المحتوى الرئيسى

ماجد القاضي يكتب: The Martian: الخيال العلمي كما ينبغي أن يكون! | ساسة بوست

10/16 21:32

منذ 4 دقائق، 16 اكتوبر,2015

The Martian او (المريخي) فيلم خيال علمي امريكي انتاج 2015م من اخراج (ريدلي سكوت) ومن بطوله (مات ديمون)، وهو ماخوذ عن روايه بنفس الاسم للكاتب (اندي وير). يحكي عن رائد فضاء تركه افراد بعثته علي المريخ اعتقادا منهم بانه مات اثناء عاصفه مفاجئه، وكان عليه ان يبقي حيا باستخدام الموارد المحدوده لديه؛ حيث لم يكن لديه وسيله اتصال مع رفاقه او مع الارض، وكان عليه انتظار البعثه التاليه الي المريخ المقرر لها – حسب برنامج ناسا – ان تصل بعد اربع سنوات!

تيمه قديمه، في حله جديده

تقوم حبكه الفيلم علي تيمه (روبنسون كروزو) القديمه: الكارثه التي تجبر البطل علي البقاء وحيدا فوق جزيره منعزله، وعليه ان يوظف كلا من علمه ومهاراته الشخصيه ومكونات البيئه المحيطه ليبقي حيا لاطول فتره ممكنه املا في نجده قد لا تاتي ابدا. وهي التيمه نفسها التي اعيد استخدامها بنجاح كبير في فيلم Cast Away برؤيه انسانيه اكثر عمقا، الجديد هنا ان الاحداث تدور في جو اكثر ابهارا استبدلت فيه الجزيره بكوكب مقفر بعيد عن الارض، وهنا ايضا اثبت صانعو الفيلم ان تكرار التيمه ليس مبررا للفشل، طالما كان الابداع المدعوم بالعمل المحترف متوافرا!

هذه المره صارت التحديات مختلفه تبعا للبيئه الجديده؛ فكان علي البطل ليس فقط البحث عن غذاء وماء صالِحَيْن، ولكن توفير الاول في بيئه غير صالحه للحياه، وتخليق الثاني كيميائيا، ثم كان عليه التوصل الي طريقه للاتصال بالارض، وبعدها البحث عن مصدر اطول عمرا للطاقه للوصول الي منطقه هبوط البعثه التاليه التي تبعد عن موقعه 3800 كيلو مترا، فضلا عن مشكلات اخري فرعيه عديده لم تتوقف حتي الدقائق الاخيره من الفيلم!

الخيال العلمي كما ينبغي ان يكون

اري ان الفيلم يعتبر نموذجا مثاليا لفئه “الخيال العلمي”، فالمؤلف يبني قصته العلميه علي احداث خياليه، لكنها متسقه مع نظريات حقيقيه وقائمه علي تقنيات علميه موجوده بالفعل؛ مقدِّما مشكله متوقعه و”واقعيه” – ان جاز التعبير – يمكن ان تقابل العلماء عند تحقيق احد الاحلام العلميه الحاليه، وهو حلم اول هبوط بشري علي المريخ، حيث يقوم بدور من اهم ادوار الخيال العلمي، وهو استباق المشكلات التي قد تنتج عن التقدم العلمي في مجال ما ووضع حلول منطقيه لها!

الممتع في هذا السياق والجدير بالذكر ان الفيلم لم يقدم – اثناء حل كل العوائق التي قابلت البطل – ايه تقنيه لا تملكها وكاله (ناسا) في الوقت الحالي؛ فلا اجهزه مستقبليه متطوره، ولا تطبيقات لنظريات علميه ما زالت طور التشكك والاثبات، وهو – في ظني – ما جَرَّاَ صانعي الفيلم علي عدم الاشاره الي ان احداثه تدور في زمن مستقبلي؛ فاللجوء الي تصور زمن مستقبلي للفيلم، ليس الا بسبب خياليه “مكان” المشكله وليس “زمانها”، بينما جميع مفردات الحل تنتمي الي زمننا الحاضر!

وكانهم يقولون – بلسان الحال -: لقد وصل البشر الي المريخ بمركباتهم، وصوروه ودرسوا عيناته دراسه متعمقه، ولديهم عنه معلومات تفصيليه منذ زمن بعيد، فلماذا نفترض ان الفيلم يدور في المستقبل لمجرد ان الانسان لم تطا قدمُه ارض الكوكب بعد، وهو ما صار قاب قوسين او ادني من التحقق؟

وهذا حقيقه ما يجعلني لا اعتبر فيلما مثل Gravity من فئه الخيال العلمي؛ فهو يقدم مشكله تواجه رائده فضاء بعد حادثه تحطم تصيب محطه الفضاء الدوليه التي تدور حاليا حول الارض! اذن جميع مفرداته تنتمي لواقعنا بلا اي استثناء، فلماذا نعتبره من الخيال العلمي لمجرد ان احداثه تدور “في الفضاء”؟

Matt Damon portrays an astronaut who faces seemingly insurmountable odds as he tries to find a way to subsist on a hostile planet.

علي الرغم من الطول النسبي لمده عرض الفيلم – 140 دقيقه – وجنوح الاحداث الي فترات هدوء اضطراريه، الا ان المؤلف كان يستغلها في مزيد من التعرف علي البطل من خلال مذكراته المصوره التي يسجلها بانتظام، والتي اضفت علي الفيلم جوا من المرح المقبول ولحظات متناثره من الكوميديا غير المفتعله، وكذلك ساعدت المشاهد علي استيعاب طبيعه كل مشكله تواجه البطل وتصوره لحلها، ومن جهه اخري كان المؤلف يقطع فترات الهدوء تلك من حين لاخر بمشكلات جديده غير متوقعه في تسلسل صنع عده ذِروات جَذَبت المُشاهِد الي اخر لحظه قبيل انقاذ البطل!

ولا يفوتني ان اشيد بجانب اخر امتعني – كمشاهد وليس كمتخصص في العلوم – وهو ان الجوانب العلميه في الفيلم لا تحتاج الي خلفيه علميه عميقه لفهمها، كما ان شرح التفاصيل العلميه كان موجزا وواضحا ولا يحتاج الي محاضرات مطوله كما في افلام اخري دفعت البعض لان يكتب عن نظريات علميه معينه علي المشاهد ان يلم بها قبل مشاهده تلك الافلام!

اذن فالفيلم طرح “خيالا علميا صعبا” Hard Sci-Fi من النوع الرصين الذي يهتم بالتفاصيل العلميه الدقيقه، وفي نفس الوقت لم يُغرِق بشكل زائد في فلسفات وجوديه او تعقيدات علميه مرهقه للمتابع!

علي الجانب الاخر لم يكن هذا التبسيط مقبولا فيما يخص الشخصيات، وهو ما حدث وكان سلبيه انتقصت من واقعيته، وان كان هذا مقبولا في حاله الشخصيات الثانويه – التي اتت بالفعل نمطيه للغايه – فهو غير مقبول في حاله البطل – الشخصيه الرئيسه ومحور الاحداث – الذي من الافضل لو كان اقل بطوله او “اكثر بشريه”؛ فقد كان – في غالب الوقت – واثقا في نفسه ومن نجاح خططه في مواجهه المشكلات المختلفه، كما كان يتميز بثبات عصبي ونفسي اكبر من المتوقع في مثل هذا المازق الكبير الذي كان يعيشه، سيما وهو حتي مرور ثلاثه اشهر، لم يكن لديه اي مؤشر علي ان العلماء علي الارض انتبهوا لكونه علي قيد الحياه!

وكنت امني نفسي صراحه بمشاهد عبقريه من طراز مشاهد توم هانكس في Cast Away مع صديقه ويلسون، الكره التي انهار البطل من اجلها باكيا عندما فرقتهما الامواج! ولكني للاسف لم اجد مثل هذه اللحظات الثريه بالمشاعر المصوِّره لجوانب الضعف البشري والتي كانت ضروريه لاضفاء مزيد من الواقعيه علي الفيلم!

* لستُ ناقدا متخصصا؛ لذ اشير سريعا لانطباعاتي كمشاهد حول بعض الجوانب الفنيه التي اعجبتني؛ فالمؤثرات البصريه مع الالوان ولقطات التصوير البانوراميه البعيده جعلوني اعيش اكثر من ساعتين بالفعل علي سطح المريخ، رغم علمي مسبقا بان مواقع تصوير جبال المريخ كانت في وادي “رم” بالاردن! اما الديكورات الداخليه – التي تم تشييدها في بنايه عازله للصوت في هنغاريا – فكانت مصنوعه بدقه مبهره، واداء البطل (مات ديمون) كان مميزا للغايه وقربه من قلب المشاهد، والموسيقي كانت موظفه جيدا مع تصاعد الاحداث وهبوطها، وكذلك في التعبير عن نفسيه البطل، خاصه اغاني ديسكو السبعينات التي لم يجد غيرها في متعلقات رفاقه!

* لا اعرف لماذا لم تظهر عائله البطل في الاحداث نهائيا رغم ذكر البطل لوالديه وارساله رساله لهما تقرا عليهما في حاله موته، لكني اعرف ان هذا مما حَرَمَنا ايضا مشاهد كانت ستزيد الفيلم ثراء علي المستوي العاطفي!

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل