المحتوى الرئيسى

عودة: غياب التوثيق يخلق فجوات في التاريخ

10/15 15:24

تركّز المترجمه الباحثه والاكاديميه الفلسطينيه عبله عوده علي مساله التوثيق في القضية الفلسطينية، وتلفت الي ان غيابه يخلق فجوه ويساهم في الانقطاع عن التراث والتاريخ، ويبعد عن تقييم التجربه التاريخيه ومحاوله ترميمها واصلاحها.

كما تبقي عوده -التي تدرّس اللغه والثقافه العربيه في جامعة أدنبرة بالمملكه المتحده- منشغله بهموم الترجمه وقضايا الاندماج والهويه، ناهيك عن تركيزها علي اللغه العربيه في الغرب، ودورها في التعريف بالقضايا العربيه، والتاريخ العربي والاسلامي بعيدا عن الصور النمطيه الدارجه لدي عدد من الغربيين.

التقت الجزيرة نت عبله عوده في جامعه ادنبره، وكان الحوار التالي عن عملها في الترجمه والبحث والتوثيق.

 كيف تنظرين الي الترجمه، والي اي حد يكون التاثر والتاثير بالمؤلفات التي تقومين بترجمتها الي العربيه او الانجليزيه؟

اري الترجمه ثقافه اجباريه، فحين تقرا يمكن ان تمرر بعض الصفحات او تتجاهلها، او تغض النظر عنها، لكن وانت تترجم لا يمكن ان تتجاهل اي تفصيل، ولا حتي علامه ترقيم، لا بد من التدقيق والتشديد ومراعاه الامانه العلميه.

اترجم بشكل اساسي مع مشروع "كلمه" الذي اري فيه مشروعا رائدا وطموحا، فهو يختار كتبا من عيون الادب والمعرفه في العالم لتقديمها للقارئ العربي العادي والباحث المتخصص علي حد سواء. ترجمت "تكايا الدراويش: الصوفيه والفنون والعماره في تركيا العثمانيه" تحرير رايموند ليفشيز، وقد تعرفت من خلاله عن قرب الي الطرق والفرق الصوفيه، ووجودها في الثقافه العثمانيه قبل ان تتم محاربتها بذريعه العلمانيه بعد سقوط الامبراطوريه العثمانيه، وهذا الكتاب يعرض هذا الجانب الروحاني الذي اعتقد انه هام جدا لبلداننا، اذ لا يمكن الغاء روح الشرق، ولا اعتماد علمانيه جافه تقصي الروحانيات. استفدت من ترجمتي لهذا الكتاب واستمتعت بها، فقد ارجعتني لقراءه عدد من شيوخ الصوفيه مثل ابن عربي وجلال الدين الرومي.

 ماذا عن الكتاب الاخير الذي انتهيت من ترجمته مؤخرا، والي اي حد ساهم باعادتك الي عوالم الشرق واساطيره من خلال "الف ليله وليله"؟

اعاد كتاب "السحر الاغرب: مشاهد فاتنه من وحي الف ليله وليله" للباحثه مارينا وورنر، الاستاذه في جامعة اوكسفورد، صلتي بـ"الف ليله وليله" التي هي جزء من تراثي.

قرات معظم الليالي، درستها وانا اترجم الكتاب الذي يقتفي بدايه عصر التنوير في الغرب، وبدايه دخول اوروبا في عصر الحداثه، حيث كانت قبل ذلك مجتمعات منغلقه محافظه محكومه داخل الاطار الديني المتشدد علي صعيدي الفكر والجسد، والافكار الحميمه كانت في عداد الممنوعه، وكان الخيال والابداع محاربين بطريقه ما.

"الف ليله وليله" التي تعرّف اليها الغرب بدايه عن طريق ترجمه الفرنسي انطوان غالان، التي تعتبر في بعض جوانبها بمثابه تاليف، واعاده صياغه وكتابه لبعض الليالي، تلك الحكايات ادهشت الجمهور الغربي، الذي احب فكرتها واجواءها، وشكلت بدايه ثوره لهم للتعبير عن ما يعتمل في صدورهم وقلوبهم وافكارهم.

هناك من تلقفها من منطلق عدائي، ووضعها في سياق الصدام مع الشرق، ولا سيما ان التوترات والحروب كانت قائمه مع السلطنه العثمانيه التي كانت تشكل تهديدا للغرب، وحاول شيطنه السلطنه العثمانيه والعرب والمسلمين عبر الف ليله وليله، في مسعي لعدم اعطائها حجما كبيرا، وهناك من استفاد من جموح الخيال فيها واعجب بحكاياتها وكتب عنها وصاغ علي منوالها قصصا وروايات تنتقد النظم الملكيه الاوروبيه انذاك، بالاضافه لممارسات الكنيسه عموما، ولا سيما الكنيسه الكاثوليكيه، ومن هؤلاء غوته وفولتير ووليم بيكفورد وغيرهم من مفكري عصر التنوير.

رجعت اثناء ترجمتي لهذا الكتاب الي كثير من المصادر عن الاساطير والحكايات في الشرق والغرب، نتيجه لسعه الكتاب ومصادره واحالاته، فقد صاحب الترجمه جهد بحثي مضن. عمل الباحثه مارينا وورنر اقرار بالحق، واعتراف بفضل الف ليله وليله وتاثيرها الهام جدا الذي لا يمكن اخفاؤه علي حركه التنوير.

 يشكل التوثيق احد همومك الدائمه وجانبا من ابرز انشغالاتك في البحث والترجمه، فما الذي تحدثيننا به عن هذا الامر؟

للتوثيق اهميته في التراكم التاريخي المعرفي، ذلك ان غياب التوثيق يخلق فجوه ويساهم في الانقطاع عن التراث والتاريخ، ويبعدنا عن تقييم التجربه التاريخيه، وعن محاوله ترميمها واصلاحها. ولا اري ان التقييم مبكر باي شكل من الاشكال، ولا سيما اننا استنفدنا الحلول والبدائل المتاحه كلها. استنفدنا السياسه والسلاح وخيار الدوله. ونحن امام مرحله استحقاقات مهمه للتقييم، وللبحث عن خيارات جديده، اذا اردنا لحقوقنا ان تظل موجوده، ولقضيتنا ان تبقي مستمره. ولن يكون التقييم ذا جدوي الا من خلال التوثيق.

 هل تاتي ترجمتك لكتاب "ليلي خالد.. ايقونه التحرر الفلسطيني" للانجليزيه ساره ارفنغ في سياق التوثيق الذي تشتغلين عليه؟

انا مهمومه بموضوع التوثيق في القضيه الفلسطينيه واكرس جزءا من وقتي لذلك. ليس لدينا ما يكفي من التوثيق للحركه النضاليه الفلسطينيه، وهذا مؤسف للغايه. ليس لدينا كتب توثيقيه عن تجارب كثير من الشخصيات الفلسطينيه المؤثره، وليس هناك توثيق حقيقي للتنظيمات الفلسطينيه وعملها منذ بدايه تكوينها حتي الان.

مؤلفه الكتاب ساره ارفنغ، باحثه انجليزيه متضامنه مع القضيه الفلسطينيه، ولها عدد من الابحاث والمقالات في هذا الموضوع، وكتابها هذا وثيقه هامه عن امراه سياسيه حزبيه يساريه فلسطينيه، وهذه ادوار تدعو للتوثيق المحايد، كاقل ما يمكن. كفلسطينيه، اري انه حان الوقت لتقييم تجاربنا كحركه نضاليه فلسطينيه، ومراجعه وتقييم اسباب فشلنا. لا بد من تقييم التجربه عبر التوثيق لها.

 عملت في اكثر من مكان في العالم العربي وفي بريطانيا، ما الفروقات والتحديات التي لمستها في المجال الاكاديمي؟

الفروقات كبيره جدا. من خلال تجربتي المباشره في التعليم العالي في اكثر من مكان في العالم العربي، وتجربتي هنا في بريطانيا، هناك فروقات في المنهجيه، وفي الماده التعليميه نفسها. وهناك التربيه الديمقراطيه التي تحكم علاقات الطلاب والاساتذه والمؤسسه كذلك.

الاختلاف موجود ايضا في المعايير الاكاديميه وعمليات التقييم واحكامه، ومنظومه البحث العلمي التي تعد من اولويات اي جامعه بريطانيه، اذ دون تقديم حصه كافيه من الابحاث سنويا لا تحصل الجامعه علي تمويل من الحكومه ولا من المؤسسات الخاصه.

 تعيشين بين ظهراني المجتمع البريطاني، وتعملين فيه، كيف تنظرين الي جانب الاندماج وقضيه الهويه، ولا سيما انك تدرسين الثقافه العربيه وتداخلاتها مع الغرب؟

لا شك ان غياب الديمقراطيه هو اساس المشكلات الاجتماعيه والسياسيه في مجتمعاتنا العربيه، وفي الغرب لا بد من الاشاره الي ضروره الاندماج في المجتمع الجديد، والاستفاده من الفرص المتاحه في التعليم، والعمل، والثقافه، وفي جميع المجالات التي توفرها الدول الغربيه للجميع بدون مقابل عقائدي او مادي.

والاندماج لا يعني ان يتخلي الشخص او المهاجر عن هويته ويفقد شخصيته علي الاطلاق. في الهويه تميز لافت، وهي تجسد ثراء الاختلاف، وتساهم في بناء مواطن متعدد الثقافات، وهذا يكون اكثر ثراء من القادم من مرجعيه واحده وثقافه واحده.

الاندماج والحفاظ علي الهويه يتكاملان من خلال الابقاء علي ايجابيات الموروث الثقافي في التراث، والطعام، والطبخ، والروحانيات، نجمعها مع الجوانب الايجابيه في المجتمع الجديد المتمثله في اخلاقيات العمل، والالتزام بالقانون واحترام الاخرين، والابتعاد عن الانغلاق والتقوقع، والعدوانيه المبطنه تجاه المجتمع الجديد، لانها تخلق في اذهاننا مخاوف لا داعي لوجودها اساسا. والاندماج يساهم في اثراء الهويه، والخروج من الاطار الضيق نحو رحاب الانسانيه، ويساهم في التصالح مع الذات والمحيط، وينعكس بشكل ايجابي علي حياه المرء وتحقيق اهدافه.

 تعملين في قسم الدراسات الاسلاميه والشرق اوسطيه في جامعه ادنبره، وهو قسم عريق جدا، وتدرسين اللغه العربيه للناطقين بغيرها، فكيف تلمسين النظره الي الشرق واللغه العربيه؟

قسم الدراسات الاسلاميه والشرق اوسطيه هنا ضد الاستشراق بمفهومه السلبي، ويضم عددا من الباحثين والمستشرقين البارزين الذين يشكلون حلقه وصل بين حضارتين وثقافتين. ادرّس في برنامج الماجستير في اللغه والثقافه العربيه للطلاب الاجانب. وقد دفعني التدريس الي مراجعه افكاري وقدراتي من ناحيه اللغة العربية الفصحى، وجعلني اتصالح مع العاميه. لم اكن اسمح لنفسي بالعاميه اثناء محاضراتي، الان صار مطلوبا مني ان اقوم بتدريس الفصحي والعاميه معا. ادرّس الفصحي كي يتعلم الطلاب القراءه والكتابه، والعاميه كي يتواصلوا مع الاخرين في حياتهم اليوميه ويتفاعلوا معهم، ولا سيما اثناء زياراتهم للبلدان العربيه.

في القسم نحن معنيون بتهيئه الطلاب للقراءه والكتابه وتوفير لغه واساليب التخاطب اليوميه في الان ذاته. انها تجربه جديده. وبعيدا عن الهجوم علي العاميه، وتجاهلها، تعلمت الا احط من شانها في التدريس الاكاديمي، لانها باتت جزءا منه بالنسبه لي.

 ما الصعوبات التي تواجهينها اثناء عملك في الترجمه؟

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل