المحتوى الرئيسى

السياسة على إيقاع الزار

10/14 08:40

الانهيار المالي والادبي للاعلام المصري ياتي مدويا، بحجم الجرائم التي قادتنا جميعا الي هنا، واولها «توسيد الامر لغير اهله».

في السنوات الاخيره فقد الاعلام تدريجيا ثقه المواطن، وهو يسطر يوميا فضائحه التاريخيه. نحن الذين اتهمنا شعب المغرب بالتربح من الدعاره، وطردنا السفير الاثيوبي علي الهواء، وردحنا لمنظمات حقوق الإنسان التي لا تعجبنا بياناتها. نحن الذين رفعنا الحذاء للمتفرجين من ابناء غزه، وصرخنا في المشاهدين لانقاذ عساكر الجيش من هجوم الاقباط في ماسبيرو، ثم طالبنا الرئيس بان يضرب في سويداء القلب. نحن الذين صورنا الابرياء عرايا في حمام الرجال، ولفقنا لهم اتهامات الشذوذ والعار، واخرجنا العفاريت من اجساد الملبوسين امام الكاميرات، ونحن من احرق بيوت البهائيين في الصعيد.

لكن الاعلام تفوق علي نفسه في كوميديا الفارس، عندما بدا ينقل مواد ساخره او غير دقيقه بوصفها حقائق، وواقعه بث فيديوجيم علي انه غارات روسيه علي داعش ليست الاولي من نوعها، من اعلام لم يعد يلتزم بدقه المعلومه، وليس مؤهلاً من الاصل للتدقيق فيما يقدمه.

«شفتم حضراتكم الدقه؟. حنشوف دلوقتي. دي افراد وميليشيا ومسلحين وعربيات، عناصر ميليشيا تنظيم داعش الارهابي، (مشهد انفجار) بالسلامه، واللي جايه دي وراها كمان. ما بيسيبش ولا عربيه ولا فرد. لو فرد واحد بيدي له صاروخ. بيجري، شوف حيعمل فيه ايه دلوقتي. عشره، عشرين واحد في المنطقه دي، كل دول عناصر من تنظيم داعش الارهابي، شوف الروس عاملين فيهم ايه».

كان الوصف الحماسي الخالي من اي تحليل سياسي او عسكري، مناسبا للعبه الفيديو الوهميه، ودليلا جديدا علي ان مهنه الاعلام اصبحت في وضع «اللامهنه»، والجميع يدفع الثمن.

باختفاء الاحزاب السياسيه الحاكمه والمعارضه، تولي الاعلام الجاهل توزيع جرعه سياسه «لايت»، مخلوطه بالزار والعفاريت وزنا المحارم. اصبح الاعلام هو الحزب السياسي الوحيد الذي يفرض عناوين للنقاش، ويتجاهل اخري، ثم يسهر حتي الفجر في مشاهد الطفل الذي يرقص بسكينه. لكنه ليس حزبا سياسيا يتصرف بمسئوليه او يحترم تنوع مشاهديه، وذكاءهم.

اصبح الاعلام «هو الوسيط بين المواطن والسياسه، وتحول بفعل فاعل الي احد اشكال الدعايه السياسيه وتعبئه الراي العام، بما يخدم مصالح افراد وجهات ومؤسسات ذات صله بالنظام، او برجال الاعمال، او الاثنين معا»، كما كتب الزميل ياسر ثابت، في كتابه المهم «المتلاعبون بالعقول»، لكن الاعلام ابدا ليس في خدمه المواطن.

خرجت امه النمل هذه من حقبه توريث جمال، لتملا شاشات التوك شو ليلا، تفح في وجوهنا انواعا من الجهل والتدليس والاخبار الكاذبه. ثم تصاحبنا الاصوات نفسها علي موجات الاف ام صباحا التي يحتكرها النظام، لتقتل فينا كل امل في نسمه هواء واحده جديده، نظيفه.

قبل يومين، وعلي صفحات الشروق، وصف يسري فوده المشهد الراهن بانه «مستنقع حُفر عمدا وعُمق تطوعا بهدف الانتقام من شعب رفع راسه مترا واحدا فاهتزت اركان النظام الفاسد»‪.‬

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل