في سامراء شمالاً تفجر الوضع في العراق واكفهرت سماؤه في ظلمات حرب اهليه حالكه السواد، ومنذ ذلك الحين اتخذت هذه المجموعه المتطرفه من قتالها الطائفي مع الشيعه اساساً رئيسياً لايديولوجيتها الفكريه. وعلي مدار الاشهر الـ16 الماضيه دابت داعش في مدّها العاتي الذي ابتلع مساحات من الاراضي العراقيه علي محوِ اي اثرٍ تصادفه في طريقها للشيعه او غيرهم من المذاهب "المنحرفه". ولان معظم الاضرحه الشيعيه تقع في العراق (في سامراء وكربلاء والنجف وبغداد) فان هجمه واحده كافيه لاشعال فتيل حرب طاحنه.

لكن التدابير الامنيه قليله ومخففه في مرقد الامام حسين وغيره من المراقد التي زرتها، حتي انه يبدو -- وعلي العكس من الوضع في زياره سابقه لي في اذار\مارس - ان الحرب علي داعش لا تشغل بال العراقيين هنا كثيراً. لعل السبب في ذلك هو اطمئنان شيعه العراق واكرادها الي ان الولايات المتحده وايران لن تسمحا بسقوط بغداد او اربيل (العاصمه الكرديه) في ايدي داعش حتي بالرغم من كون هزيمه داعش بعيده المنال حالياً. لكن هناك تفسيراً اخر: فمع تخبط حكومه رئيس الوزراء حيدر العبادي ومع البلبله في صفوف الجيش العراقي، ظهرت للقيادات الدينيه الشيعيه مكانه بارزه عززت من موقعها كحاميه لحمي العراق بارشادها الديني والسياسي المتزايد. وتتمركز القيادات الشيعيه المعروفه بـ "المرجعيه" في مدينه النجف المقدسه التي تقع علي بعد 160 كم جنوب العاصمه، ويتراسها 4 قاده ممن يحملون لقب "ايه الله" يقودون معاً معظم مؤمني العالم الشيعي، منهم ايه الله السيستاني المرجع الديني الاكبر بين هؤلاء الاربعه والذي يحظي بهاله ومكانه دينيه تفوق القائد الاعلي لايران ايه الله خامنئي.

في حزيران\يونيو 2014 ورداً علي ضربه خاطفه استولت بها داعش علي الموصل وتكريت، وجه السيستاني نداء الي عموم الشعب الشيعي يستنهضهم ليهبوا دفاعاُ عن الوطن، لباه علي الفور الكثير من الشباب في دوله تكثر فيها البطاله بينما تتزايد نسبه السكان من الشباب - فمتوسط العمر يبلغ 21 فقط. تعددت الميليشيات وتعددت مصالحها واهدافها، وبتعددها غدا من الصعب التاكد من قدرتها علي دحر داعش وتامين البلاد. اضف الي ذلك ان قيادات ايه الله الاربعه ليسوا بقادهٍ عسكريين، مما يعني ان نداء السيستاني قد شجع دعمَ بل وحتي ادارهَ دفه هذه الميليشيات من قِبلِ ايران التي تولت زمام الحرب علي داعش.

في الوقت الحالي تسيطر داعش علي اجزاء من اربع محافظات باغلبيه سنيه يبلغ تعداد سكانها حوالي 6 ملايين نسمه - اي 20% من عدد سكان العراق ككل، وتتمدد حثيثاً علي التخوم الممتده من خط يبدا من الحدود السوريه شمالاً وحتي العاصمه جنوباً ويمتد غرباً باتجاه الحدود الاردنيه والسعوديه التي لا تبعد كثيراً عن كربلاء، اما في المناطق الشاسعه غير الخاضعه لسيطره داعش ولا المتاخمه لجبهتها فهناك جو سائد من الهدوء الزائف: فالمحلات تعجّ ببضائع المستهلك والالكترونيات، والاسواق تضج بالحركه والنشاط، حتي ان فنادقَ جديدهً تُفتتحُ في مدنٍ كالنجف لاستقبال الزائرين ليس من الحجيج فحسب بل من رجال الاعمال ايضاً الذي يتوافدون من العراق وايران ودول الخليج. في وسع المرء ان يتنقّل عبر هذه المناطق كما قمنا انا وزميلتي ماريا فانتابي في ايلول\سبتمبر من دون اي مخاوف امنيه (لكن موجهً من الاختطافات في بغداد استهدفت اغنياء العراقيين وعمالاً اتراكاً تذكرنا ان الحذر واجب وان علي المسافر التنقل بهدوء دون استرعاء الانتباه والانظار).

لكن توتراً مرتفعاً يقبع تحت سطح هذه الهدوء الكاذب، ففي كردستان نشب خلافٌ علني بين الحزبين السياسيين الرئيسيين حول خليفه الرئيس الذي طالت مده حكمه مسعود برزاني (سبق ان مُدِدَ له قبل عامين باتفاق سياسي) والذي انتهت ولايته يوم 19 اب\اغسطس لكن ما يزال محتفظاً بكرسي منصبه، كما ان سلسله من الازمات الاقتصاديه عصفت بالبلاد وادخلتها في حاله ركود اقتصادي، مثل انهيار اسعار النفط وتكلفه الحرب علي داعش وتنامي اعداد اللاجئين والمشردين داخل البلاد اضافه الي تعطل العمل باتفاقيه تقاسم الموازنه مع بغداد. المواطنون العاديون حانقون لانهم لم يتسلموا رواتبهم المتاخره في القطاع العام، والبشمركه - مفخره المقاتلين الاكراد - خسروا شيئاً من بريقهم بعد توغل داعش.

في بغداد والجنوب العراقي حيث الغالبيه والسيطره الشيعيه خرجت احتجاجات شعبيه كثيره في اب\اغسطس علي انقطاع التيار الكهربائي وعلي الفساد المتفشي وسوء خدمات الحكومه، مما دعي رئيس الوزراء العبادي الي اعلان بضعه اصلاحات عاجله. وبعيد استيلاء داعش السريع علي الموصل وغيرها من انحاء البلاد في حزيران\يونيو 2014 اختير العبادي من قبل حزبه (حزب الدعوه) لرئاسه الحكومه خلفاً لزميله من حزب الدعوه ايضاً نوري المالكي الذي صُبت لائمه الهزيمه النكراء عليه. لكن العبادي الذي ينقصه دعم باقي الاحزاب يبقي ضعيفاً في مساعيه لاحداث سلسله من التغييرات، فبعد الاحتجاجات قام بحل عده وزارات بين ليله وضحاها كما الغي منصبي نائب الرئيس ونائب رئيس الوزراء (كلاهما يشغلهما 3 اشخاص)، واطلق حمله واسعه لمراجعه رواتب القطاع العام. ان اصلاحاً شاملاً سيتتطلب منه عقد تحالفات سياسيه في البرلمان لدفع عجله التشريعات المؤجله، لكنه خرق لنفسه عداوات مع اعضاء برلمانيين عندما اختصر نصيبهم من افراد طاقم الحراسه (البودي غارد) من 30 الي 8 في خطوه تقشفيه للمصاريف - اي ان مقدارَ اي تقدم يُرجي ضئيلٌ جداً.

ان كان رد فعل العبادي تجاه احتجاجات الشارع قد اتسم بالسرعه القصوي العاجله غير المعهوده، فذلك ليس سببه خوفه من حركه مشابهه "للربيع العربي" والتي قد تقلب نظامه الذي يراسه راساً علي عقب، فالعراق فيها انتخابات دوريه والحكومه الحاليه عمرها يربو قليلاً علي العام، وهي قد لا تكون حكومه فاعله كثيراً لكنها علي درجه من الشرعيه والدعم. الا ان مصدر قلق العبادي هو خصومه السياسيون الذين تدعمهم الميليشيا والذين قد يستغلون فوره الشارع علي حسابه لانتزاع السلطه.

خوفه هذا مبرر، فالجيش العراقي في حاله يرثي لها اذ لم يتبقي فيه سوي بضعه وحدات حربيه فاعله اضافه الي قوه من قوات مكافحه الارهاب المدربه امريكياً تبقت من انهيارها الفادح عام 2014. ان مراكز القوه في العراق الان تكمن في اماكن اخري اهمها القياده الدينيه في النجف ووكلاء ايران نفسها في البلاد. ومنذ دعي ايه الله السيستاني في يونيو\حزيران 2014 للحشد الشعبي ضد داعش ظهرت عده ميليشيات مسلحه مسؤوليتها المباشره محاربه داعش، حيث يقوم المتطوعون للانضمام بمراجعه اقرب مركز عسكري او مركز شرطه او مقر حزب سياسي في مناطقهم (بغداد وجنوب العراق)، ليتم بعد ذلك ارسالهم الي الجبهه والمشاركه في معارك محدده ضد داعش.

لكن الحشد الشعبي ذاته منقسم، ففي حين ان البعض منهم من اتباع السيستاني ويندرجون تحت لواء الجيش، نري اخرين بنظام مختلف واهداف مختلفه ولا يمكن التعويل عليهم لدعم العبادي. المجموعه الاولي والتي تعرف بـ"حشد السيستاني" هي مجموعه غير منظمه من الشباب الذين تسميهم المرجعيه "المتطوعين" بدلاً من "الحشد"، معظمهم نالوا تدريباً بدائياً وليست لديهم دوافع كبيره لتحرير المناطق السنيه - والكثير منهم قُتِلوا. من جهه اخري هناك مجموعتان اخريان في الحشد تندرجان بصوره او باخري تحت القياده الايرانيه المباشره: اولاهما مجموعه "حشد سليماني" وهي ميليشيا مدربه تدريباً جيداً ومسلحه وتشرف عليها قوات القدس الايرانيه تحت امره القائد قاسم سليماني بطلٌ من الحرب العراقية الإيرانية تمختر علي الصفوف الاولي في المعارك ضد داعش وصوّر نفسه بصوره مخلص البلاد، اما ثانيتهما فهي مجموعه حشد الولايه الثالثه من انصار سلف العبادي في رئاسه الوزراء، نوري المالكي، والذي يقال انه يحاول العوده لمنصبه بقوه ميليشياه وطموحه المتعطش (الا ان فيلق القدس الايراني لا يدعم المالكي شخصياً بل يدعم اي شخص يريد دعماً من ايران يكون اهلاً لثقتها في تنفيذ اوامرها).

ان تعدد مشارب المقاتلين وقائديهم هذا امرٌ تحار له الاعين لدي مشاهده المعارك الكبري اذ تري عده خطوط قياده وتداخلاً في الاستراتيجيات كما كان هو الحال في تكريت في نيسان\ابريل. غياب التنظيم والتنسيق هذا لا يبشر مستقبل الهجمات ضد داعش بالخير خاصه في مناطق مثل مدينه ومصفاه نفط بيجي الاستراتيحيه الواقعه منتصف المسافه بين بغداد والموصل والتي تارجحت السيطره عليها يمنه ويسره خلال العام المنصرم، كذلك الامر بالنسبه لمدينه الرمادي غرب بغداد والتي سقطت في يد داعش في ايار\مايو 2015. لكن الغنيمه الكبري، الموصل ثاني اكبر مدن العراق واكبر مدينه خاضعه لداعش - تبدو بعيده المنال الان خاصه ان حرب تحريرها كثيراً ما تُرجاُ لنقص القوات الكافيه لاداء المهمه.

في الوقت ذاته ازدادت ايران جراهً في تاكيد نفوذها، وحتماً لم تكن هذه نيه المرجعيه: فشتان ما بين تاسيس قوي عسكريه مسلحه للدفاع عن ارض الوطن ضد الغزو الداعشي الشرس من جهه، و بين تسليم عهده هذه القوي لمطامع جاره العراق القويه والتي تسعي الي تامين دوله عراق شيعيه مسالمه لها وتحت وصايتها من جهه اخري. وقد انتشرت الشائعات مؤخراً حول الاحباط العراقي ازاء التدخل الايراني، فقد قيل ان السيستاني كتب رساله الي خامنئي منتقداً فيها وبشده قائد فيلق القدس قاسم سليماني علي تصرفاته غير اللائقه بضيف اجنبي علي العراق كما يجب بل لتصرفه كمن يخال نفسه القائد الفعلي لهيئه اركان الجيش العراقي، هذا بينما اشيع عن العبادي انه طرد سليماني من اجتماع لمجلس الامن الوطني وامر بتفتيش الطائره التي اقلته من طهران.

منذ الاطاحه بنظام صدام حسين عام 2003 والسيستاني واتباعه يدعمون نظام دستورياً مبنياً علي سياسات شموليه لكل الاطياف (ولعلهم وجدوا ذلك الاسلم لهم وللبقاء الشيعي في موزاييك العراق الاثني والديني والسياسي). لقد راوا في ظهور المجموعات المسلحه بُعيد تفكيك الجيش العراقي وفي الحرب الطائفيه التي ستليه بين الميليشيات الشيعيه والمتمردين السنه بمثابه خطر علي استقرار العراق علي المدي البعيد.لقد افلحت "الغاره" الاميركيه علي القاعده في العراق عام 2007 مع الصحوه السنيه ومع استعداد المالكي لنصره ميليشيا الشيعه - كلها عوامل افلحت في اعاده المارد الي قمقمه.

بعد انسحاب الجنود الاميركان مع نهايه 2011 ظن الايرانيون انهم سيبسطون نفوذهم المباشر علي حكومه بغداد الشيعيه، ولم تَبْدُ قوه الميليشيات جذابه ولا مهمه في اعينهم. وفي السنوات الاولي من الحرب في سوريا تقاطعت المصالح العراقيه الايرانيه المشتركه اذ تدفّق العديد من مقاتلي العراق الشيعه الي سوريا تحت ذريعه حمايه جامع السيده زينب الضريح الشيعي الهام في ضواحي دمشق الجنوبيه، لكنهم فعلياً كانوا يدافعون عن نظام الاسد المدعوم ايرانياً. لكن هذا المشهد تغير جذرياً لدي قيام المالكي بعزل السنه وبتجديده استعداده للتغاضي عن المجموعات الشيعيه العسكريه الموازيه للجيش بعيد دخول داعش الساحه. ما عاد العراقيون يكترثون للحرب في سوريا، فالحرب الان تقرع اجراسها في عقر دارهم، وبدعوه السيستاني للحشد الشعبي تكون ايران قد استغلت فرصه استخدام الميليشيات لتوجيه الهجمات العراقيه قدر المستطاع.

لهذا تبدو قدره السيستاني علي ممارسه نفوذه في توجيه سير البلاد هشه، فمنذ الاحتلال الاميركي عام 2003 لعبت المرجعيه دوراً بارزاً في السياسه الوطنيه، مقدمهً التوجيهات السياسيه والاخلاقيه للسياسيين في مواضع القياده عند المنعطفات الحساسه، فمثلاً عام 2003 اصر السيستاني ان يخط الدستورَ عراقيون منتخبون انتخاباً شعبياً، لا عراقيين تعينهم اميركا، مما ضمن ولوج الشيعه الي سده الحكم، كما لبي الجميع دعواته اللاحقه للشيعه بعدم الرد علي استفزازات القاعده التي استهدفت ضربهم في الاسواق والمساجد حتي انقصم ظهر البعير غداه انفجار سامراء 2006 والذي انفجرت معه سلسله مرعبه من الاعمال الانتقاميه المروعه والمتبادله. لكن ايه الله الاعظم كان علي الدوام متردداً يُحجِمُ عن ممارسه سلطه سياسيه مباشره علي شاكله نظام ولايه الفقيه الايراني - اي حكم رجال الدين.

لم يستغرب المراقبون عن كثب نداء السيستاني للجهاد ضد داعش، لكنهم راوا فيه تاكيداً لقوه المرجعيه، وفي ظل ضعف مؤسسات البلاد السياسيه وفشل مؤسستها العسكريه بدا الكثير من العراقيين يتقبلون هذا التدخل الموسع في امن البلاد. بالفعل وعلي الرغم من النفور العام من تدخل الفرس في العراق الا ان البعض يولي انظاره شطر الشرق بعيون ملؤها الحسد تري جارتها دولهً نوويه مستقره صاعده تستعد للدخول من جديد في اوساط المجتمع الدولي في حين ان حال بلادهم المشتته يرثي له. لعل في ولايه الفقيه دواء ناجعاً؟ بعض افراد نخبه شيعه العراق يقولون ان نظام ولايه الفقيه الايراني قد يشكّل الجواب الشافي لعِللِ بلدهم، وهم ينتقدون السيستاني لعدم اظهاره الحزم الكافي والقوه الكافيه في تدخله.

لكن لا يبدو ان المرجعيه تشاطرهم الراي، فكما اخبرنا مساعدٌ لايه الله في كربلاء فاستقرار العراق مصدر القلق الاهم للسيستاني، فهو لن يسمح للمالكي في منصب رئاسه الوزراء ان يحوّل العراق الي ملعب في حديقه ايران الخلفيه او الي ساحه للوغي بين طهران وواشنطن، كما لن يسمح لداعش بالتقدم. ويقال انه ضجرَ علي وجه الخصوص من جيل الاحزاب الدينيه ما بعد عام 2003 التي نخرها الفساد حتي النخاع رغم انها لا تفتا تستشهد باسمه وباسم الله عند كل منعطف لتصطبغ بالمشروعيه.

كما ان السيستاني يدعم الاصلاحات الشامله خاصه لمحاربه الفساد الحكومي، لكن هناك اجماعاً خفياً في الاوساط الدينيه علي ان نفوذ رجال الدين السياسي له حدوده، فكما قال رجل دين: "يريد العراقيون ان يحكم الدين ولا يريدونه في الوقت نفسه، لذلك ينتهي بهم الامر بتقبله علي مضض مؤقتاً من اجل تامين وضع يتيح لهم حريه ممارسه دينهم" (وقد اكتشفتُ ان رجال الدين الشيعه العراقيين قد يشجبون تدخل الدين المباشر في السياسه لكنهم يستمتعون بالتحدث عن السياسه باسهاب واستطراد مع زائر).

ان ما كشفته وعرّته داعش وازمات الحكومه هو افلاس الطبقه السياسيه التي خرجت بعد 2003 والتي اساءت اداره البلاد وخربتها بعدما تسلمتها من قوه عسكريه اميركيه كانت هي ذاتها غير قادره علي ادارتها. فهذه الاحزاب مثل حزب الدعوه الذي يضم المالكي والعبادي ومؤسسه بدر والمجلس الاسلامي الاعلي في العراق علي سبيل المثال لا الحصر جميعُها وان كان معها الحق في شجب نظام صدام حسين علي قمعه واستبداده، الا انها جميعها استنسخت هيكل حزب البعث وطرقه، فهي كلها متحفظه علي اسرارها ومريبه وغير ديموقراطيه، وان كان حكمها لم يتّسم بالقمع المنهجي الذي ميز سابقها -البعث- فان السبب الوحيد وراء ذلك هو فشلها في توحيد قواها بالطريقه اياها، كما انها تمارس نشاطها في مجتمع لا يداري احتقاره لحكمها غير انه يذعن لها نظراً لغياب بديل افضل. ان ماساه عراق ما بعد 2003 هي ان سكانه من الشيعه او السنه الخاضعين لداعش او الاكراد تحت امره برزاني - جميعهم ممعنون في الاعتماد علي طرق الحكم القمعيه ذاتها.

وهذا قد يفسر حقيقه تشابه هذه الاحزاب ببعضها البعض وغياب الفوارق بينها - عدا عن اختلاف الشخصيات الملونه التي تقودها. ولعل الفرق الهام الوحيد الذي ظهر حديثاً يخص وجود ايران المباشر والمرئي منذ وصو داعش. لقد انقسم المجتمع الشيعي ما بين مؤيد للتوازن بين ايران واميركا القوتان اللتان تتشاركان المصالح في العراق، وبين مؤيد لاستغلال صعود قوه ايران في دحر داعش واحكام قبضتهم هم علي السلطه. اما المرجعيه فتؤمن بالتوازن، يدعمها في ذلك رئيس الوزراء العبادي (والذي قدره الان في كف نجاح اصلاحاته ودعم السيستاني المستمر له) اضافه الي عده احزاب شيعيه.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل