المحتوى الرئيسى

الهبَّة الشعبية وشروط التحول إلى انتفاضة

10/17 10:28

مع دخول موجه التحركات الشعبيه اسبوعها الثاني بتعبيراتها التي تتراوح بين اشكال التظاهر والاشتباك بالحجاره وقنابل المولوتوف مع حواجز الاحتلال العسكريه وبؤر مستعمريه وقواته الاحتلاليه المتحركه في اكثر من مدينه وقريه داخل الضفه الغربية المحتله ــ تكون الحركه الوطنيه بقواها السياسيه المنظمه والاطارات الشبابيه المستقله «ذكورا واناثا» في الجامعات وبدرجه اقل في الثانويات، قد برهنت علي قدره واضحه في الحفاظ علي ديمومه المواجهات في العديد من نقاط الاشتباك.

كانت وما زالت وستبقي مدينة القدس المحتله، خاصه قسمها الشرقي، باحيائه وقراه ومخيماته، هي صاعق التفجير في ايه مواجهات تشهدها الضفه المحتله. مكانه القدس ورمزيتها الدينيه الاسلاميه والمسيحيه، وبشكل خاص ما يتعرض له المسجد الاقصي من اقتحامات شبه يوميه من اليهود الصهاينه، ومن قرارات خطيره لحكومه العدو تبيح «التقسيم الزماني والمكاني» بين المسلمين واليهود، وهو ما اشار اليه الكاتب والمحلل السياسي، الكس فيشمان، اخيرا في صحيفه «يديعوت احرونوت»، بقوله: «ان حقيقه التحريض حول ما يطلقون عليه الاخلال بالوضع القائم في المسجد الاقصي هو الرافعه المركزيه لتصعيد المواجهات في القدس، وهذا الامر هو سبب الاشتعال المركزي لما يحدث اليوم».

كما ان الجريمه الوحشيه التي تعرضت لها عائله الدوابشه، بالاضافه لتنفيذ عدد من القرارات المجحفه بحق المواطنين العرب المتعلقه بالبيوت (الاستيلاء عليها وطرد اصحابها او هدمها تحت حجج واهيه، وفرض الضرائب علي المحلات التجاريه العربيه، وسحب الهويات)، عملت جميعها علي سكب البنزين علي الجمر الكامن، فكانت الهبه المتدحرجه من حي الي مخيم، ومن حاره الي قريه في داخل منطقة القدس الكبري. وقد ساعد في تفجرها بهذا الشكل، خروج المنطقه عن سطوه القوي الامنيه للسلطه. هذه الهبه ترافقت مع العمليات الفرديه البطوليه التي مهدت لها او ترافقت معها: الطعن بالسكين والدهس والزجاجه الحارقه والسلاح الناري، ما ساعد في توهج شراره القدس ووصول نيرانها الي مناطق عديده من اراضي الضفه، وبعض المدن والبلدات المحتله منذ عام 1948.

شكلت تلك العمليات علي مدي الخمسه عشر شهرا الماضيه، محطه مهمه علي طريق المواجهات، والرد علي جرائم القتل التي قامت بها عصابات الاجرام: جيش الاحتلال وعصابات المستعمرين «المدنيه» كجماعات «تدفيع الثمن». وتاتي اهميه واستثنائيه تلك العمليات من كونها احد اشكال الرد الفردي ــ سواء العفوي المستقل او المرتبط باحد التنظيمات ــ علي مجازر العدو، في فترات الكُمون الشعبي الناتجه من/ والمرتبطه بوظيفه السلطه في تعميم اجواء السلام الموهوم والرخاء الاقتصادي الكاذب، وملاحقتها المستمره لاعتقال المقاتلين، حمله السلاح المقاوم في الكتاب والسرايا والالويه المقاتله. لقد اثبت ابطال وبطلات السلاح الابيض، حضورا بارزا في الاسبوع الاول من عمر التحركات/ الهبه، الحاليه، في مدن عده بالضفه، وبعض مستعمرات الوطن المحتل منذ عام 1948 (تل ابيب وبتاح تكفا وكريات غان والعفوله). هذه العمليات، اسفرت عن سقوط منفذيها/ منفذاتها، شهداء/ شهيدات باسلوب الاعدام/ التصفيه الفوريه، لكنها شجعت قطاعات شعبيه للدخول لارض المواجهات التي سالت فيها دماء مئات عده من الجرحي/ الجريحات، في اكثر من مائه نقطه اشتباك. لكن التطور المهم كان في طبيعه المواجهات الشعبيه الواسعه، التي استخدم فيها السلاح للتصدي لقوات العدو التي حاولت اقتحام مخيم «شعفاط» القريب من القدس المحتله للوصول الي منزل منفذ احدي عمليات الطعن في القدس صبحي ابو خليفه.

ارخت التحركات الشعبيه والعمليات الفرديه بظلالها القاتمه علي حكومه العدو في كيفيه التعامل مع الحدث الراهن، كما كشفت ردود الفعل الحكوميه الحاله المازومه التي تعاني منها السلطه القياده العسكريه، وطبيعه التباينات مع القياده العسكريه والامنيه، ليس في قراءه الحدث بل وفي طريقه التعامل معه. وما بين جلسات الطاقم الوزراي المصغر والاوامر الصادره تتوضح حاله التازم: الغي نتنياهو زيارته المقرره لالمانيا، قرارات الحكومه بمنع دخول الوزراء والمسئولين الرسميين والحزبيين الي ساحات المسجد الاقصي، تشديد الاجراءات الرقابيه الامنيه علي شبكات التواصل الاجتماعي، نداء وجهه نائب وزير الحرب ايلي بن دهان ورئيس بلديه القدس المحتله نير بركات لكل مستعمر/ مستوطن لديه رخصه حمل سلاح بان يحمل سلاحه اثناء تجواله، اوامر باطلاق الرصاص علي النشطاء في التظاهرات، وضروره القمع السريع للتظاهرات التي انطلقت في الناصره ويافا وكفر كنا واللد وعرابه الجليل وسخنين تضامنا مع الضفه والقدس.

بعض الكتاب والمعلقين الامنيين في الاعلام راوا في الاجراءات الحكوميه التصعيديه التي اقرتها الحكومه (توسيع الاعتقالات والعقوبات الجماعيه وهدم للبيوت واطلاق الرصاص بشكل كثيف) انها ستعمل علي تحفيز الفلسطينيين ودفع قطاعات جديده منهم للتظاهرات وعلي مواصله الصدام. ويبدو ان تازما جديدا برز بين اعضاء التحالف الحكومي، بسبب معالجه الحكومه للتحركات الشعبيه الغاضبه، في الضفه والقدس وغزه والداخل المحتل عام 1948، وهو ما ظهر في كلام نتنياهو، اخيرا، عن ضروه تاليف حكومه «وحده وطنيه» مع ائتلاف المعارضه «المعسكر الصهيوني».

وضعت عمليات الطعن وسقوط سبعه عشر شهيدا ونحو الالف جريح ومئات عده من الاصابات بالاختناق حتي الان، سلطه المقاطعه في موقف صعب. لكن رئيسها بقي مصرا علي مواقفه «التصالحيه والسلميه وضد السلاح والعنف» كما جاء في اكثر من لقاء اعلامي واحاديث متعدده.

واللافت، ان التنسيق الامني ما زال فاعلا، كما كتب عاموس هرئيل في «هاارتس» قبل ايام (التنسيق الامني بين اسرائيل والسلطه مستمر، لكن مستواه يتغير من منطقه الي منطقه. لكن المطمئن ان عددا كبيرا من كوادر وقواعد حركه فتح لهم رؤيه اخري تعبر عنها مشاركتهم بالمواجهات واستخدامهم للسلاح بشكل محدود». مع تحرك مئات عده من شباب قطاع غزه بتظاهرات داعمه للهبه الشعبيه في القدس والضفه المحتلتين، تكون مناطق جديده قد انخرطت في المواجهه مع الغزاه المحتلين. وتبرز اهميه اشكال الدعم الممهوره بدماء شهداء عده وعشرات المصابين بنيران قناصه الحواجز العسكريه المقامه عند نقاط محدده محاذيه للاسلاك الشائكه التي تفصل القطاع عن المناطق المحتله عام 1948، بكونها جاءت من القطاع المقاوم، بكل ما يعنيه من سلاح ومقاتلين، ولهذا يتطلب اقرار خطوات الدعم والاسناد، الوصول لقراءه موضوعيه لتفاعلات الحدث، وبالتالي، بحث اساليب المشاركه، سواء بالسلاح «الصواريخ او الدوريات/ المجموعات المقاتله» ومالاته وانعكاساته علي القطاع، او بنشاطات تضامنيه متعدده.

ان درجات عاليه من التنسيق بين القوي الفصائليه اولا والاطر الشعبيه/ الاهليه، مطالبه بان تقرر اشكال الانخراط في الهبه الشعبيه الواسعه، لتاكيد وحده الشعب ووحده الوطن ووحده المصير.

اثبت جيل التحدي والمقاومه والتحرير، الذي يقود في نقاط الاشتباك وميادين المواجهات، معركه حريه الوطن والانسان العربي الفلسطيني، من خلال عروبة القدس، والمقدسات الاسلاميه والمسيحيه، درجه عاليه من الوعي السياسي الوطني، التحرري والجذري، كما عبَرت عنها المقابلات الاعلاميه التي اجريت مع العشرات من الشباب والصبايا علي ارض المواجهات.

ان غالبيه هذا الجيل الذي وُلد ما بين الانتفاضتين الاخيرتين (1987ــ 2000) تَعَرفَ الي نتائج اوسلو الكارثيه في الواقع المعاش سياسيا واقتصاديا، وعاني بالم وغضب، من عار التنسيق الامني، وخاصه النشطاء منهم «قمعا وملاحقه»، ومن بؤس البرنامج الاقتصادي الذي تعتمده السلطه.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل