جواسيس وعملاء «3».. ريتشارد سورج.. كلمة السر فى حسم الحرب العالمية

من بين قصص اشهر الجواسيس حول العالم، يبقي لريتشارد سورج الجاسوس السوفيتي وضعًا خاصًا، فهو الجاسوس الوحيد عبر التاريخ، الذي لعب دورًا فعالًا في حسم الحرب العالمية الثانية.

لقب سورج بـ"الاستاذ"، وعُرف بانه صاحب شخصيه فريده مبهره، وثقافه واسعه، ساعدته علي تكوين اكبر شبكه جاسوسيه في الصين واليابان، خلال الحرب العالميه الثانيه.

بدات رحله سورج في عالم الجاسوسيه في اليوم الذي التقي فيه ديمتري مانولسكي، رئيس قسم المخابرات الاجنبيه في "الكومنترن"، وخضع لعدد من الاختبارات والدراسات، بعدها طلب الاخير من الاول تعلم بعض العلوم واللغات في مقدمتها الانجليزيه، والفرنسيه، والروسيه، واليابانيه، والصينيه، والتي اجادها سورج جميعًا في وقت قياسي.

بعد ذلك سافر سورج الي شنغهاي بالصين ليتولي قياده شبكه الجاسوسيه التي عرفت باسم "وحده الصين"، ولقوته وحزمه ودقته في العمل اثار انبهار المخابرات السوفيتيه ورجالها، فيما قال افراد الشبكه عنه انه لا ينام وافكاره وخططه بالغه الجراه، فوصفوه بانه "اله الجاسوسيه".

وبعد نجاحه المذهل، في تحويل وحده الصين، الي واحده من اقوي وحدات الجاسوسيه السوفيتيه في العالم اجمع، قرر السوفييت ارساله الي قلب برلين نفسها، وهي الخطوه التي وصفها بعض الكتاب بانها كانت مغامره كبري، خصوصا في ظل وجود جهاز "الجستابو"، اشرس جهاز امني علي مستوي العالم في المانيا في ذلك الوقت.

عمل ريتشارد في المانيا في مجال الصحافه، وترقي بسرعه حتي احتل منصب كبير الصحفيين والمراسلين الالمان، وبعد نجاحه في برلين سافر الي اليابان لبدء مرحله جديده في سجل نجاحاته.

في الشهور الاولي اكتفي ريتشارد بمد جذوره في المجتمع الياباني، وتكوين علاقات قويه مع ابرز رجال السياسيه، والاقتصاد، والجيش الياباني، وبعد شهور اخري كون شبكه جاسوسيه قويه وطلب من المخابرات السوفيتيه ان تخصص لها 3 الاف دولار شهريا.

حققت الشبكه اول نجاحاتها عندما اخبرت السوفييت بنيه اليابان احتلال منشوريا الصينيه، حيث احتلت اليابان منشوريا وشمال الصين بالكامل، وفرض الجيش الياباني هيمنته علي مساحه واسعه من الاراضي الاستراتيجيه، بعدها بعث سورج بخبر يفيد بان الجيش الياباني في سبيله الي الثوره في فبراير 1936، ووقعت ثوره الجيش في التوقيت نفسه، وحملت اسم "حادث فبراير"، ومع تلك النجاحات ادرك السوفييت اهميه وخطوره عميلهم، فصُنف علي انه عميل نادر.

وعندما اندلعت الحرب العالميه الثانيه عام 1939، كان سورج اشهر واقوي واخطر جاسوس للمخابرات السوفيتيه في العالم كله، وكانت الشبكه اليابانيه التي اقامها، هي انشط شبكات الجاسوسيه، في تاريخ المخابرات كله.

وقّع هتلر مع موسكو، اتفاقيه الدفاع المشترك وفي تلك الاثناء توصل سورج الي معلومه تؤكد ان المانيا ستهاجم الاتحاد السوفيتي قريباً، فشكك بعض قاده الجيش السوفيتي في المعلومه، غير ان المفاجاه وقعت في 22 يونيو 1941، عندما بدا عمليه بارباروسا لغزو الاتحاد السوفيتي.

وعلي الرغم من حذر سورج، وشكوكه اللامتناهيه، في كل من يتعامل معه، وقع في خطا لا يغتفر، كتب اخر سطور النهايه في قصته، حيث وقع في غرام الراقصه اليابانيه كيومي، وانبهر بها، واطلق لغريزته العنان معها، دون ان يدرك انها عميله لمكتب الجاسوسيه الياباني.

مرت الامور هادئه بين الطرفين، حتي وقعت في يد سورج اخطر معلومه، يمكن ان يحصل عليها جاسوس علي الاطلاق، تقول ان اليابان لا تنوي ابداً خوض الحرب، في الجبهه السيبيريه، مكتفيه بحروبها في الصين والهند الصينيه وكانت هذه المعلومه تساوي الكثير.

ومع وصول المعلومه الي موسكو، ومع ثقتها الشديده في قوه عميلها سورج وخطورته، قرر قاده السوفييت سحب ما يقرب من مليوني جندي، من الجبهه السيبيريه، وتكليفهم بمواجهه الالمان في الغرب، واعتبر هذا القرار اخطر قرار تم اتخاذه في تاريخ الحرب العالميه الثانيه علي الاطلاق، حيث كانت نقطه تحول حاسمه في مسار الحرب كلها، حيث انهزمت المانيا امام موسكو وتراجعت، وظلت تتراجع وتتراجع خلال السنوات التاليه، حتي انهزمت هزيمه ساحقه في النهايه.

وبعد ان حقق سورج اعظم انتصاراته، وقع في خطا بسيط، حيث قرا ورقه تحوي بعض الاسرار العسكريه، امام كيومي، ثم مزقها والقي بها في سله القمامه، علي الرغم من انه كان يتحتم عليه وفقًا لابسط قواعد الجاسوسيه حرق الورقه.

انتبهت كيومي لما جري، فابلغت الكولونيل اوزاكي، الذي امر رجاله بجمع كل قصاصه ورق في سله قمامه سورج وفرزها، وتجميعها واعاده لصقها، ليواجهه بها في اليوم التالي ليسقط سورج، قبل ان يبعث باخر معلومه للمخابرات السوفيتيه والتي كان من شانها تغيير مسار الحرب ايضا حيث كانت المعلومه تؤكد ان الطائرات اليابانيه تعتزم الهجوم علي ميناء بيرل هاربر الامريكي، فجر السادس من نوفمبر.