المحتوى الرئيسى

«أول الحكاية» تظاهرة مسرحية في دمشق.. فناجين قهوة للغائبين

10/20 02:36

لا يزال «المعهد العالي للفنون المسرحيه» بدمشق، وبرغم العديد من التغييرات التي طالت العديد من كوادره التدريسيه، ودفعت بالبعض الاخر من اساتذته وطلبته للهجره الي منافي الشتات السوري؛ لم يزل مواظباً علي العديد من الفعاليات الموازيه لبرامج الاكاديميه الدمشقيه الاعرق في سوريه؛ ففي «التظاهره المسرحيه - اول الحكايه»، (*) تجلي جهد طلبه الاقسام الخمسه في المعهد؛ مسانداً من قِبل متخرجي هذه الاكاديميه التي افتتحها كل من اديب اللجمي وسعد الله ونوس واسعد فضة واخرون منذ العام 1977.

امسيات شعريه وموسيقيه وعروض مسرحيه وراقصه قدّمتها هذه التظاهره التي تعدّت هذا العام مفهوم الاسبوع الثقافي للطلبه، نحو تكريس ما يشبه مهرجاناً مصغّراً للنخبه المسرحيه، فمن المعروف ان جمهور هذه التظاهره وبسبب ظرف المكان وضيق مسارحه، اقتصر جمهوره علي طلاب واساتذه وبعض المهتمين بالحركه الفنيه، فبعيداً عن المسارح الكبري في العاصمه؛ تتميّز مسارح المعهد وقاعاته؛ بقربها الي مجمع مختبرات ومحترفات ثقافيه محدوده بعدد كراسي متفرجيها، لكونها في الاصل مخصّصه لعرض مشاريع تخرّج الطلاب وامتحاناتهم.

اليوم الاول من هذه الفعاليه كان مع احتفاليه مسرحيه حملت عنوان: «قمر شام» - شعر وموسيقي في حضره المسرح - خشبه فواز الساجر» تخلّلها اداء شعري لكل من «كفاح الخوص» و «عدنان ازروني» والشاعره «وئام الخوص» وذلك بمشاركه للمغنيّه «ميس حرب» برفقه كل من: «احمد اسكندراني - ناي - طارق المسكي - غيتار - لؤي البشاره – عود». اذ ادت «حرب» مقتطفات من اغاني الرحابنه، كان ابرزها: «وجهك بيذكر بالخريف».

محاوله للانعتاق اكثر فاكثر من الشكل التقليدي للمسرحيه الدراميه؛ نحو مسرح غنائي شعري لم يكتفِ بهذه العناصر وحسب؛ بل مزجها بالسينما عبر فيلم «المقدمه» لـ «يزيد السيد» الذي قدّم بدوره ما يشبه البوماً شخصياً عن الرقص؛ مستعيراً مخيله ابرمها «الخوص» مُعِدّ ومشرف اليوم الاول من هذه التظاهره؛ اذ يمرّ بشارع العابد؛ مُقتحماً «مقهي الروضه» ليجده فارغاً من زواره الذين غيبتهم الحرب، فلا يكون منه الا ان يطلب من النادل عشرات فناجين القهوه للغائبين عن كراسي المقهي الدمشقي العريق.

محاوله للتشكيل في الفضاء كان مع عرض لطلاب قسم الدراسات المسرحيه حمل عنوان: «قراءات مسرحيه - وجوه وحكايا» نص واخراج: «ميسون علي» التي ولّفت نصوصاً عده عن الحرب السوريه لكل من «خليل صويلح، خوله دنيا»، وقصائد لكل من «محمود درويش؛ وبول فاليري». هذا النوع من العروض قام بادائه كل من «المهدي شباط، مجدي المقبل، منار نقشبندي، ليلاس العربيد، جيهان مملوك، يزن صالح»، بمرافقه عازفه الكمان «راما البرشه» وبحضور سينوغرافي لافت للوحه من تصميم «يزن قرموشه» تسيّدت عمق خشبه المسرح الدائري بالمعهد لظلال من خراب خلفته سنوات الحرب.

احدي لوحات هذا العرض، قالت: «سوريا تحولت الي جنازه كبيره، لا ارض يستريح عليها الموتي؛ لا سماء تمنحُ ظلاً يرتاحون عليه؛ لم يعد لدينا خشب لمزيد من التوابيت؛ لقد احرقوا الغابه». مقاربه انجزتها «علي» هذه المره عبر لازمه الحرب واقتتال الاخوه؛ تاركهً المساحه لطلابها كي يخرجوا من دروس النقد الي مواجهه الجمهور، عبر متتاليه شعريه موسيقيه يتخذ فيها صوت الممثل جسداً مفارقاً لجسد الممثل الاعتيادي؛ نحو ما يشبه «بوليفونيا - تعدّد اصوات» عن موتٍ سوري واحد؛ راكمته الحرب مثلما راكمه الخراب والغبار الممزوج بدماء عشرات الاف الضحايا.

تنويع مستمرّ للتظاهره التي استمرّت سته ايام متواصله؛ ليكون ابرز عروضها بمسرحيه: «النافذه - استوديو 4» عن نص «ارينيوش اردينسكي» واخراج «مجد فضه» وفيها نتعرّف علي حكايه كل من الزوجه «جفرا يونس» والزوج «مازن الجبه» في محاوله لجس نبض عدميه الحياه الزوجيه؛ والضجر الذي من الممكن ان يحول كل من الرجل والمراه الي لعبه ادوار لا نهائيه؛ محض وجوم امام نافذه ينتظر منها الزوج بريق ضوء يغيّر روتين حياته القاتل، لينقلب هذا الهوس الي ما يشبه العدوي لدي الزوجه التي ترضخ في النهايه لهواجس الزوج وعاداته العبثيه.

مقاربه لمسرح الغرفه عبر فضاء مصغّر عن بلاتو الاستوديو التلفزيوني؛ يبدو عرض «النافذه ـ افاق» من خلاله نسخه عن مسرحيات معقّمه؛ شخصياتها لا لون لها ولا رائحه؛ بل هي مجرد امثله بشريه عاديه للغايه؛ حاول الممثلان «يونس والجبه» تقديمها كشخصيات محايده تماماً لظروف الحرب ومالاتها؛ معوّلين علي حميميه الفضاء الذي يلعبان فيه؛ مرهً وفق شرط مسرح طبيعي، ومرهً علي انغام اغنيه طربيه عن الضجر والانس بصوت الراحله «ورده الجزائريه».

المسرح الجسدي لم يغب عن «اول الحكايه» حيث قدّم المخرج حسين خضور للمره الثانيه عرضه «زياره ذاتيه - مواطنون فنانون» بعد عرضه منذ اشهر قليله فقط علي مسرح الاستعمالات المتعدده في دار اوبرا دمشق. حضرت روايه «الحمامه» للالماني باتريك زوسكيند كنص موازٍ لهذه المسرحيه الحركيه التي اداها «خضور» بشكل لافت عن رؤيا للدراماتورغ هبه محرز وموسيقي حسين عطفه.

الاعداد الحر لروايه صاحب «العطر» حاكي قسوه الحياه لحارس بنك؛ عاش في مدينة دمشق خمس سنوات بين الغربه عن عمله الروتيني والغربه عن محيطه؛ ليجد لنفسه في هذه التوليفه استقراراً وهمياً سيتحطّم في احد الايام الخريفيه من العام 2010 امام تفصيل اعتيادي؛ فتتغيّر حياه حارس «بنك الانفتاح» هذا ليكتشف زيف الفقاعه التي عاش فيها طيله كل هذه السنوات؛ مُنيهاً حياته بالانتحار.

قصه عكست بنمطها التجريبي فداحه الخسائر التي من الممكن ان يدفعها الكائن الانساني؛ جراء مكابدته الداخليه المضنيه؛ والعزله التي تفرضها ظروف العمل وشروطه المهينه في مجتمع تحوّل سوقاً كبيره؛ حيث استطاع مخرج العرض ومؤديه ان يجسد هذه الرؤيا باسلوبيه قاربت الرقص الحركي؛ موظفه الحركه هنا كماده دراميه بحته؛ مكّنت الراقص من الانتقال بسلاسه من البيت الي مكان العمل والشارع.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل