المحتوى الرئيسى

«جيش الشام»: ولادة تحت «عاصفة السوخوي»

10/13 00:33

ليس حدثاً عابراً، الاعلان عن تشكيل «جيش الشام»، ولا ينبغي التقليل من اهميّته وربما خطورته.

فمن جهه، «جيش الشام» هو الولاده الاولي بعد فتره مخاض طويله نسبياً مرّت بها الفصائل الاسلاميه المتشدده، وكان المميّز فيها تصارع التيارات والاجنحه داخل الفصيل الواحد. ومن جهه ثانيه، تاتي هذه الولاده مع بدايه مرحله حسّاسه في الأزمة السورية، عنوانها الاساسي هو «عاصفه السوخوي» الروسيه التي تسعي الي سحب البساط من تحت اقدام «التحالف الدولي» في مجال مكافحه الارهاب.

واذا اخذنا بالاعتبار طبيعه الاسماء الكبيره في العالم «الجهادي» التي تقف وراء «جيش الشام»، يغدو من السهل ان نخمّن ان المشهد «الجهادي» في سوريا قد دخل مرحله جديده ستتوالي فيها الولادات التي لن تبقي محصوره في منطقه الشمال، بل الارجح انها ستشمل مختلف المناطق السوريه.

ففي القلمون الغربي علي سبيل المثال جري الاعلان، قبل اسبوعين، عن تشكيل «سرايا اهل الشام»، التي ضمّت غالبيه الفصائل العامله في المنطقه، لكنها استثنت «جبهه النصره» التي اصدرت بدورها بياناً اكدت فيه عدم مشاركتها في التشكيل الجديد. وفي الجنوب السوري بعد توقف «غرفه عمليات الموك» عن تمويل الفصائل هناك، تصاعدت وتيره الاستقطاب في المنطقه، حيث تسعي الفصائل الاسلاميه جاهدهً لجذب فصائل «الجبهه الجنوبيه» واقناعها بمبايعتها. وهناك فصائل بايعت بالفعل «جيش الأسلام»، وفصائل ابقت بيعتها لجهات اخري سريهً بانتظار الوقت المناسب للاعلان عنها. وثمه تسريبات بان «جيش اليرموك» و «جيش السنه» يخوضان مفاوضات مع «أحرار الشام» لاعلان الاندماج في ما بينهم. ولم تستثن هذه التحولات «جبهه النصره» من تداعياتها، فقد اعلن «امير فرقه الانغماسيين» في الجنوب السوري ابو هريره الاميركي انشقاقه عن «النصره» والانضمام الي «لواء شهداء اليرموك»، الذي يُتّهم بمبايعه تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، وكان سبقه الي ذلك احد قيادات «جبهه ثوار سوريا» ابو تحرير الاردني.

يُضاف الي ذلك «البيعات» التي حصلت عليها «جبهه النصره» من بعض الفصائل الاوزبكيه والطاجيكيه مؤخراً، علاوه علي التعيينات الجديده التي قام بها زعيم «النصره» ابو محمد الجولاني في كل من حلب وادلب، حيث نقل ابو هاجر الحمصي المعروف بتشدّده من امره ادلب الي امره حلب، بدلاً عن الشيخ حمود، وتعيين ابو حسين الاردني اميراً علي ادلب، وتعيين ابو احمد السوري مسؤولاً مالياً عاماً بدلاً عن ابو احمد زكور الذي اختفي، وغابت اخباره منذ عزله.

كل ذلك يشير الي ان مرحله جديده من اعاده الهيكله وانشاء تحالفات تقوم علي اسس ايديولوجيه واضحه تمنع الخلافات الداخليه، قد بدات وستستمر حتي تكتمل صوره المشهد. ومن الجدير بالذكر ان ابا هاجر الحمصي، واسمه اسامه نمور من مواليد ادلب، يُعتبر من «صقور النصره»، ومن النادرين الذين يملكون صلاحيه التصرف من دون العوده الي الجولاني. وكان الحمصي يتزعم تنظيم «القاعده» في لبنان قبل الازمه السوريه، وتشير المعلومات الي ان دخوله من لبنان الي سوريا تمّ بمساعده من تنظيم «داعش» في ذلك الوقت، وهو يحمل اسماء مختلفه، مثل ابو احمد البنشي وابو محمد الحمصي.

ومما لا شك فيه، ان التاثيرات الاقليميه والدوليه تلعب دوراً بارزاً في اعاده تشكيل المشهد وصياغته من جديد. وقد يكون تظهير هذه التاثيرات واحجامها وخلفياتها وابعادها غير ممكن حالياً، بسبب الضبابيه التي تخيّم علي المشهد في فتره التشكّل، الا انه تمكن ملاحظه سمه عامه، وهي وجود اراده اقليميه ودوليه تسعي الي احياء «تراث الجيش الحر» ودفعه الي الواجهه من جديد، كمحاوله للضغط علي روسيا وتقليص مساحه تحركها، بذريعه ان الفصائل الجديده ليست «داعش» و«جبهه نصره» وبالتالي ليست ارهاباً، وعليه فان استهدافها يدخل في خانه «الخطا الاستراتيجي» الذي المحت اليه الولايات المتحده.

ومن اللافت ان هذه الفصائل تشدد علي ان هدفها هو قتال النظام وقتال «داعش» بشكل متوازٍ، وهي معادله تعكس وجهة نظر العديد من الدول الاقليميه، التي تحاول عبر تكريس هذه المعادله ضرب عصفورين بحجر واحد، الاول نزع ذريعه محاربه «داعش» من يد النظام وتالياً روسيا، بحجه ان الفصائل التي تدعمها هي التي تتولي هذه المهمه. والثاني، اقامه حائط صدّ امام الدول التي اصبحت لا تخفي رغبتها في اتباع سياسه اكثر مرونه مع النظام السوري بسبب المخاوف من تفشّي الارهاب، والايحاء لهذه الدول ان هناك «اعتدالاً» يمكن التعامل معه لايجاد بديل عن النظام.

وبالعوده الي «جيش الشام»، يمكن القول ان تشكيله يعكس فشل «احرار الشام» في ايجاد صيغه لتلافي الصراعات داخلها بين تيار يميل الي «القاعده»، ويمثله حتي الان «المفتي العام» للحركه ابو محمد الصادق، وتيار اخر يريد خلع عباءه «القاعده» والانفكاك عن «السلفية الجهادية» بشكل نهائي، ويمثل هذا التيار «الامير العام» الجديد للحركه ابو يحيي المصري.

كما لا يمكن تجاهل العوامل الشخصيه في تشكيل «جيش الشام»، فابا العباس الشامي، واسمه الحقيقي محمد ايمن ابو التوت، وجد نفسه بعد مقتل قاده «الاحرار» الجماعي اواخر العام الماضي، خارج اطار التاثير الرسمي في الحركه، بعد ان عُزِل من منصبه كمفتٍ عام، وتمّ تعيين ابو محمد الصادق مكانه. ورغم ان ابي التوت استمرّ في تاييد «احرار الشام» طوال العام الماضي، ولم يسجل عليه اي انتقاد لاداء الحركه، الا ان مسارعته الي تشكيل فصيل جديد والجلوس علي مقعد الابوه الروحيه له، بعد ان كان المحرّك الفعلي لقياده «الاحرار» القديمه منذ ايام سجن صيدنايا الذي كان يجمعهم سوياً في مهجع واحد، يعكس بما لا يدع مجالاً للشك ان الرجل قرر القطيعه مع حركته السابقه، واعاده بناء حركه جديده بمواصفات معدّله تناسب التطورات الميدانيه والسياسيه التي تمر بها سوريا والمنطقه.

ولا يمكن الجزم حالياً في مدلولات هذه القطيعه وابعادها محلياً او اقليمياً، فحركه «احرار الشام» تحظي بدعم تركي، سياسي وعسكري واعلامي، معلن وبدعم مالي شبه معلن من شخصيات كويتيه، ومن المستبعَد ان تتخلي تركيا عن توظيف واستثمار «احرار الشام» بعد سنوات الدعم الطويله. ولكن مما لا شك فيه ان المولود الجديد، بقيادته الروحيه التي تتقاطع عندها العديد من الخطوط الاقليميه والدوليه، سوف تحاول ان تشقّ طريقها لكسب تاييد ودعم تركيا قبل غيرها.

والي جانب ابي العباس الشامي، هناك اسماء كبيره ضمن قائمه مؤسسي الجيش الجديد، من ابرزهم يامن الناصر، وهو من قيادات «احرار الشام» المعروفه بعدم ميلها الي «القاعده»، وسعيها الي اقتباس تجربه «حركه طالبان الاسلاميه» وتطبيقها في سوريا. ومن نافله القول ان خروج هذه القيادات من كنف «الاحرار» سيؤدي الي حالات انشقاقات داخل الحركه، نظراً لما يمثله هؤلاء من ثقل معنوي كبير ووجود المئات ممن يحملون افكارهم نفسها.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل