المحتوى الرئيسى

مؤرخ أمريكي: اتفاق إيران النووي وسيلة وليس غاية في حد ذاته

10/19 09:03

تساءل المؤرخ الامريكي اندرو جيه باسيفيتش “كيف يمكن لاتفاق ايران النووي ان يغير وجه الشرق الاوسط؟ وما الحسابات وراء الاتفاق؟ والي اين يمكن ان يقود؟”.

واستهل مقالا مطولا نشرته صحيفه الـ “كريستيان ساينس مونيتور” بالتاكيد علي ان الاتفاق النووي الذي وقعته امريكا وخمس قوي عالميه اخري مع ايران، ان هو الا وسيله لغايه، وليس غايه في حد ذاته.

واعتبر باسيفيتش الاتفاق المزمع تفعيله رسميا اليوم الاثنين بمثابه مشروع محفوف بالمخاطر؛ فاذا ما نجح فانه قد يمثل الخطوه الاولي علي طريق استعاده شيئ من الاستقرار لما وصف بـ “الشرق الأوسط الكبير”، ومن ثمّ يتقلص الجهد الامريكي علي هذا الصعيد، اما اذا ما فشل الاتفاق فان الاضطراب الراهن في تلك المنطقه قد يمسي وضعا اعتياديا.

وعاد المؤرخ بالاذهان الي عام 2008 وقال ان اوباما بدخوله البيت الابيض وتوليه مهام الرئاسه الامريكيه قد ورث علي الفور هذا الاضطراب في تلك المنطقه .. وقتها ظن الكثيرون من بسطاء الامريكيين وغيرهم حول العالم ان الرئيس الجديد صاحب الكاريزما قادر علي القضاء بسرعه وجيزه علي مثل هذه الفوضي وهذا الاضطراب.. وقد بدا حينئذ ان اوباما ظن نفسه اهلا لتحقيق تلك الامال الكبري، فعمد الي بذل الوعود بـ “فتح صفحه جديده بين امريكا والمسلمين حول العالم” اما اليوم وبينما هو يلملم اغراضه من البيت الابيض، وقد بات اشيب منه يوم ان دخل هذا البيت اول مره قبل نحو ثماني سنوات، فان ايا من تلك الصفحات الجديده الموعوده لم تجد من يفتحها ولا يزال العالم بكامله في حاله من الفوضي المستعصيه.

واضاف: “اذن سيترك اوباما البيت الابيض مخلفا وراءه ارثا من السياسه الخارجيه، لكن تحديد نوع هذا الارث من حيث كونه ايجابي ام سلبي قد يستغرق سنوات ، الا ان مكانه اوباما كرجل دوله قد تعتمد علي مدي اتمام الاتفاق النووي الايراني.”

ووصف باسيفيتش انتقادات الكونجرس للاتفاق، ومقارنه ايران بالمانيا النازيه واوباما بـرئيس وزراء بريطانيا الاسبق نيفيل تشامبرلين والترويج لمشهد يُساق فيه الاسرائيليون خانعين الي معسكرات الموت – وصفها باسيفيتش بانها امور عبثيه كانت متوقعه من الكونجرس، وعلي الرغم من فشلها في عرقله الاتفاق، الا ان هذه الانتقادات استطاعت التشويش علي سياقه الاستراتيجي فحالت دون ظهور كل من مخاطره الفعليه ومنافعه الكامنه علي السواء.

واكد باسيفيتش ان قله الاشارات الي “خطه العمل الشامله المشتركه”، كما هي معروفه رسميا، كاتفاق نووي، انما تصب في صالح تقنيع واخفاء اثاره الكبري؛ فظاهريًا يرفع الاتفاق العقوبات الاقتصاديه المفروضه عن كاهل ايران مقابل قبول هذه الدوله فرض قيود علي برنامجها النووي، وضمنيًا يعتبر الاتفاق بمثابه دعوه موجهه الي ايران للرجوع الي حظيره المجتمع الدولي الدافئه بعد معاناه طويله من برد النبْذ والاستبعاد – ويُعدّ”مدي تلبيه الايرانيين لتلك الدعوه” بمثابه السؤال الذي ستحدد اجابته مكانه اوباما التاريخيه كرجل دوله.

وتابع المؤرخ قائلا “ان اوباما كان شابا صغيرا عندما اشتعلت الثوره الاسلاميه في ايران عام 1979 وما تلاها من ازمه احتجاز رهائن ادت الي نبْذ المجتمع الدولي لايران واعتبارها دوله مارقه مُستبعَده من لعب اي دور فاعل في السياسات الاقليميه .. غير ان استبعاد المشاكسين انما يؤدي الي التحريض علي مزيد من المشاكل.”

ومضي صاحب المقال “في حقبه الثمانينيات، رات امريكا ان ايران تمثل تهديدا للاستقرار، ووجدت نفسها تدعم صدام حسين في حرب وحشيه ضد ايران .. وفي التسعينيات، بعد ان انضمت العراق الي جانب ايران في قائمه اعداء واشنطن، تبّنت امريكا استراتيجيه “الاحتواء المزدوج”، ثم كانت حتميه الحضور العسكري الامريكي القوي في المنطقه، الامر الذي ترتب عليه ردّ فعل عكسي تبلور في نهايه الامر في هجمات الحادي عشر من سبتمبر .. وعند رفض الاحتواء، ردّت اداره الرئيس السابق جورج بوش الابن بشن حرب وقائيه .. وتحت شعار “اجنده الحريات” شرعت هذه الاداره في اعاده رسم المنطقه، بادئه من العراق علي ان تتبعها دول الجوار، بما في ذلك ايران .. وكانت التوقعات وقتئذ ان استخدام القوه العسكريه الامريكيه سيثمر عن منافع جمه.”

“ولكن للاسف ما حدث ان الامور لم تمض وفقا للاهواء الامريكيه؛ فقد اُجهض المشروع العسكري في العراق ولم تخطُ “اجنده الحريات” خطوهً واحده للامام .. والاسوا من ذلك، انه رغم سقوط الالاف من القتلي والجرحي، واهدار مئات المليارات، فان الجهود العسكريه الامريكيه زادت الاوضاع في “الشرق الاوسط الكبير” سوءا علي سوئها .. وكان ان المشروع الذي كان من المفترض ان يُعزز الاستقرار، وينشر قيم الديمقراطيه وحقوق الانسان، قد انتهي بدلا من ذلك الي شيئ اقرب الي الفوضي، وتغذيه الراديكاليه العنيفه.”

واكد باسيفيتش قائلا “لقد ساعد احتلال اداره بوش للعراق في تغذيه اتهامات اسامه بن لادن لامريكا بالامبرياليه وكراهيه الاسلام .. وفي بغداد بدا النظام السياسي الذي هو نتاج سنوات عديده من “البناء الامريكي للامه” – بدا خليطا غير منسجم ومسخا طائفيّا علي نحو ترك العراق بلا نظامٍ حاكم فعليًا .. اما بالنسبه للاسلاميين الراديكاليين عموما، فان التدخل الامريكي في العراق كان هديه الهدايا، ويكفي للتدليل علي ذلك، مجردُ النظر الي تنظيم “داعش”، خليفه “القاعده”، الذي اعلن نفسه نواه لخلافه جديده باسطًا يده علي مساحات شاسعه من العراق وسوريا .. ومهما استنكف الامريكيون من الاعتراف بابوتهم الجماعيه له، فان تنظيم داعش هو ابن غير شرعي ووليد طبيعي للتدخل العسكري الامريكي الارعن.” حسب الكاتب -.

وعاد باسيفيتش ادراجه قائلا: “والان، واذْ لم يعد اوباما مُستجدًا علي صعيد السياسه الخارجيه، فانه يبدو وقد ادرك ان التدخل العسكري الامريكي في الشرق الاوسط الكبير، الذي يعود تاريخه الي مُهمه حفظ السلام الفاشله في لبنان مطلع الثمانينيات، قد اتي بنتائج عكسيه .. وسواء اكان في العراق او ليبيا او الصومال او افغانستان، فانه لم يثمر ابدا الثمار الموعوده او المرجوه منه.”

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل