المحتوى الرئيسى

"هويدى": "نوبل" تونس تحرج مصر

10/13 11:08

انتقد الكاتب الصحفي المتخصص في الشئون العربيه فهمي هويدي، التضييق الذي يجري من الحكومه علي المنظمات الحقوقيه، مؤكدًا ان الفارق بين الثورة التونسية والمصريه في هذا الجانب، هو اعتبار تلك المنظمات شريكه في الثوره وليست متامره عليها.  

وكان نص مقال "هويدي" في صحيفه "الشروق"، بعنوان "لماذا تونس ليست مصر؟":

فوز المجتمع المدني في تونس بجائزه نوبل للسلام يثير عديدا من الاسئله حول ازمه المجتمع المدني في مصر وكونه حاضرا وغائبا طول الوقت.

منذ قامت الثوره في عام ٢٠١١ الف الناس في مصر والوطن العربي صور السياسيين التونسيين الذين تصدروا واجهات العمل العام في الرئاسه والحكومه والاحزاب والمجلس التشريعي. وابتداء من يوم السبت الماضي انضافت الي الذاكره البصريه صور اخرين لم نسمع بهم من قبل، فنشرت جريده «الاهرام» حوارا مع وجه غير مالوف للقارئ المصري كان مندوب الجريده قد اجري معه حوارا في العام الماضي، عرفنا ان اسمه حسين العباسي، وانه كان معلما سابقا في احدي المدارس التونسيه لكنه انتخب رئيسا لاتحاد الشغل (المقابل لاتحاد العمال عندنا). ونشرت صحيفه «الحياه» اللندنيه علي صفحتها الاولي صوره لم نرها من قبل لسيده عرفنا ان اسمها وداد بوشماري ظهرت ضاحكه وهي تلوح بقبضه يدها بعد اعلان خبر الجائزه. وفهمنا انها رئيسه الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة الذي كان ضمن الرباعيه الفائزه. تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صور اثنين اخرين رايناهما لاول مره، احدهما عبدالستار بن موسي رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان وبشير الصيد رئيس نقابه المحامين. وحين انضاف الاربعه الي قائمه نجوم المرحله، فان ذلك اثار الاهتمام بالتعرف علي الجهات التي يمثلونها، ليس فقط بدافع الفضول، ولكن ايضا لاننا انتبهنا الي ان لدينا منظمات مماثله ولكننا لا نلمس لها اثرا فلا نعرف ماذا تفعل، فضلا عن اننا نجهل اسماء وصور القائمين عليها. استثني من ذلك المجلس القومي لحقوق الانسان الذي عينته الحكومه وله دوره المشهود في تجميل المؤسسه الامنيه، استثني ايضا بعض المنظمات الحقوقيه المستقله التي لا نقرا عنها الا اخبارا بعضها ينتقد الانتهاكات والبعض الاخر يتعلق بالتحقيقات التي تجري مع اعضائها.

اكثر ما اثار انتباهي حين تتبعت خلفيات المنظمات التونسيه الاربع عده امور، اولها ان اثنين منها تشكلتا قبل استقلال تونس في عام ١٩٥٦. فاتحاد الشغل تشكل في عام ١٩٤٦، واتحاد الصناعه والتجاره تاسس في عام ١٩٤٧. اما نقابه المحامين فقد تاسست بعد الاستقلال (في عام ١٩٥٨)ورابطه حقوق الانسان تم تاسيسها عام ١٩٧٧. وفي تفسير ذلك قال الكاتب والناشط التونسي صلاح الدين الجورشي ان المنظمتين الاولتين تشكلتا في مرحله الصراع ضد الاستعمار الفرنسي. فالاولي كانت وعاء جمع العمال والثانيه اجتمع فيها التجار واصحاب الاعمال. اما المنظمتان الاخيرتان فقد برزتا في طور الدفاع عن الحقوق واستخلاصها من السلطه الوطنيه.

من الملاحظات الاخري الجديره بالذكر ان المنظمات الاربع ظلت اغلب الوقت وعاء اجتمعت فيه مختلف القوي السياسيه رغم التقلبات التي طرات علي قياداتها، الي جانب انها حافظت علي استقلالها عن السلطه واصرت علي ذلك، حتي ان اتحاد الشغل رفض هيمنه الحزب الدستوري عام ١٩٧٨ واصطدم بالسلطه في عهد الرئيس الاسبق الحبيب بورقيبه ولهذا السبب امر الرئيس بنزول الجيش ومواجهه المتظاهرين في مواجهه اسفرت عن مقتل ١٧٨ شخصا، في واقعه مازالت حاضره بقوه في الذاكره الجمعيه التونسيه.

مما ساعد علي قوه تلك المنظمات ان نظامي الرئيسين بورقيبه وبن علي كان تركيزهما اكبر علي مواجهه تحدي الاحزاب السياسية واعتبرا ان معركتهما الاكبر ضد حركه الاتجاه الاسلامي (النهضه حاليا)الي جانب المناضلين الوطنيين. وكثيرا ما سعي الي احتواء منظمات المجتمع المدني التي استمدت قوتها من شعبيتها من ناحيه، والدعم الاوروبي من ناحيه ثانيه. ذلك ان اغلب تلك المنظمات احتفظت بعلاقات وثيقه مع نظيراتها الاوروبيات لاسباب جغرافيه مفهومه، الامر الذي جعل السلطات المحليه تتردد كثيرا في محاوله الاطاحه بها.

ثوره ٢٠١١ اعتبرت ان منظمات المجتمع المدني شريكه فيها. اذ كان اول رئيس منتخب بعد الثوره ــ الدكتور منصف المرزوقي ــ ناشطا حقوقيا بارزا ورئيسا سابقا للمجلس الوطني للحريات. كما استحدث منصب الوزير المكلف بالعلاقه مع الهيئات الدستوريه والمجتمع المدني وعين له الدكتور كمال جندوبي الذي يعد بدوره من نشطاء حقوق الانسان وكان عضوا في الشبكه الاوروبيه المتوسطه لحقوق الانسان منذ عام ٢٠٠٣. ولم يكن مستغربا والامر كذلك ان يصدر بعد الثوره قانون يطلق حريه العمل لكافه منظمات المجتمع المدني.

الدور الوفاقي الذي قامت به منظمات المجتمع المدني برز بشده حين حدث الاستقطاب السياسي في تونس اسوه بما حدث في مصر، اذ انقسم الفاعلون السياسيون الي معسكرين. احدهما تمثل في معسكر الترويكا التي تحكم (حركه النهضه ــ المؤتمر من اجل الجمهوريه ــ التكتل الديمقراطي). المعسكر المقابل ضم احزاب المعارضه التي كانت خليطا من الليبراليين واليساريين والقوميين (١١ حزبا مثلت في البرلمان).

التهب الموقف بعد اغتيال اثنين من المعارضين (شكري بلعيد ومحمد البراهمي)فانتهزت المعارضه الفرصه وسعت الي استثمار صدمه الشارع التونسي من خلال الدعوه الي التظاهر والاعتصام. ونادي بعض الغلاه الذين انخرطوا فيما سمي الجبهه الشعبيه بقياده حزب العمال الشيوعي باستدعاء الجيش للتدخل بحجه حسم الصراع وحمايه الثوره. في الوقت ذاته لوحت الترويكا باعتقال الداعين الي الانقلاب علي الشرعيه. وبدا في الافق ان الموقف علي وشك الانفجار وان دائره العنف مرشحه للاتساع. وفي حين كانت اتصالات السياسيين مستمره لانقاذ الموقف. تحركت منظمات المجتمع المدني الرئيسيه لكي تستخدم رصيدها التاريخي وثقلها الاجتماعي لانجاز الدستور والبحث عن مخرج من الازمه. من خلال اقتراحات المطالب والبدائل علي اطراف المعادله السياسيه. وفيما علمت فان القلق لم يكن داخليا فقط، ولكنه كان خارجيا ايضا. ذلك ان السفراء الغربيين اعربوا عن مخاوفهم من ان ينتكس الوضع في تونس، وان تلقي تجربه التحول الديمقراطي المصير المحزن الذي منيت به في اقطار اخري. وقيل لي ان جميع السفراء الاوروبيين ذهبوا بصحبه السفير الامريكي في تونس الي مقر الاتحاد التونسي للشغل للاعراب عن دعمهم وتاييدهم لانجاح المسار الديمقراطي.

النتيجه ان جهد الرباعيه وتجاوب احزاب الاغلبيه السياسيه وتشجيع العواصم الغربيه، ذلك كله اسهم في تغليب الوفاق وامتصاص عوامل الانفجار واستمرار مسيره الثوره. لذلك استحقت الرباعيه جائزه نوبل علما بان الرئيس التونسي باجي قايد السبسي كان احد الذين رشحوا المنظمات الاربع لنيل جائزه السلام. ولان «الشيخين» السبسي زعيم حزب النداء وراشد الغنوشي زعيم حركه النهضه لعبا الدور الاكبر بين السياسيين في تحقيق الوفاق المنشود فان مجموعه الازمات الدوليه منحتهما جائزه السلام للعام الحالي، التي تعد قريبه من نوبل. ولكن وهج الخبر الاول حجب خبر جائزه الشيخين فلم ينل حظه من الذيوع والانتشار.

شاءت المقادير ان يتزامن ارسال الرئيس التونسي خطاب ترشيح الرباعيه لجائزه نوبل، مع صدور تعليمات في مصر بمنع عدد من العاملين بمنظمات المجتمع المدني من السفر الي الخارج. التعليمات جاءت بناء علي قرار اصدره قاضي التحقيق في قضيه التمويل الاجنبي المفتوحه في مصر منذ عام ٢٠١١، ولم يغلق حتي الوقت الراهن، لذلك اصدرت ١٩ منظمه حقوقيه مستقله بيانا في يناير الماضي ادان حظر سفر النشطاء بناء علي اجراءات غير معروفه ودون معرفه الاتهامات الموجهه اليهم. كما انتقد البيان الاجراءات التعسفيه التي اتخذت بحق بعض المنظمات الاهليه، التي كان منها اقتحام مقراتها واستدعاء العاملين فيها للتحقيق واصدار احكام بسجن بعضهم مده خمس سنوات مع ايقاف التنفيذ.

هذا الاجراء مجرد نموذج واحد لسيل التضييقات القانونيه والامنيه التي لاحقت المنظمات الحقوقيه المستقله بعد قيام الثوره في عام ٢٠١١. وقد بدات التضييقات بحمله تشهير روجت للادعاء بان الثوره كانت مؤامره اسهم الخارج في تدبيرها من خلال تلك المنظمات. وهو ما فتح الباب لتشكيل لجنه لتقصي حقائق التمويل الاجنبي للمنظمات الاهليه، وادي الي احاله ٣٥ منظمه حقوقيه الي التحقيق في شهر مارس عام ٢٠١١. واستمرت الحمله من خلال التعديل الذي ادخل علي قانون العقوبات باضافه الماده ٧٨ التي سميت قانون «الاشياء الاخري» وهي التي فتحت الباب واسعا لمعاقبه نشطاء المنظمات الحقوقيه بالسجن المؤبد وغرامه نصف مليون جنيه اذا ما تلقوا اي عون يمكن ان يؤدي الي الاضرار بالمصلحه الوطنيه، وهو التعبير الفضفاض الذي يمكن ان يشمل اي انتقاد لانتهاكات حقوق الانسان. القوانين التي صدرت بعد ذلك كرست التصنيف وكبلت المنظمات الحقوقيه بمختلف القيود. وكان ذلك اوضح ما يكون في قانوني الكيانات الارهابيه ومكافحه الارهاب. بل ان تحقيقا قضائيا اجري مع بعض النشطاء والباحثين لانهم ناقشوا مشروعا لاصلاح التشريعات لمنع التعذيب في مصر. وهو التحقيق الذي تعرض له الناشط نجاد البرعي مدير المجموعه الدوليه للمحامين، مع اثنين من القضاه وكانت نتيجه تلك التصنيفات ان قلصت بعض المنظمات الحقوقيه من انشطتها. كما نقل مركز القاهره لدراسات حقوق الانسان مقره الرئيسي من القاهره الي تونس.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل