المحتوى الرئيسى

عمر حمدي.. الرحيل إلى متاهة اللون

10/19 01:15

«اللون متاهه كبيره، متاهه الخبره والاضافات الجديده، شيء غير قابل للانتهاء، اللون السر الابدي للحياه». هذا ما قاله يوماً المبدع مالفا ـ عمر حمدي، وهو ما يمكن ان يلخص سيرته مع اللون باعتباره فيضاً صامداً يحتوي في دلالاته حساسيات تداوله واستنباته في ذوات الاخرين... مضي عمر حمدي، مالفا الحزن والوحده الي تلك المتاهه الاعظم بعد ان انطفا اخر لون كان دليله للحياه، باعتباره افقاً رحباً لخرائطه التي تحرض الانتباه الي ان اللون ماده تفكير ومنهج بناء شبكات مفاهيميه تمزج الطبيعه بما هو فوقها في الابداع والفن، كما تمزج الحقيقه باصدائها الموقفيه في فسحه التامل والفرجه والتلقي، وحيث المعايشه الوجدانيه للالم الذاتي الصادم في علاقه الانسان بالانسان؛ وفقاً لجماليات تعبيريه تجعل من الاتساع الدلالي لالوانه مجالاً لتاويلات الباحثين والنقاد.

بغياب (مالفا) احد وجوه الحداثه في التشكيل السوري تتضح اكثر حدود تاويل مستقبل هذا المحمل التعبيري؛ نظراً للكثافه البصريه التي كانت تشكلها اعماله ومعارضه علي المستوي العالمي، فهو من القله الذين حققوا التوازن بين النصوص البصريه والاداء الاسلوبي المتميز والقابليه المفتوحه علي تاويل مفرداته لاستكشاف لغه تندرج في اعتبار البحث والاجتهاد؛ مادتين اساسيتين لتناسج المنظور مع الخفي.

هي مقدره وظّفها الفنان علي مدي تجربته كي يتيح للمتلقي تاويل ما يري كواقعه ماديه للانتقال فيما بعد الي ما له علاقه وطيده بحقيقه الرؤيه ومفاعيلها الجماليه، وكل ما يمكن اعتباره حدثاً او اثراً مضاءً في فضاء من الاعتام.

اليوم، ونحن نتلمس معني الفقد بغياب قامه تشكيليه وتجربه مهمه لم يغب ذكرها عن الساحات والفعاليات الفنيه منذ سبعينيات القرن الماضي، نسعي للاقتراب اكثر من الافكار الحداثيه التي طرحها عمر حمدي في سيره نحو ابداعات وتقنيات وموضوعات جديده، بحيث شكلت كثافه عطاءاته عنصراً ضاغطاً علي معايير التلقي، كما شكّلت بناءً متماسكاً لجماليه اللوحه الفنيه؛ النابعه من ذاتيه جريئه وثريه علي صله بروح الفنان والمعاني الرمزيه التي تحيل الي تجربته بشكل متكامل؛ اذ تتضمن الي جانب فرادتها المرجعيات الانسانيه في الارتباط بالانطباعيه من جهه، والتحرر منها من جهه اخري، بحيث يتحول الفاقد الي موسيقي تعبّر عنها تجريدياته الموقعه بهذا الصراع، والضغوط التي تنشا من هذين النقيضين، التمثيل والتجريد.

بكل الاحوال فقد استطاع الفنان اعتبار المتناقضات متقاربات لابداع سمات شكليه تمتد من عمق الباديه السوريه والشمال السوري بخصوص، وكل ما يحوِّل قساوه القسمات وتجهم الوجوه الي دلالات موقفيه من الحياه؛ تساوقاً مع المدرك المعرفي لطبيعه المنطقه التي وشمت موهبته منذ الطفوله بمخاطبات بصريه اعاد تصميمها لبناء مشهديات انسانيه؛ تتفوق اتصالياً علي قدره تامل الناس من حوله، بحيث يمكن اعتبار دراميه الفعل البصري وتكثيف دلالاته عنصرين مهمين للاقتراب من المعادله السحيقه القدم في فهم الفن وتجسيده في ذهن المتلقي.

بل يمكن القول ان هذه الدراميه البصريه تجاوزت كل هذه الحاله الي خلق ملامح جماليه تتضمن ابراز قدرات الفنان خارج زمن وجوده الفعلي، وهذا ما حقق لـ(حمدي) امكانيه التوسع في المعني الشكلي، وفي ايضاح الافكار بعيداً عن التعقيدات السرديه.

سيكون من الصعب الالمام بكل جوانب تجربه الفنان الراحل، لكن تسليط الضوء علي اهم مفردات تجربته، اللون، ومقدار استفاده الفنان من الموروث الحضاري والبيئي لانتاج قيم ضوئيه ولونيه تفرّد في صياغتها لكشف اواصر العلاقه بين الفنان والمساحه البيضاء في اللوحه، وكان تفكيك البياض يعتمد في حقيقه الامر علي المقاربات المركّبه معرفياً؛ والتي تشكل منهجاً يقود الي حقائق، منها المعرفه العميقه بالواقع واحداثه، وكذلك التاويلات التي تغني هذه الحقائق عبر التفكير البصري المتميز، والذي يمكّن من الاحاطه المطلقه بالعمل الفني.

لقد حاول مالفا علي مدي تجربته، وطوال رحلته بين الابيض والاسود كموقعين مفهومين للنور والعتمه؛ ان يؤكد ان اسلافه في الفن حققوا فعلاً الوجود الذي اوصل اليه، وان الانقلاب علي المعهود في فهم اللون واستخدامه من اساسيات التجربه الابداعيه في اي مكان واي زمان، وان الملموس الذي نراه في اللوحه لا ينطلق من اي امر اكثر من انطلاقه من وعي الفنان بالعالم.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل