المحتوى الرئيسى

أحمد عامر يكتب: اختيار خديجة | ساسة بوست

10/13 15:12

منذ 12 دقيقه، 13 اكتوبر,2015

السيده شريفه المقام والنسب خديجه بنت خويلد الاسديه، امراه ذات قدر وادب وعفه ومال، كان يطلق عليها اهل مكه السيده الطاهره, امراه ذات سريره طيبه ونفس نقيه ووفيه, كانت تستاجر من يعمل علي تجارتها صيفاً وشتاء.

سمعت برجل من بيت عبد المطلب يجتمع معها في النسب يقال له محمد، انه الصادق الامين, كم تحتاج سيده مثلها لشخص امين علي تجارتها, لم تكن تدري السيده الطاهره انها من ستكون يوماً امينه ذلك الشخص ايضاً.

رغم فقر الشاب وعوزه كانت يعجبها ما تسمعه عن اخلاقه, ومن مثلها لا يقدر الاخلاق؟ انها العفيفه الشريفه الصادقه الوفيه, كان للسيده خديجه الوعي الكامل باهميه القيم والمبادئ في الحياه, كان لديها الوعي الكافي ان ترفض كل اثرياء مكه وتختار شخصاً فقير المال غنيا باخلاقه.

السيده الاسديه تستطيع ان تختار زعماء وقاده العرب واثرياءهم, الجميع رهن الاشاره, ولكن لم تختر المهر الغالي والزاعمه الفارغه, اختارت شريكها, اختارت الاخلاق, لم تعرف السيدة خديجة عن ـ محمد صلوات الله عليه ـ الا اخلاقه وصدقه وامانته وكرمه، ارسلت السيده اليه تقول: يا ابن عمّ ! اني قد رَغبْتُ فيك لقرابتك، وشرفك في قومك وامانتك، وحُسْنِ خُلقِك، وصِدْقِ حديثك.

ان بيئه مكه كانت دهريه ماديه لا يوجد بها فكره البعث والنشور, كانت القيم والمباديء ناتجه عن القيد الاجتماعي والاعراف, اما بالنسبه للسيده خديجه كانت المبادئ لها وجود اخر بحياتها، انها رغبت في شخص فقير ـ فقط ـ لعلو اخلاقه وصدقه, تخيل ان شخصاً ذا خلق تقدم لاحداهن باخلاقه فقط، ستقول له: اصرف اخلاقك من اي بنك؟

وللغرض العلمي بحثت عن سبب وعي السيده وشخصيتها الغير عاديه, فوجدت ان خويلد بن أسد والدها كان من فرسان وشجعان قريش يكني بابي الخسف, كان صاحب قريحه شعريه, ساعد عبد المطلب جد الرسول في حفر بئر زمزم عندما دعاه لذلك فلم يتردد في المساعده وانشد شعراً في ذلك, قال عنه عبد المطلب : ما وجدت احداً ورث العلم الاقدم غير خويلد بن اسد!

ولا نعرف ما العلم الاقدم الذي يقصده عبد المطلب، ولكنه قد يقصد الديانه الحنفيه والابراهيميه مثلاً, ويبدو ان خويلد ورث هذه الشجاعه من اسد وكذلك العلم والشعر والثقافه, فلقد خرج من ابناء اسد خديجه سيده العالمين، وكذلك ورقه بن نوفل والزبير بن العوام وطليحه بن خويلد.

عندما ارسلت خديجه تفصح عن رغبتها الزواج من ابن عمها محمد, ذهب لاخبار عمه الذي اخبره بان هذا رزق سيق اليه, انها امراه واعيه ناضجه وغنيه, من كانت ستصلح ان تكون زوجه رسول الله غيرك يا خديجه؟

عندما نزل الرسول من الغار يرتجب ويقول: زملوني زملوني, كان اول من اخبره بالامر خديجه, كانت السيده الواعيه تتقن الاصغاء وتشارك زوجها في كل شيء , حتي الغار , فلقد كان محمد صلوات الله عليه قبل الرساله يختلي بنفسه بحراء كانت السيده تذهب اليه بالطعام وتشاركه خلواته وهي في سن الخمسين.

بينما النبي تحت دثاره مرتجفا اذ نظرت الزوجه له مبتسمه تقول : كَلَّا اَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ اَبَدًا؛ فَوَاللَّهِ اِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَي نَوَائِبِ الْحَقِّ.

انه وعي السيده خديجه بان اخلاق المرء ستحفظه من كل سوء , وان الله لا يخزي اصحاب الاخلاق , لقد كان كلامها كالبلسم علي قلب زوجها المتسائل عن حقيقه ما حدث, كان دائماً ما يجد زوجها عندها السكينه والسكن.

لقد كانت جنته حينما تحولت الدنيا كلها ضده, انها بالوعي الكافي لتجعل من منزلها سكناً لزوجها صاحب الرساله؛ بحسن الاصغاء والمشاركه والطمانينه، فلم تكن ندابه ولا نهابه ولا تعرف الشكايه والقلق، ولم تتكبر قط بمالها وحسبها، ولم تتفضل قط علي زوجها وبعلها , لقد كانت الزوجه جنه زوجها.

اخذته لابن عمها ورقه بن نوفل, شاركته همه من اول لحظه وحاولت بعقلانيه فريده ان تحل اللغز, قال ورقه بن نوفل الاسدي: ان ما راه محمد بالغار هو الناموس الاعظم الذي ظهر لانبياء من ذي قبل، وان مكه ستواجه رسالته هذه بعداوه كما فعل الاسبقين, كانت خديجه تسمع ما يقوله ابن عمها لزوجها, رساله من السماء, مواجهه وطرد ونفي, قتال ومعركه, وانها المراه التي تجاوزت الخمسين !

حاولت خديجه بدورها ان تتاكد بما يشعرها حدسها به, ان لهذه المراه التي تقدر المبادئ والاخلاق اكبر تقدير حدس يستطيع تمييز الخير من الشر, حاولت ان تساعد زوجها بنفسها, شرعت تمتحن برهان الوحي لتثّبت قلب زوجها، فقالت: “اَيْ ابْنَ عَمّ اَتَسْتَطِيعُ اَنّ تُخْبِرَنِي بِصَاحِبِك هَذَا الّذِي يَاْتِيك اذَا جَاءَك؟ قَالَ : نَعَمْ، قَالَتْ: فَاِذَا جَاءَك فَاَخْبِرْنِي بِهِ.

فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ـ صَلّي اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ـ لِخَدِيجَهَ يَا خَدِيجَهُ هَذَا جِبْرِيلُ قَدْ جَاءَنِي، قَالَتْ : قُمْ يَا ابْنَ عَمّ فَاجْلِسْ عَلَي فَخِذِي الْيُسْرَي ؛ قَالَ فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ ـ صَلّي اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ـ فَجَلَسَ عَلَيْهَا ، قَالَتْ هَلْ تَرَاهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ . قَالَتْ : فَتُحَوّلْ: فَاجْلِسْ عَلَي فَخِذِي الْيُمْنَي.

فَتَحَوّلَ رَسُولُ اللّهِ ـ صَلّي اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ـ فَجَلَسَ عَلَي فَخِذِهَا الْيُمْنَي ، فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَتْ : فَتَحَوّلْ فَاجْلِسْ فِي حِجْرِي .

فَتَحَوّلَ رَسُولُ اللّهِ ـ صَلّي اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ـ فَجَلَسَ فِي حِجْرِهَا . قَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ، فلما فَتَحَسّرَتْ وَاَلْقَتْ خِمَارَهَا وَرَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسٌ فِي حِجْرِهَا ، ثُمّ قَالَتْ لَهُ: هَلْ تَرَاهُ ؟ قَالَ: لَا ، قَالَتْ: يَا ابْنَ عَمّ اُثْبُتْ وَاَبْشِرْ فَوَاَللّهِ انّهُ لَمَلَكٌ وَمَا هَذَا بِشَيْطَانٍ

الروايه مذكوره في سيره ابن هشام ـ وبغض النظر عن صحتها او لا ـ فانها تدل وتثبت ما نحن بمحل النظر فيه ان السيده خديجه شاركت زوجها الهم وكان لها من الحدس ما يجعلها تميز بين الخير والشر، وما يجب ان يكون عليه الشيطان، وما يجب ان يكون عليه الملاك .

كان اول من امن بالرسول من البشريه جمعاء, لقد امنت بزوجها ورسالته برغم ما سمعته من الطرد والحروب, ستخسر تجارتها وحياتها ورفاهيتها وهي امراه تجاوزت الخمسين, امنت بزوجها وساندته، ولم تكن من الغابرين, كانت واعيه بالقدر الذي كان يحفز زوجها علي كل ما يلقاه من الاقربين والابعدين. لم تكن بالمراه التي تعرف الحنق والضيق والضجر ابداً كانت دائماً مبتسمه تبحث عن حل لكل مساله ومشكله بوعي وعقلانيه ونضج, لقد خاصمتها نساء مكه وتم تطليق بناتها بسبب رساله ابيهم, لم تندب حظهم ولم تتشاءم وتتبرم كطبيعه اصحاب القصور في النظر والرؤيه، ولكنها كانت من الوعي والكمال والعفه والوفاء ما يجعلها تابي ان تتبرم او تنكد علي زوجها.

ثم جاء الحصار بشعب ابو طالب, تركت بيتها وحبست ثروتها ونامت علي الحصباء بين الجوع والعطش مع زوجها, وهي راضيه قانعه مبتسمه متفائله مستبشره, حتي فوق الحصباء كانت تواسي زوجها وتحفزه وتسانده وتشجعه وتزيل همه وتخفف كربه, حتي وهي تعاني الجوع والعطش كانت جنته, سكنه وسكينته, لم تضجر ولم تتافف ولم تستجر ببيتها الاسدي ان يغيثها. شاركت زوجها ونامت علي الحصباء وعانت الجوع والعطش, فكله هين طالما هي زوجه صاحب الخلق العظيم صاحب الحديث الصادق والقلب الوفي, هي الان معه بدون مالها ولا حسبها, هي له وهو لها وهما الاثنان لله.

انها حياه خديجه المثاليه , لهذا خلقت خديجه , للقيم والمباديء وللنضال من اجلها , فهي لم تفوت الرجل الذي رات من سمو اخلاقه ما حرضها ان ترسل في طلب الزواج منه، ولم تفوت هذه الرساله التي تحث علي الفضيله والاخلاق فكانت اول من اسلم علي وجه الارض لله رب العالمين.

اَتَي جِبْرِيلُ النَّبِيَّ ـ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذِهِ خَدِيجَهُ قَدْ اَتَتْ مَعَهَا اِنَاءٌ فِيهِ اِدَامٌ اَوْ طَعَامٌ اَوْ شَرَابٌ، فَاِذَا هِيَ اَتَتْكَ؛ فَاقْرَاْ عَلَيْهَا السَّلامَ مِنْ رَبِّهَا ـ وَمِنِّي ـ وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّهِ مِنْ قَصَبٍ، لا صَخَبَ فِيهِ ولا نَصَبَ.

بعد الحصار مرضت السيده خديجه, وماتت! كيف رثاها الرسول, انها السيده التي لم يشبع الرسول من ذكرها وذكر فضائلها طوال حياته, كان كلما خفت الاحداث بسيره الرسول يتفرغ للحديث عن خديجه, حتي قالت عائشه: انها تغار من خديجه؛ لكثره ذكر الرسول لها.

فتقول السيدة عائشة كان رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ لا يكاد يخرج من البيت حتي يذكر خديجه فيحسن الثناء عليها، فذكرها يوماً من الايام فاخذتني الغيره، فقلت: هل كانت الا عجوزاً قد ابدلك الله خيراً منها؟ فغضب الرسول وقال: لا والله ما ابدلني الله خيراً منها، امنتْ بي اذْ كفرَ الناس، وصدَّقتني اذ كذّبَني الناس، وواستني بمالها اذ حرمني الناس ورزقني منها الله الولد دون غيرها من النساء، قالت عائشه بعدما رات الرسول غاضباً : فقلتْ في نفسي: لا اذكرها بعدها بسبّهٍ ابداً.

كان ابرز خلق بالسيده خديجه بعد الصدق والمحبه خُلق الوفاء , لقد كانت فيضاً من الوفاء فلا تنسي الفضل، ولو كان صغيراً، وتتحاشي عن السيئه ولو كانت كبيره, وكانت وفيه لرسول الله حتي موتها, وقد علمت بناتها الوفاء.

فعندما اسر ابو العاص بن ربيع بغزوه بدر, وهو الذي رفض ان يطلق زينب، عندما طلب منه ساده قريش, ذكرت زينب لزوجها العشره حتي بعدما فرق الاسلام بينهما فدفعت بقلاده اعطتها امها خديجه من قبل، لتدفع للمسلمين ولرسول الله فديه لابي العاص زوجها السابق, فراي الرسول القلاده, عرفها, قلاده خديجه, رق للقلاده رقه شديده,

قد يكون امسكها وتذكر تلك السيده العظيمه الناضجه الواعيه الحنونه الوفيه زوجته التي كانت مسكنه وسكينته وملاذه في ايام الشده, اول من امن به علي الارض, قد تكون هناك دمعه حاره نزلت من عيني رسول الله صلوات الله عليه طلب من اصحابه قائلاًَ : ” انْ رَاَيْتُمْ اَنْ تُطْلِقُوا لَهَا اَسِيرَهَا ، وَتَرُدّوا عَلَيْهَا مَالَهَا ، فَافْعَلُوا ” فَقَالُوا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ . ففعلوا.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل