المحتوى الرئيسى

«فورين بوليسي»: أزمة هوية في طهران .. من يمثل إيران حقا؟ - ساسة بوست

10/10 20:22

منذ 1 دقيقه، 10 اكتوبر,2015

تصر طهران وواشنطن علي ان الاتفاق النووي الايراني لن يؤثر علي الاتجاه السياسي الايراني او التنافس علي السلطه في الشرق الأوسط. كلا الطرفين مخطئان اذ ان الصراع علي مكانه ايران في المجتمع الدولي قد بدا فعليا.

في طريقي من اسطنبول الي مطار الإمام الخميني الدولي صعقت بمنظر النساء يرتدين اقنعه وخمارات وبالكاد تري القليل من الفتيات الشابات اللاتي يرتدين الجينز والكعب العالي .

بمجرد هبوط الطائره قمت كباقي النساء بوضع الحجاب وارتداء ستره طويله تصل للركبه، يبدو هذا هو الزي الرسمي في ايران منذ قيام الثوره. هذه نظره سطحيه علي منظر الناس في ايران، ولكن تبدو الفجوه كبيره بين حياه الايرانيين في بلادهم وكيف يرغبون بان تكون.

ستشهد ايران توترا كبيراً في الاشهر والسنين المقبله بعد توقيعها علي الاتفاق النووي مع سته من الدول العظمي مقابل رفع العقوبات الخانقه عنها. ويري ملايين الايرانيين ان هذا الاتفاق يعتبر فرصه للجيل الجديد لاعاده تواصله مع العالم من حوله ورسم مسار مختلف للتقدم للامام، لكن هذا ما يعارضه الكثير من القاده المحافظين.

يؤكد «ايه الله خامنئي» المرشد الاعلي للبلاد علي ان بلاده سوف تتصدي للنفوذ الامريكي في المنطقه وفي كل منعطف، ويري بان الغزو الفكري والثقافي والسياسي اكثر خطوره من الغزو الاقتصادي والامني فالعدو الامريكي بنظره يتوقع ايران جديده بعد 10 سنوات ولن نسمح لهذا ان يحدث.

سافرت للمره الاولي الي ايران في مهمه عمل تابعه لاذاعه الـ BBC التي تغطي الاحداث هناك منذ 2009، فليس من السهل وصول الاعلام الغربي لايران حيث يخضع الاعلام للرقابه المشدده من قبل السلطات الايرانيه. يستقي معظم الاعلاميون الاخبار من المواطنين انفسهم. هناك فقط صحفيان غربيان يعملان بنظام الوقت الكامل ويغطيان الاحداث في الساحه الايرانيه احدهما «جيسن ريزن» التابع لصحيفه «واشنطن بوست» والذي قضي 14 شهر في لسجن بتهمه التجسس.

لقد امضيت معظم حياتي المهنيه في الحديث عن العالم العربي لاسيما عن التدخل الايراني في لبنان والعراق. فانا اعرف السياسه الايرانيه والثقافه الاسلاميه ما بعد الثوره بشكل جيد من خلال لقاءات اجريتها مع الجماعات المسلحه التابعه لحزب الله، وما زالت ايران تمتع بنفوذ في المجتمع الشيعي في لبنان وتتحكم بمصير اللبنانيين. واعرف هذه السياسه من خلال تواصلي مع اصدقائي الايرانيين في المملكه المتحده وامريكا والذين يمثلون فئات مختلفه من المجتمع فمنهم الكتاب والاطباء والشعراء وغيرهم الكثير من الذين تم نفيهم بعد الثوره الاسلاميه وهؤلاء من يمثلون دوله ايران الحديثه، ايران الليبراليه والعلمانيه ولكن شتان بين كيف يعيش الايرانيون داخل ايران ومن يعيشون في المنفي فمن منهما يمثل ايران حقا؟

عندما سافرت للمملكه العربيه السعوديه طاردني رجال الشرطه الدينيه او ما يعرف بهيئه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجه عدم تغطيه راسي. سافرت للمملكه عده مرات ولم اتعرض لهذا الموقف ابداً الا في عهد الملك «سلمان» الذي يشجع مثل هذه التصرفات.

حرصت علي اتباع القوانين المعمول بها في ايران منذ وصولي الي طهران بدايه بالملابس: اكمام الي الرسغ وستره طويله تصل للركبه وتحتها ارتديت بنطالا وحذاء مغلقا ولم اضع طلاء الاظافر فهو ممنوع هناك.

لقد اعطي الرئيس السابق «احمدي نجاد» الشرطه الدينيه القوه المفرطه فتراهم يغرغمون النساء من اجل طلاء اظافرهن او يهاجمون رجلا يطيل شعره او يلبس اساور في يديه. ولكن منذ انتخاب الرئيس «حسن روحاني» في 2013 تضاءل نفوذ الشرطه واضحت مثاراً للسخريه لكثير من الايرانيين.

ففي مسرح باريس يعرض فيلم كوميدي عن الحياه والحب بعد الثوره ويستهزئ الفيلم برجال الدين في ايران ويظهر مدي تزمتهم، وفي مشهد اخر يظهر شرطي يجلد مجموعه من الشباب ويدفعهم لعربه ويامرهم بتقصير شعورهم فيضحك الجمهور بحراره. في ايران يستهزا الناس برجال الدين اكثر من اي دولة إسلامية اخري.

تشعر ايران الان بانها اقل عزله واكثر حداثه من السابق بعد ان كانت تخضع لعقوبات منذ عام 1979 بل انها اكثر حداثه من العراق في عهد «صدام حسين». ففي زيارتي لبغداد عام (2003) كان من الواضح ان عهد الديكتاتور كان الي زوال. بنيه تحتيه ضعيفه ومجاري مفتوحه في بعض الاماكن  واناس بؤساء حتي انهم يخافون من ذكر اسماء ابناء «صدام حسين» قصي وعدي.

اعرف ان امال الايرانيين قد خابت وفشلت ابتكاراتهم النوويه، ولكن مدينه طهران تذكرني باسطنبول. مباني منخفضه الارتفاع شوارع مزدحمه وحدائق ومنتزهات ومنحدرات تزلج. وفي الصيف يذهب الشباب الايرانيون للمشي لمسافات طويله ولسباق المظلات.

من المفارقه ان الناس في ايران اكثر علمانيه من حكومتهم، فمن المعروف ان الاذان يرفع خمس مرات في كل الدول العربية والاسلاميه الا ايران فلا يرفع فيها الاذان الا يوم الجمعه ظهرا وتقام الصلاه في مكان واحد وهو جامعة طهران التي مازالت تدل علي ان الثوره ما زالت حيه وحيث يلقي رجال الدين خطبهم الناريه.

يبدو ان رواد المساجد هم من مؤيدي سياسه النظام، ومع ذلك فطهران البالغ عدد سكانها 12 مليونا لا تري فيها سوي 10.000 ممن المصلين يوم الجمعه بينما ينشغل الاخرون بوجبه الغذاء واعمالهم اليوميه.

اخبرني موظف حكومي سابق ان «بشار الاسد» هو حليف رئيس لايران بجانب حزب الله الذي يحارب اسرائيل. ومن المهم ان نحمي وندعم حلفاءنا لاسيما حليفنا السوري، فقاطعته علي الفور ستحتاجون المزيد من المال لدعم سوريا فاجاب من واجبنا الديني الدفاع عن المظلوم في كل مكان وليس مجرد سياسه خارجيه.

«الموت لامريكا»، شعار يردده الايرانيون، ومع ذلك ينصب عداؤهم علي السعوديه. يقول الشيخ «محسن محمودي» ان السعوديه دوله غير ديمقراطيه بسبب عدم وجود انتخابات وعدم اعطاء المراه حقوقها بينما تمتد الحضاره الايرانيه لاكثر من 700 عام. ويقول «حسين شيخ الاسلام» نائب الرئيس والسفير الاسبق في سوريا ان النظام السعودي علي «شفا جرف هار» بسبب غياب الديمقراطيه.

عندما خرج مئات الالاف من الايرانيين للشارع في عام 2009 احتجاجا علي اعاده انتخاب «احمدي نجاد» تم قمع هذه المظاهرات بعنف شديد، ولا يزال «مير حسين موسوي» خصم «نجاد» يقبع تحت الاقامه الجبريه. ولكن عندما ينظر الايرانيون للازمه في ليبيا وسوريا يرون مدي خطر قمع المظاهرات السلميه ضد الحكام الذي يمنعون الحريات ويرفضون التغيير.

يقول «سعيد ليلاز»، اقتصادي تم سجنه لانتقاده اعاده انتخاب «نجاد»، ان التغيير يجب ان يكون بطيئا وعميقا في نفس الوقت.

وفي اخر ايامي في طهران زرت قصر نافاران وكذلك زرت عده قصوره تابعه للشاه «محمد بهلوي» حيث كان يقيم فيها قبل مغادرته وهو وزوجته «فرح ديبا» في يناير/ كانون الثاني عام 1997. وهذا المتحف ما زال يذكر الايرانيين باحتقار وتجاهل الشاه لشعبه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل