المحتوى الرئيسى

صيادو الورّاق: مخلّفات محطة صرف «طناش» قتلت أسماك النيل

10/12 11:06

في الصباح الباكر، غادر «عويس» المنزل البسيط بصحبه ابنه الي مركبه الذي يتسع بالكاد لهما ومعهما الشباك، رحله يوميه لصيد السمك، يبحر خلالها الوالد والولد نحو ثلاث كيلومترات جنوباً من قريتهما (طناش) الواقعه شمال محافظة الجيزة، والتي تتبع مركز الوراق، في محاوله لتجنب تسربات محطه الصرف التي يقول الصياد الخمسيني انها «قتلت السمك في البحر من سنين».

«خلل في البيئه السمكيه»، هكذا يصف محمد عبداللطيف ابوزيد، عضو في احدي النقابات المستقله للصيادين، الحاله التي بلغتها المنطقه بسبب «تسربات ومخلفات محطه الصرف الصحي الرئيسيه في الوراق، اللي بترمي صرفها بالكامل في النيل، وهو عباره عن مخلفات سممت علي مدار السنين الاخيره النيل علي مسافه تصل لاكتر من 10 كيلومترات».

الادعاءات التي يسوقها عدد من الصيادين كانت سبباً لزياره اجرتها «الوطن» الي مصب المحطه المذكوره، حيث استقلت احد المراكب للوصول الي اقرب نقطه ممكنه الي ماسوره طرد الصرف الملحقه بالمحطه، وهي عباره عن ماسوره ضخمه، تطرد الاف الامتار المكعبه من المياه المعالجه بعناصر الشبَّ (المعروفه علمياً باسم كبريتات البوتاسيوم)، الي النيل، ويظهر الفارق بين المياه المطروده من محطه الصرف، وبين مياه النيل، من حيث اللون والرائحه، حيث تظهر مياه المحطه اكثر عكاره من المياه التي تقع جنوب المحطه.. الطرد السريع الذي رصدته كاميرا «الوطن»، يصفه صيادو المنطقه بانه ضعيف مقارنه بكميات ما تطرده المحطه في المساء.

عضو نقابه الصيادين: البيئه السمكيه اصيبت بـ«الخلل» بسبب التسرّبات والمخلفات.. و«القابضه لمياه الشرب»: الصرف المعالج ليس له تاثير

يعمل عويس علي احمد في مجال الصيد منذ ما يقرب من اربعين سنه، علي مركبه في مركز الوراق شمال الجيزه، حيث عايش فتره ما قبل انشاء محطه الصرف، التي يتهمها مئات الصيادين في المنطقه بانها «لوّثت المنطقه، واضرت بكميات الاسماك الموجوده»، فيقول «عويس»: «زمان كنا نشرب ميه النيل بكفوفنا، ولا احسنها ميه حنفيه، دلوقتي لا تعرف تشرب ولا تعرف تصطاد سمكه».

«التعابين والشلان البلدي ماتت»، يقول «عويس» الصياد الذي توقف للحديث عن شكواه، والذي يعتقد ان «اجراءات خاطئه لشركه الصرف» تسببت في احداث خلل في البيئه السمكيه في المنطقه التي تقع شمال موقع محطه الصرف، وعلي امتداد كيلومترات. ويضطر «عويس» وابنه الي الابحار جنوباً او عند الشط الاخر شرق جزيره (وراق الحضر) المقابله لمحطه الصرف، والتي تزيد فيها نسبه الاسماك، مقارنه بالمنطقه التي يقطن «عويس» قريباً منها: «لكن لما بنروح هناك، ممكن تحصل مشاكل مع الصيادين زمايلنا هناك، وحقهم لان كل منطقه لها صيادينها، ولما بنروح نصطاد عندهم بنشاركهم في رزقهم»، يضيف الصياد.

بحسب محمد عبداللطيف، العضو في احدي النقابات المستقله لصيادي الجيزه، فان الاثار التي خلّفتها محطه الصرف الصحي امتدت لنحو عشره كيلومترات، بطول المسافه من قريه طناش، الواقعه اسفل الطريق الدائري، وحتي اماكن قريبه من القناطر الخيريه، كما يقدر اعداد المتضررين بنحو «850 مركب موجوده في كل القري الموجوده في الطريق، منها حوالي 320 مركب في طناش، وكل مركب شغال عليها شخصين او تلاته».

ومن القري المتضرره، كما يقول «عبداللطيف»: «طناش والقيراطيين والمناشي، وكلها من القري الموجوده في اتجاه الشركه، واللي نسبه الثروه السمكيه فيها بقالها سنين معدومه، ومفيش غير سمك الحجاري القزم هو الموجود، ورغم اننا كلمنا وزاره الري واتكلمنا قبل كده عن تلوث النيل، لكن مشفناش اي تحركات لوقف نشاط المحطه وطرد صرفها الصحي للنيل».

صياد: «زمان كنا نشرب مياه النيل بكفوفنا ودلوقتي بقينا مش عارفين نشرب ولا نصطاد»

ويذكر محمد عبداللطيف ان نسبه الصرف الذي تلقيه المحطه في مياه النيل تزداد بشكل ملحوظ في المساء: «غير ان كميات صرف المحطه اكبر من المحطات التانيه، بحكم انها محطة ضخمه» يقول الصياد، مضيفاً ان «كميه الصرف اللي تم طرده علي مدار سنين، كوّن طبقه عميقه من الترسبات، غيرت قاع النيل في المنطقه تماماً، وبقت شبه الزبده، مش بتسمح للسمك يحط بيضه في حُفر، فبيبقي مستحيل السمك يجيب اجيال تانيه، وتتراجع كميه السمك لحد ما تنقرض زي ما حصل هنا في طناش والقري اللي بعدها».

ويضيف الصياد انه قبل ظهور الاثار السلبيه الناجمه عن طرد الصرف الصحي من المحطه في مياه النيل، كان بامكان الصيادين في المنطقه صيد انواع مختلفه من الاسماك النيليه منها «البلطي، والشيلان البلدي والزقازيق، والقراقير، وسمك البياض، والشلبايه، والتعابين النيلي، لكن كل الانواع دي معادتش موجوده الا في المنطقه اللي قبل المحطه، لو قبل المحطه بمتر ممكن تصطادها، لكن بعد المحطه بـ10 كيلو مش هتقدر تصطاد الا السمك الحجاري، وكله سمك قزم مابيكبرش».

«رغم ان مفيش مراكبي يقدر يجيب سمكة كبيرة في المكان هنا، وبرغم ان المنطقه دي كانت عمرانه زمان وقت ما جينا قبل ما تبدا المحطه تشتغل، وبرغم اننا قلنا كتير عايزين نعالج الموقف، الحكومه معملتش غير انها جابتلنا برميل سمك زريعه في 2011، ولما حطوه في النيل انتظرنا شهور وسنين لحد النهارده مشفناش سمكه واحده» يستطرد «عبداللطيف».

يتحاشي الصيادون الصيد من المنطقه التي تلي محطه الصيد، وكذلك يفعل الصياد عزوز محمود، الذي تحاشي الشكوي كذلك، قائلاً «ان الصياد لا حول له ولا قوه، الشبه اللي بتبقي مع صرف المحطه عدمت السمك من هنا للقناطر حوالي 10 او 15 كيلو، والارض عليت في المكان، والسمك بطل يسكن هنا». ويستدرك الصياد عزوز محمود ان مقر وزاره الري، المعنيه بحمايه النيل، قريب جداً من مقر المحطه، التي يتهمها صيادو المنطقه بالاضرار بالبيئه السمكيه، لكنها لا تلقي بالاً بما الت اليه المنطقه، وما لحق بها من ضرر.

«عبداللطيف»: الصرف ادي الي تكوين طبقه من الترسبات لا تسمح للسمك بوضع بيضه في حُفر

يضطر «عزوز» للعمل في الصيد بمفرده، حيث لم يُرزق باولاد ذكور، «ماحيلتيش الا دراعي، لو اشتغلت هلاقي اكل انا ومراتي وبناتي الاتنين، ولو ماشتغلتش مش هلاقي لا انا ولا عيلتي ناكل»، لذلك يضطر «عزوز» للانتقال مع اصدقائه الصيادين الي منطقه جنوب المحطه، لتفادي قله السمك.

يقول استاذ البيئه، الدكتور طارق عيد، ان طرد الصرف الصحي الي النيل «لا بد ان يلتزم معايير كثيره، حيث تجب معالجه الصرف اولاً، والا سيتسبب ذلك في زياده الضغط علي محطات مياه الشرب، كما ستؤثر علي نوعيات الاسماك في النيل».

واضاف «عيد» ان اكثر انواع الصرف خطوره هو «الصرف الصناعي، ويليه الصرف الزراعي ثم الصحي»، كما اشار الي انه لا يمكن تحديد خطوره الصرف الصحي علي المياه الا «باجراء تحاليل كثيره علي عينات من المياه». ويضيف استاذ البيئه ان وزارات الري والصحه والبيئه تجري متابعات دوريه وغير دوريه علي اداء محطات الصرف، التي تطرد صرفها المعالج في النيل، للتاكد من عدم خطورته علي البيئه السمكيه او جوده المياه.

في المقابل، قآل محمد خليفه، مدير اداره المواد الخطره في وزاره البيئه، ان خطوره طرد الصرف الصحي في مياه النيل، ترجع الي طبيعه هذا الصرف «الذي لا يمكن التعامل معه علي انه مخلفات عضويه، وانما مخلفات صناعيه كذلك، لان معالجة الصرف الصحي تتم باستخدام مواد صناعيه عاديه، ومنظفات وملوثات ثابته، اخطرها الزئبق الذي لا يتحلل في انسجه الاسماك عند استقراره فيها، فيصل الي الانسان، وهناك يتراكم بشكل كبير مع مرور الوقت بما يسبب تكون اورام سرطانيه».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل