المحتوى الرئيسى

مصطفى صقر يكتب: من خلق الله؟ | ساسة بوست

10/20 05:46

منذ 17 دقيقه، 20 اكتوبر,2015

توجد قصه شهيره للفيلسوف المسلم ابن طفيل، وهي قصه حي بن يقظان، وقد تتبع الكثير من الكتاب احداثها الي ان صدرت لنا في اشكال مختلفه ومتنوعه؛ الاشخاص هم هم، ولكن الاحداث تختلف قليلا وفقا لما قد يراه الكاتب من تواؤم مع مقصده.

ولنا هنا في بدايه مقالنا تمهيد نتتبع فيه احداث القصه من منظور كتاب “قصه الايمان بين العلم والفلسفه والقران” لصاحبه الشيخ نديم الجسر. تتبع الشيخ احداث القصه، واخرج لنا من بين ثناياها حكايته الخاصه معنونه بقصه الايمان.

والتي بدات بشاب اسمه حيران بن الاضعف، ذلك الفتي الذي شب يدرس علي يد الفقهاء يتعلم اساسيات دينه، حيث كان في حاله دائمه من الشك والحيره، دائم التكرار للجمل الاستفهاميه الفلسفيه ( كيف؟ والي اين؟ ولماذا؟ ومن؟ … ) يسقطها علي كل شيء.

ولكن لم يكن هناك من متفرغ ليبحث عن اجابات؟ ليجابه بالنبذ علي اسئلته المتكرره، ويسوء حاله، اخذ حيران نفسه بيده وهام في الارض بحثا عن شيخ دله عليه ابوه، واسمه الشيخ الموزون الذي يزن افكاره قبل نطقه به؛ لتخرج مشرقه كاشراق الشمس مصحوبه بصياغه جزله متينه من نور اشعتها.

وهناك في البستان حيث ضريح امام الاسلام الشيخ البخاري، وجد حيران شيخه متعبدا فدخل عليه واستاذنه التعلم منه. فاذن له ومضي الشيخ يحكي لحيران قصه حي بن يقظان. الفتي الذي شب في جزيره نائيه ـ كانت امه قد اضاعته فيها ـ وظل يتدبر كل ما حوله حتي انتهي الي وجود الله.

وقد نبه الموزون حيران قائلاً: اي بني ان الفلسفه بحر لن تجد في شواطئه الا اللجج حيث يكون الغرق، وستجد في اعماقها الايمان حيث معرفه الله.

تدبر حيران كلام الشيخ وتيقن بان العامه ممن حاوطوه ما كانوا قط ليشغلوا جل يومهم في التخبط بشواطئ الفلسفه مخافه الموت غرقا في لججها العاتيه، وانما كانوا يتناولون الامر ببساطه، ولسان حالهم يقول: هيا فلنبتعد عن هذا الشاطئ، ولنترك اعماقه لمن هم اهل لتعدي مثل هذا الشان الجلل من اللجج.

استنتج حيران انه لهذا جوابه من مشايخه بالنبذ، فلم يسخط او يكره احداً منهم وسامحهم علي ما كان قد بدر منهم من نبذ له، فما كان ذاك الا خوفاً عليه من الغرق في شواطئ الفلسفه.

وعلي اثر هذه القصه اذكر حادثا: اذ ناولت احدهم ذات يوم كتاب الإسلام بين الشرق والغرب للرئيس علي عزت بيجوفتش فرده علي بعد يوم، قائلا: ولم الفلسفه ووجع الدماغ يا بني؟ اليس الله من رفع تلك السماء وخلق هذه الارض؟ خذ كتابك فانا لا اريد ان اٌقراه.

ان كان الامر كما تقول فلماذا اذن تبحث عن اجابه لسؤالك المعنون؟ دعوي اطرح سؤالا: كم مره شغلتك نفسك بهذا السؤال المؤرق “من خلق الله؟” واخذت تبذل الجهد وتتحمل العنت والمشقه وهممت تدفع السؤال عن ذهنك بالاستغفار والاستعاذه من ذلك الشيطان اللعين الذي سنح لك في لحظه من لحظات الصفاء، قد جاء ليعكرها عليك عارضا مهاراته البهلوانيه علي مسرح الشك القابع داخل عقل كل منا.

حتما لقد دار سؤالنا ذاك في جميع العقول، وان لم يكن قد لاح لك عزيزي القارئ من قبل فها انا ذا قد اجبرتك علي ان تطرحه علي نفسك. ان مجاهده الشيطان ودفعه لاساس متين للايمان، بيد انه قد حلت ظروف خاصه جعلت من تدفق الشبهات حولنا امرا هينا في عالم اصبحت فيه المعلومات بمخلتف جوانبها تنهال علينا من كل حدب وصوب.

اقول بانه يكفيك ان تاخذ جولتك اليوميه الهادئه لتتبع صفحتك العلميه الاثيره لتجد حسابا ما قد وضع لك تعليقا ينتقص فيه من افكار الدين ويلعن جهل معتنقيه ثم يعرض لك شبهه ما ويهرب سريعا. خذ جوله اخري علي “اليوتيوب” لتجد جماعه ليست بالقليله من دهماء الملاحده يسوقون لك فلسفات بائده وشبهات قد ردت من قبل، ولكن اني للعامي البسيط ان يعرف ذلك.

فالان وبعد ان كان العامي في عصر سابق ياخذ اجابه مباشره علي سؤاله بدون بيان لاسباب الفتوي، اصبح هذا المسكين يتعرض لوابل من الشبهات والتفاصيل المقلقه في شئون الدين. وقديما وقت عرض الشبهات كان لا ينبري للتصدي لها سوي كبار العلماء والفقهاء، ولكن اني لهم اليوم ان يتفرغوا لهذا السيل الجارف من صغائر الشبهات المنتشره قي ثنايا المواقع الاجتماعيه وصفحات الانترنت؟

ان مثل هذا الوضع يحتم علي الفرد االتجهز بالقدر الكافي من العلم لرد ما يبدر وما سيبدر له من شبهات تحوم في سماء العالم الرقمي.

لقد اجمع عدد من كبار الفلاسفه امثال الفارابي وابن سينا وديكارت وليبنز وغيرهم بان الوجود له احوال ثلاثه : (الاستحاله، الامكان، الوجوب). فكل شيء اما ان يكون ممكن الوجود، واما ان يكون مستحيل الوجود، واما ان يكون واجب الوجود.

اننا بداهه نحكم بان عالمنا هذا ممكن الوجود، اذ ان صوره واشكاله المركبه والمختلفه وخاصه الحيه منها كالنبات والحيوان في تغير مطرد مستمر، وقد ثبت لظهور الحياه وقت محدد؛ اي ان الحياه بكل تعقيداتها امر حادث قد جد ظاهراً.

ومن المعلوم ان لكل سبب مسبب والمسبب مسبب اخر وهكذا، ولما كان التسلسل السببي الي ما لا نهايه منافيا للعقل وجب الانتهاء الي مسبب اول ازلي يكون هو الذي اوجد هذه الحياه. تامل قوله تعالي”اَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ اَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ”.

اذن الكون ممكن الوجود، ولابد له من مرجح يرجح وجوده علي عدمه ويخرجه من الامكان الي الوجود الفعلي، وهذا الموجد لا يجوز ان يكون ممكن الوجود؛ لانه سيصبح مفتقرا الي موجد، وسيؤدي الامر الي التسلسل وهذا مستحيل عقلا. اي انه لابد ان يكون هذا الموجد واجب الوجود، ونحن نقول بان هذا الموجد هو الله.

الان ضع في ذهنك ثابتا نتاج ما اسلفناه وهو ان الكون ممكن الوجود والله الموجد له واجب الوجود.

والسؤال الذي قد يتطرق له عقلك هو من اوجد الله ايضا؟ ونحن نقول بانه يستحيل ان يكون هذا الموجد من ذات الممكن؛ لانه ان كان من ذات الممكن لاصبح الممكن واجب الوجود ـ قد اسلفت اثبات ان الله واجب الوجود ـ وهذا تناقض؛ لان فيه جمع بين طرفي الوجود (الامكان والوجوب). وشان هذا القول الذي يجمع بين طرفي الوجود فيجعل الخالق مخلوقا كشان من قال: انظروا اليَ، فانا طويل وقصير في نفس ذات الوقت، او انني حي وميت وقس علي ذلك الكثير. وعليه فالسؤال فاسد منطقيا ولا يجوز طرحه اصلا.

بقي لنا هنا ان نورد بعض ما قد يواجه هذا التفسير من اعتراض :

فرضيه وجود الله ذاتها باعتباره الموجد

قد يقول لك احدهم اننا لا نوافقك علي ما تقول بان الله هو الموجد واننا جاريناك اصلا باحتماليه وجود الاله لنري الي اين ستصل فحسب، بل نحن لا نؤمن بامكانيه وجوده. والرد عليهم يخلص في كون حاجه هذا الكون الي الموجد هي حاجه افتقار تحتم وجود الموجد ولقد كتب في ذلك الدكتور هشام عزمي قائلا:

“ان افتقار الشيء سواءً في وجوده او في وجود صفاته او تصويره علي صفات مخصوصه او هيئات معينه الي من يوجده او يخصص له هذه الصفات او الهيئات هو محور برهان السببيه، ومدار البرهان بعدها يدور حول اثبات ان اجزاء العالم مفتقره الي من يوجدها او يوجد صفاتها او يخصصها … الخ، من صيغ برهان السببيه. عندما ناتي الي الله عز وجل فهو ليس مفتقراً.

والدليل علي انه ليس مفتقراً الي غيره سواء في وجوده او صفاته هو قدرته علي منح الوجود والصفات للمخلوقات، فمن كان قادرا علي منح الوجود لا يكون مفتقرا في وجوده ذاته الي غيره، لانه لو كان مفتقرا لما كان قادرا علي المنح، ولو كان مخلوقا لما كان قادرا علي الخلق؛ انظر الانسان مثلا هو مخلوق، لذا هو لا يقدر علي ان يخلق شيئا غيره من العدم، لماذا؟

لانه مفتقر في وجوده ذاته الي خالقه، فكيف يمنح الوجود لغيره؟ اما الله سبحانه وتعالي فهو الوحيد القادر علي منح الوجود وايجاد المخلوقات ، لذلك فهو غير مفتقر في وجوده الي غيره، لانه لو كان مفتقرا في وجوده الي غيره، لم يكن قادرا علي منح الوجود لغيره اصلا.”

اي ان الافتقار هنا كما هو موضح يحتم وجود الموجد، وليس لاننا افترضناه مسببا هكذا اعتباطا لسد الفراغ التسلسلي في برهان السببيه.

الدليل المادي علي هذا الموجد

لقد قلنا نحن من قبل بان هذا المرجح الذي يخرج الكون من الامكان الي الوجود الفعلي هو الله عز وجل، ولكن هناك من يطلب الدليل المادي الدال علي ذلك، وحتي لا يتسني لاحد ما القول باننا نفترض تلك الاعتراضات؛ لكي نخلق وهما نحاربه اقول:

انني قد شاهدت اكثر من مرهٍ من يطلب ذلك صراحه ـ الدليل المادي ـ اذ قال اثبت ليَ الان بتجربه اتاكد من خلالها ان الله هو الذي اوجد هذا العالم، او ان يتساءل عن الادله الماديه التي تثبت خلق الله للكون. ونقول لمعترضنا ذاك الاتي: هل كل شيء عندك لا يدرك الا بالحس والمشاهده؟ ام ان هناك امورا قد تدرك بغير الحس والمشاهده؟

فان اجاب بان الامور لا تدرك الا بالحس والمشاهده بين فساد ادعائه؛ لانه ان ظن ان الله نستطيع الكشف عنه هكذا ماديا فليضبط لنا صاحبنا هذا الزمان متلبسا تحت عدسات الميكروسكوب ان استطاع. كما ان الله يستدل عليه عقلا، لا بالتجربه، والا لما اختلف عن خلقه تنزه سبحانه عن ذلك فهو ليس كمثله شئ.

وان اجاب بانه قد تدرك امور بغير الحس والمشاهده اثبت لنا انه مكابر بطرحه سؤاله ذاك وانه لابد وان يؤمن باحد فروض ايجاد هذا الكون وكلها درب من دروب الغيب. وبما انه يعترض علي فرضيه كون الله هو الموجد فلابد اذن ان يؤمن باحد فرضين اخرين:

• فرضيه ان الماده ذاتها هي ما تراتبت اجزاؤها وعناصرها بخاصيه فيها صدرت عن اراده منها ووعي لتتفق علي صنع تنوعات هذا العالم بهذه الصور والاشكال التي نراها.

• ان كل ما في هذا الكون من التنوعات نشا عن طريق المصادفه حيث تجمعت مكونات الماده الرئيسيه واتفق لها ان تتلاقي بالمصادفه وتتجمع علي نسب واوضاع محدده ومعينه – لا تصلح دونها لنشاه الحياه – بالمصادفه لتنشا الحياه من هذه المصادفات.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل