المحتوى الرئيسى

يوسف ناصف يكتب: هل يكون الحل في تقديم الحل؟ | ساسة بوست

10/16 07:35

منذ 23 دقيقه، 16 اكتوبر,2015

عالم الافكار عالم لا يحده مكان ولا توصده ابواب، عالم خفي مليء بالصراعات والحروب، والفائز هو من يصيغ عالمنا المنظور،.

“وما ميلتون الا مثال صارخ علي قوة الفكره وتاثيرها” ناعومي كلاين.

المقال السابق كان مختزلًا بعض الشيء، ولان اختزال الفكره قد يكون اشد خطرًا من الجهل بها، انصح بالعوده الي كتاب ناعومي كلاين “عقيده الصدمه – The Shock Doctrine” لتتبع الفكره ما بين انقلابات امريكا الجنوبيه في الارجنتين وتشيلي، الي جنوب شرق اسيا واستغلال الكوارث الطبيعية واقتصاد اعاده الاعمار، الي دول العالم الأول الناطقه بالانجليزيه وتجربه مارجريت ثاتشر مع خفض الإنفاق الحكومي في بريطانيا “وخلق حاله الحرب حول جزر فوكلاند” الي حكومه ريجن في الولايات المتحده، اما عن بلادنا العربيه فحدث ولا حرج (يمكن مثلًا الرجوع الي كتاب جون بركنز “يوميات قاتل اقتصادي”).

ورغم تعدد كل تلك الامثله، تبقي الفكره بسيطه في جوهرها، استخدام – او استحداث – الصدمات لتطويع الجماهير وجعلها اكثر تقبلًا لشكل “انقي” من الراسماليه المتحرره. وبرغم هذه البساطه، شكلت فكره ميلتون عقده وثيقه وركنًا ركينًا من الفلسفه الاستعماريه في عصر ما بعد الحداثه، حيث اخذت الجيوش القوميه في الاندثار، وحلت البضائع محل الذخائر، واصبح بامكانك احتلال البلاد عن طريق الموسيقي وشطائر البرجر، واصبحت عقائد الشعوب يحددها نوع المياه الغازيه التي يستهلكونها!

“كيف نتوصل الي حل هذه السرديه السوداويه؟!” كان هذا هو ذات السؤال الذي طرحته – في طفولهٍ فكريهٍ – علي عبد الرحمن ابو ذكري علي هامش ندوه لمناقشه روايه ما وكان موجودًا بصفته ناشرها، فاوضح: “مع كل فكره اناقشها لا اكتفي ابدًا بالتفكيك، ولكن حينما انتهي منه ابدا في بناء الفكره المرجوه”.

فلضيق المساحه اكتفيت بتفكيك جوهر ركن “ميلتون” دون التعرض الي البناء المغاير، منتظرًا ذلك التعليق المليء بعلامات الاستفهام “ما الحل؟”.

اولًا وقبل كل شيء، يجب ان نتيقن من شيء ما، انه لا يوجد حل! بمعني انه لا توجد خطوات محدده سلفًا يمكننا اتباعها لمحاربه الفكره، نعم يمكننا محاربه وسائل ميلتون، ويمكننا مقاومه الصدمات، لكن تبقي الفكره في جوهرها لم تمس.

لست متخصصًا في النظريه الاقتصاديه، ولا حتي طالبًا في كليه السياسه والاقتصاد، ومع ذلك تبقي اولي خطوات المقاومه الفكريه او حتي بناء الفكره الخاصه هي دراسه الفكره دراسه اكاديميه تحليليه تهتم بمعالمها وحدها وقوتها ومساوئها وتحليلها تحليلًا مبنيًا علي فلسفتها واعراضها.

بعد التفكيك يبقي هنالك خياران، اما نقض الفكره من داخلها – من داخل المدرسه – نقضًا اكاديميًا ينجم عنه بناء نسخهٍ منقحهٍ علي انقاض الاولي، او وضع مذهب مقابل علي الطرف الاخر من الثنائيه الفكريه، يبقي ذلك الخيار دائمًا هو الخيار الاسهل، ولكنه حكم بالاعدام علي الفكره الوليده، تمامًا كنموذج الماركسيه في مواجهه الراسماليه والسوق الحر، فمنذ اليوم الاول عرفت الماركسيه نفسها علي انها “نقض راس المال” وكانها كيان يعتمد في بقائه واستمراريته علي وجود النقيض، مجرد رد فعل يحتاج الي الفعل كي يوجد، بدونه يفقد معني الوجود.

يمكن تحري هذا النسق وبقوه في ادبيات المعارضه والمقاومه وبالذات في عالمنا حيث تفشي الافلاس الفكري، فهو دائمًا المسار الاسهل، تعريف فكرتك بانها “نفي غيرها”، مسار لا يمتلك اليات – او في بعض الاحيان نيه – احداث التغيير الثوري الراديكالي المطلوب، اما امتلاك المبادره وفرض الفلسفه الخاصه، فذا مسار مختلف تمامًا.

كيف تصيغ فلسفتك الخاصه في عشر خطوات دون معلم؟!

اذا قالها لك شخص ما، فتيقن انه اما مختلٌ او كذاب، تمامًا كذلك الذي يدعي ان هنالك مانيفستو او طريق اوحد هو الصحيح. حتي الله سبحانه لم ينزل علينا كتابًا من عنده به نظريه سياسيه اقتصاديه متكامله للحياه، وانما ابتعث رسوله محمد عليه افضل الصلاه والتسليم، بحدود يحتد بها المؤمن، فلا يسرق ولا يغش ولا يتعامل بالربا، واحكام ليرتقي بها الفرد عن حياه الجاهليه – ولعللٍ اخري قد لا يعلمها الا هو – ثم العقيده، بذره فلسفيه، ورؤيه مبدئيه للعالم، يبني عليها المرء نظرياته وتصوره عن الحياه وما فيها، بما يتوافق مع الاحكام ولا يتعارض مع الحدود.

كيف تصنع اذًا عالم افكارك الخاص؟ تضرب بعمق تراثك المحلي والعرقي “في حالتنا الاسلاميه” باحثًا عن لب فلسفتك، تصيغ قيمك المرجوه في مجتمعك الطوباوي “الجيل الاول”، تدرك موقفك من الافكار والفلسفات المختلفه والملاحم الفكريه الكبري، ثم تبني عليها ما يتوافق معها ومع موقع قدميك في عالمك المعاصر والاته.

في تجربه تشيلي، قد يكون سيلفادور الليندي قد بحث مطولًا ووجد ان الماركسيه تصلح في مواجهه توغل الراسماليه في بلاده، ولربما كانت تتوافق مع معتقده، ولكنني اؤمن بانه كان مخطئًا، فاي ايديولوجيا/فكره/فلسفه ما هي الا وليده اجتهاد عقلٍ بشري في ثقافه ما، وانتزاعها من حاضنتها سيؤدي ولا شك الي تشوه فكري مركب. لتطوير واحياء عالم افكارنا يلزمنا الان عشرات السنين من التنظير ما بين اروقه الجامعات واروقه الجوامع، ومن يظن ان هذا اضاعه للوقت فليقل لي كم مائه عامٍ فقدنا – في تخلف فكري منقطع النظير – ثمنًا لتلك العشرات القليله؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل