المحتوى الرئيسى

أماكن الروح» لطارق ناصر الدين.. مدرسة خيبر والأحلام السعيدة

10/13 10:58

في مجموعته الشعريّه الاخيره «اماكن الروح» (الصادره عن الحركه الثقافيه في لبنان)، تمكّن الشاعر «طارق ال ناصر الدين» من كسر المعادله او قلبها اذ يؤكّد انّ فرضيه «المكتوب يُعرف من عنوانه» قد تجني علي ما يتضمّنه المكتوب في تلافيفه وضمن طيّاته.. فلم يكن عنوان الديوان او عناوين القصائد التي شكّلت نسيج النص، سوي طريق ملتويه عرف الشاعر كيف يغرق المتلقي في بحورها ليجد نفسه متخبّطًا في رمإل ألحياه المتحركه والكثيفه...

وعلي الرغم من شعور القارئ بانه سيكون امام قضايا خاصه تدخل ضمن الخواطر الذاتيه الانفعاليه، الا انّ القراءات الاخري التي لا تتوقف عند حدود التلاوه وتمرير العيون بين الابيات والسطور فقط، تمكّن صاحبها من التقاط العديد من القرائن اللفظيه واللغويه التي تخلّص المضمون الشعري من شباك الذات وتجعله ذا رؤيه عامه تتعدد فيها القضايا، ويتحدد فيها الوعي القائم او الفعلي، ليرسم الشاعر ملامح الوعي الممكن التغييري عبر طريق خلاص طالما تكرّرت حتّي اُتخم النصُّ بها احيانًا..

بين ضفاف الاصحاب، الاموات والاحياء، وتعاريج المدن والقري، واستحضار محطّات بعض الشّعراء، استطاع الشاعر ان يقدّم صوره عن الواقع بهزائمه وقبح سماته واجتياح عقول اصحابه ببعض الافكار التي لم تعمل الا علي اعاده عجله الحياه الي الوراء.. ما دفعه الي اعتماد مفهوم العروبه والوطنيه عبر استحضار بعض الرموز ليؤكّد انّ الخلاص لن يكون الا قوميًّا ووطنيًّا، معاتبًا الامّه علي عدم انتباهها الي تحذيرات القدماء الذين تنبّهوا لخطر الطائفيه والمذهبيه برؤاهم الواسعه وتطلعاتهم العميقه. (جبران ابصرها في عمق صرخته:/الطائفيّون عارٌ اينما وجدوا.ص57). فعبر اعتماد العروبه والوطنيه منهجًا للتغيير، تصبح الاديان منصهره، تتقلّص المسافات بين تباعدها، لتصبح وسيله هدفها الانسان وليست غايه يوظّف لها كل ما يمكن توظيفه من وسائل حيث الانسان نفسه احد وقودها، فيستعين بامهات الانبياء مشيرًا الي ضروره تقاربهن روحيًّا لتكون شرفات الابناء متحاذيه لا يباعد بينها حقد او ضغينه.(يا حضن مريم بلّغ حضن امنه:/مساحه الحب بين المهد والحرمِ.ص12).

وعلي الرغم من روائح الدماء، وبراويز صور الموتي من اهل واصحاب واحبّه، حيث المخيّلات ترزح تحت ثقل المشهد، (اعرف يوميًّا الاف الناس وانساهم/لكنّي اتذكّر كل تفاصيل وجوه الاموات الملقاه/علي الطرقات بلا كفن...ص27). الا ان اماكن الحب والفرح حيث حلول الارواح لم تغب عن بياض الصفحات رغم سوادها..(سازهر مره اخري/ واصغر مره اخري.ص51)...وهذا لن يتحقق الا باجتياز دروب الحب المزروعه بالاحلام رغم اندلاق الموت والحزن، وهذا ما يوصي به صديقَه (باسم عباس) ليتخطي محنه الموت وافتقاد الاحبّه (دائمًا تهزمنا الارحام والارقام/هل نهزمها يومًا باحلام سعيده..ص66). ولم يكتفِ الشاعر باطلاق وصايا الحب والاصرار علي الحياه بالحياه وتحدّي الموت، انما يعلن موقفه واضحًا، حين يري انّ اليباس لا يعيد اخضراره سوي الموت والاستشهاد، فالدماء حين تحلّ مكان الماء تتفتح الحياه زهرًا، ويستحيل التراب رياضًا، والاحجار مقاعد للعشاق. (سالت اورده الشهداء مع الانهار/وازداد الشفق كثيرًا وانتشر الشقّيق/علي الاحجار...ص30). ولم يتوقّف الشاعر عند هذا الحد من التنظير، انّما يوصي بالهجوم الدائم، متدجّجًا بامجاد الاجداد وبطولاتهم الخالده، لكي تكون الحياه جديره بالحب والاحترام (اوصاني جدّي ان احرق اشرعتي/نفّذت وصيه جدي، وجميع الاهل بلا سفنِ/ احلام التحرير غزت قلبي ودبيب العوده في بدني.ص27)..كما يعلن تعويله علي الاجيال القادمه في التغيير، الاجيال التي درست في مدارس البطولات والحروب الشريفه، كيف يمكن لطاغيه ان يقف في وجه سيلها الجارف (... تساله اين درست؟ يردّ الاطفال جميعًا/ في خيبر واليرموك/ وتحدث نفسك:/هؤلاء الاطفال متي كبروا/هل يبقي في هذا الشرق الدامي رؤساء وملوك؟ص129). ثمّ يحذّر من نقصان المقاتلين واهتزاز العقيده اذ لا يكفي السلاح من دون رماه ومحاربين (الخيل لا تحمي.. بل الفرسانُ.ص139).

ولم يهمل الشاعر موضوع الحب وفوران الجسد، انما جعل لهذا حيزًا ضمن صفحاته، مؤكّدًا انّ الهزيمه تلوح بشائرُها حين يتراجع الجسد عن جنونه وتتساقط حصونه (هو الشباب جنون الحب في جسد/ما ارذل العمرَ لمّا يعقل الجسدُ.ص55).

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل