المحتوى الرئيسى

مظاهر التوتر في سلوكنا الجماعي

10/18 11:07

اذا تاملنا الفروق السلوكيه التي تميز الشعوب بعضها من بعض، فسنلاحظ ان لكل مجموعه بشريه تعيش في اطار جغرافي او ثقافي مشترك، سلوكيات جماعيه تميزها من المجموعات الاخري. والطريف ان دراسه بعض هذه السلوكيات قد تحمل دلالات عميقه عن الوضع النفسي العام لتلك المجموعه البشريه. واذا دققنا النظر في بعض السلوكيات الجماعيه المتكرره في  الكثير من البلدان العربية، فسنلاحظ انها تعكس في غالب الاحيان حاله من التوتر النفسي المشترك. فما هي هذه السلوكيات؟ واين تكمن مظاهر التوتر المشترك؟

اذا زرت اكثر من بلد عربي، فستلاحظ ان حركة المرور متشابهه، وان قياده السياره في هذا البلد او ذاك قد تكون ضربًا من ضروب المجازفه، وان عبور الشارع قد يتسبب لك بحادث محقق. ورغم ان معظم الشوارع العربيه لا تشكو من نقص في علامات المرور، ولا من ممرات خاصه بالمترجلين، الا ان كل ذلك يبقي مجرّد "ديكور" خارجي لا يلتزم به احد. علي سبيل المثال، ليس غريباً ان تري في عدد من المدن العربيه سيارات مركونه فوق الارصفه، واخري تسير في اتجاه معاكس او ممنوع، او مترجلين يعبرون الشارع في اماكن غير مخصصه لذلك... كل هذه السلوكيات المروريه تعكس حاله من التوتر العام تحول دون احترام قواعد السير، وتجعل المدن العربيه في حاله اختناق متواصل. ليس ادلّ علي هذا التوتر من المشاكسات والخصومات التي كثيراً ما تنشب في الشارع العربي بسبب عدم التقيد باشارات المرور، والتي قد تتطور احياناً الي عنف متبادل.

كثيراً ما تتميز النقاشات العربيه، في العمل او في الشارع او حتي في المقهي، بنبره حاده قد تعطي لغير المطلع علي خصوصياتنا الثقافيه انطباعاً بان الامر ليس مجرّد نقاش حول فكره معينه، وانما هو خصام علي وشك ان يتحول الي عنف جسدي. الطريف ان هذا الاسلوب في الحوار يكاد لا

يتغير بتغير موضوع الحديث، فسواء كان النقاش حول مقابله لكره القدم او مساله سياسيه وطنيه او دوليه او حتي اغنيه لفنان راحل، فان النبره كثيراً ما تخفي في طياتها توتراً عميقاً قد يتحول الي عنف لفظي وجسدي. صارت ظاهره المجادله الساخنه سمه مميزه لبعض البرامج التلفزيونيه، التي يُفترض ان تحترم حداً ادني من الهدوء، مثل برنامج الاتجاه المعاكس علي قناه الجزيره، وقد تحولت فيه بعض النقاشات السياسيه الي سباب لفظي وعنف جسدي مباشر. يُبرز هذا التاهب المستمر للدفاع عن الموقف، بغض النظر عن قيمته ومبرراته وقوه حجته، بنبره حاده تتجاوز اداب الحوار الهادئ، حاله من التوتر الجماعي بات يُميز الشعوب العربية علي اختلاف خصوصياتها اللغويه.

في لحظات الحزن العميق او الفرح الشديد، كثيرًا ما يكون المواطن العربي علي درجه من الاستنفار قد تؤدي به الي عواقب وخيمه. ولعلّ ما حصل في الجزائر عقب ترشح منتخب كره القدم الي مونديال البرازيل اهم دليل علي ذلك. ففي الليله التي ضمن الجزائريون ورقه التاهل، توفي ما لا يقل عن شابين "احتفالاً" بالانتصار. كما لا تخلو بعض المناسبات العائليه مثل حفلات الزواج وغيرها من المناسبات في بعض المناطق العربيه من مظاهر غريبه قد تعرض حياه العشرات الي الخطر، ومنها استخدام البارود والمفرقعات وحتي الاسلحه الرشاشه. اما في حالات الحزن، فالمبالغه تكون عبر التشفي في النفس، ومن منا لم يطّلع علي ما يُسفك من دماء في بعض المناسبات الدينيه في عدد من الدول العربيه ودول الجوار "حزناً والماً" علي احداث معينه في التاريخ العربي الاسلامي.

هذا مشهد اخر يكاد يكون متكرراً في معظم الدول العربيه. تتميز الخدمات الاداريه، في القطاع العام علي وجه التحديد، ببطء شديد. وقد يواجه المواطن تعقيدات لا نهايه لها من اجل الحصول علي وثيقه معينه او اي خدمه مشابهه. رغم الانتشار الواسع للتكنولوجيا الحديثه في مؤسسات القطاع العام في معظم الدول العربيه، فلا تزال الخدمات الاداريه تتسم بقدر كبير من الرداءه، وهذا يُبرز ان للقائمين عليها دوراً في ذلك. عباره "ارجع بُكرا" صارت جواباً جاهزاً يُعفي الموظف من اسداء الخدمه لطالبها. اذا دققنا النظر في هذا التلكؤ من جانب موظفي الاداره في تقديم خدمات ذات جوده محترمه، فسنلاحظ ان للجانب النفسي دوراً في ذلك. فالعمل المضني لساعات متواصله في ظروف غير مريحه وبمقابل مادي سييء ينتج عنه حتماً توتراً نفسياً عميقاً يحول دون تحقيق خدمات ذات جوده.

ابرزت الاحداث السياسيه الكبري التي هزت بعض الدول العربيه، والتي ادّت الي اسقاط بعض الانظمه القمعيه، الي وجود فهم خاطئ لمبدا الحريه، الذي يُفترض ان يكون من اهم ما جاءت به الانتفاضات الشعبيه. علي سبيل المثال، ارتفعت في هذه البلدان وتيره المطالب الاجتماعيه، مثل تحسين الاجور وظروف العمل، ولكن باسلوب لا يرتكز علي فهم صحيح لمفهوم الحريه، فصار البعض يعمد الي غلق الطرق، وتعطيل المصالح العامه، ووصل الامر الي استخدام السلاح لحمل الدوله علي تحقيق مطالب قد تكون في احيان كثيره علي حساب المصلحه العامه. يدلّ هذا السلوك ايضًا علي حاله من الانفلات العام الذي يُميّز المزاج العربي الجماعي، وهو ايضًا ناتج عن حاله من التوتر المزمن الذي تراخت ضوابطه بزوال القمع.

Comments

عاجل