المحتوى الرئيسى

تحولات الثقافة والفكر في الخليج من بريق اللؤلؤ إلى وهج النفط

10/10 14:32

- الثقافه من ايام اللؤلؤ الي عصر النفط

- التحولات الفكريه من "الليبراليه" الي "الاسلاميه"

- من سرعه التحولات الي الركود المطبق

اقليم الخليج من الاقاليم المهمه في العالم العربي التي تاثرت كثيرا بظهور النفط فيها في اربعينيات القرن الفائت وشهدت تحولات ملحوظه في العديد من المجالات الاقتصاديه والسياسيه والاجتماعيه. وفي فترة زمنية قصيره بمعيار اعمار الامم والحضارات لا تتجاوز الاربعين سنه تقريباً، انتقل الخليج حكومات وشعوباً من مرحله بداوه شديده وقحط اشد الي مرحله شهدت الكثير من الرفاهيه مع ما لذلك من نتائج غيرت العديد من المفاهيم والقيم.

هذا الخليج لم يكن يعرف كثيراً من مفاهيم ونظم الدوله الحديثه في فتره الاربعينيات وما قبلها، وكان مكتفيا بنظام القبيله في الحكم علي الصعيد السياسي، ويعتمد علي بعض الزراعه والرعي ومن ثم الغوص علي اللؤلؤ علي الصعيد الاقتصادي.

وقد لعبت بريطانيا دوراً مؤثراً في الكثير من الاحداث التي وقعت بالمنطقه، بل تولت هي جانب السياسه الخارجيه لاكثر امارات اقليم الخليج، وعملت علي تشكيل ثقافات معينه في المنطقه التي لم تكن اكثر من مشيخات متفرقه هنا وهناك لم تفكر او لم تكن قد وصلت بعد الي مرحله التفكير باسلوب الدوله الحديثه.

الثقافه من ايام اللؤلؤ الي عصر النفط

ولقد سادت ثقافه اللؤلؤ -كما يحلو للبعض ان يطلق هذا المصطلح- علي فتره ما قبل اكتشاف وظهور النفط.. وكانت الظروف الحياتيه حينذاك من مشقه وصعوبه من اسباب شيوع تلك الثقافه، حتي صار التفكير ابعد من اللؤلؤ وما يدور في فلكه ضربا من الخيال والجنون، بل لم يكن ليلقي بالا ان احدا بدا بالحديث عن بعض القيم والمبادئ والشعارات التي كانت سائده حينها في كثير من الدول العربية الكبيره مثل مصر والعراق وبلاد الشام.. وظل الحال في اقليم الخليج راكداً الي ان اذن الله بظهور هذا النفط.

ومنذ ان بدا النفط في الظهور وبدات عمليات الانتاج والتصدير وما تبع ذلك من ايرادات ضخمه دخلت الي خزائن دول الاقليم التي كانت استقلت حديثاً في الوقت نفسه عن الاستعمار البريطاني، والحاجه التي كانت ماسه لديها الي الاموال كاحد اهم المتطلبات الاساسيه للبناء والتعمير والنهضه الشامله.. منذ تلك الفتره ودول اقليم الخليج العربيه بدات تستعد لمرحله مهمه في تاريخها القصير الذي بدا فعليا مع ظهور النفط. تلك المرحله تتمثل في الانتقال السريع من شظف العيش الي سعته، ومن مرحله الكد والجهد من اجل لقمه العيش الي سهوله الحصول عليها والتوجه السريع الي الاستهلاك بكل مظاهره، وما سيصاحب ذلك -بعد قليل من الزمن- من تغيير كبير في المفاهيم والقيم ورؤيه الامور بمنظار جديد.

التحولات الفكريه من "الليبراليه" الي "الاسلاميه"

الهاجس الامني لدي دول مجلس التعاون الخليجيفي فتره الستينيات من القرن الماضي تاثرت بعض مناطق الخليج -مثل الكويت علي وجه الخصوص- ببعض الافكار التي كانت سائده في بعض الدول العربيه كالعراق ومصر والشام، وظهرت في الكويت حركات وتجمعات ومنظمات لكنها لم تكن لتصل الي مستوي نظيراتها في بعض الدول العربيه. تلك التجمعات صارت تطالب ببعض الاصلاحات وتطبيق بعض المفاهيم متاثره بالتوجهات والافكار التي سادت العالم العربي كالماركسيه والليبراليه والقوميه العربيه والناصريه بالاضافه الي افكار اسلاميه كان التاثير الاكبر فيها لافكار الاخوان المسلمين من بين الافكار والتوجهات الاسلاميه التي سادت بعض دول الاقليم.

ولقد بدا التيار الليبرالي يؤثر مبكراً في الكويت ومن ثم البحرين حتي قبل ظهور النفط تقريباً. ولعل الموقع الجغرافي للبحرين والاحتكاك المتواصل مع الكثير من الشعوب بسبب التجاره وظهور انديه ومدارس وبروز مثقفين اتصلوا مبكراً بمثقفين عرب، اثر كثيراً في انتشار الفكر الليبرالي فيها في الوقت الذي كان لجوار العراق للكويت اثره المباشر في تعزيز الفكر الليبرالي في الكويت. وظهرت تنظيمات ليبراليه في الكويت ولكن بصوره سريه بسبب حظر العمل السياسي وقله وسائل التعبير حينها. ولقد ظهرت منشورات باسم الحزب الوطني الديمقراطي الكويتي لاول مره في عام 1954 تندد بسياسات بريطانيا في الخليج واحتكار شركات النفط الاجنبيه وضروره وضع دستور للبلاد. وظهرت بعدها العصبه الديمقراطيه الكويتيه في اغسطس/اب 1954 ايضاً -وكانت تنظيماً علنياً- ودعت الكويتيين الي الانضمام اليها، وطالبت باقامه الحكم البرلماني والتصدي لبريطانيا والاستقلال عنها.

وبعد حرب يونيو/حزيران 1967 وما اصاب العرب من هزيمه نكراء علي يد القوات الاسرائيليه، اصابت حركه القوميين العرب نكسه علي اثر تلك الهزيمه، فوقعت بعض الانشقاقات في صفوفها منها ما حدث في الكويت وظهور تنظيم التجمع الديمقراطي ذي التوجه الليبرالي القومي، وطالب بالحفاظ علي الثروه النفطيه من التبديد والاسراف في الانتاج، وتحقيق العداله الاجتماعيه ومكافحه الفساد. وكان من ابرز اعضاء التنظيم عبد الله النيباري واحمد الربعي وسامي المنيس. وظهر تنظيم اخر تحت اسم المنبر الديمقراطي، وكان تنظيماً ليبرالياً كذلك وابرز اعضائه الدكتور احمد الخطيب. وتبع ذلك ظهور تنظيم مماثل في التوجه سمي بتجمع الاحرار الديمقراطيين وكان من ابرز اعضائه الدكتور عبد الله النفيسي.

وفي البحرين نشات اللجنه الوطنيه للدفاع عن حريه البحرين، وكانت ذات منهج ليبرالي يدعو الي مقاومه الاستعمار البريطاني ايضاً ورفع الظلم الواقع علي البحرينيين في شركه النفط "بابكو" اضافه الي المطالبه بحريه التعبير والعداله في توزيع ثروات البلاد، وظهرت هذه اللجنه عام 1954.

ظهر تنظيم ليبرالي في السعوديه عام 1958 تحت مسمي "الامراء الاحرار" بزعامه الامير طلال بن عبد العزيز الذي استفاد من الخلاف القائم بين الملك سعود والامير فيصل وطالب بعدد من الاصلاحات اهمها وضع دستور دائم للبلاد وتفعيل دور مجلس الشوري

”وظهر تنظيم ليبرالي في السعوديه عام 1958 تحت مسمي "الامراء الاحرار" بزعامه الامير طلال بن عبد العزيز الذي استفاد من الخلاف القائم بين الملك سعود والامير فيصل وطالب بعدد من الاصلاحات اهمها وضع دستور دائم للبلاد، وتفعيل دور مجلس الشوري. وايد كثير من المثقفين وبعض التجار افكار الامير طلال الذي غادر المملكه بعد ان توترت العلاقات بينه وبين الامير فيصل الي القاهره ومن ثم الي بيروت التي باشر منها اصدار البيانات والنشرات المناهضه لحكم الملك سعود، وطالب بالاصلاحات الديمقراطيه والدستوريه.. ولكنه اعتزل العمل السياسي اواخر السبعينيات وعاد الي المملكه بعد عفو الاسره المالكه عنه مع بعض اخوانه الذين شاركوه في العمل السياسي ضد الملك سعود مثل الاميرين بدر وعبد المحسن.

وفي سلطنه عمان ظهر فرع لحركه القوميين العرب بواسطه الفلسطينيين الذين هاجروا اليها بعد قيام الدوله العبريه عام 1948، وانشا مجموعه من شباب ظفار الحركه وكانت مرتبطه بالتنظيم الام، حتي انشقت مجموعه من الظفاريين وانشات الجمعيه الخيريه الظفاريه عام 1963 وكانت تمارس عملها سراً، وكان من ابرز قيادييها وزير الشؤون الخارجيه العماني حالياً يوسف بن علوي، وكان من ابرز مطالب الجمعيه الانفصال عن عمان واستقلال ظفار، ولكن حصلت بعد ذلك تغيرات كثيره علي الجمعيه من انشقاقات حتي انتهت عام 1968.

وكان للناصريه نصيب كبير من الانتشار في اغلب دول اقليم الخليج. وحظيت برصيد شعبي كبير حتي صارت الشعوب الخليجيه تهتف باسم وحياه الرئيس جمال عبد الناصر، وصارت اذاعه صوت العرب هي الاذاعه المسموعه في كل الخليج.

اما بشان التيار الاسلامي فان تاثير حركه الاخوان المسلمين في مصر كان واضحاً في عدد من دول اقليم الخليج مثل الكويت والبحرين والمملكه العربيه السعوديه وقطر، فظهرت جمعيه الاصلاح البحرينيه عام 1944، ثم ظهرت جمعيه الارشاد الاسلاميه في الكويت عام 1952 وكانت تسير وفق الفكر الاخواني، ثم ظهرت جمعيه الاصلاح في الكويت ايضاً عام 1963 وكانت وما زالت احدي واجهات جماعه الاخوان المسلمين في الكويت، ولها تاثير في الحياه الكويتيه بشكل عام.

كل التنظيمات التي اتخذت من الماركسيه منهجاً لم تقدر علي الصمود والمواصله في الخليج نظراً لغرابه افكارها واطروحاتها عن غالبيه الشعوب الخليجيه، اضافه الي لجوئها الي العمل السري ومطارده الحكومات لها بقوه مما جعلها تختفي تدريجياً حتي انتهت عملياً ”التنظيمات الماركسيه في الخليج

وشهد اقليم الخليج كذلك ظهور تنظيمات ماركسيه منذ الخمسينيات وان كانت اغلبها سريه، فظهرت لجنه العمال في المملكه العربيه السعوديه ونشطت في اوساط عمال شركه "ارامكو" النفطيه، ومن ثم ظهرت جبهه التحرير الوطني في البحرين عام 1955، ثم تبع ذلك ظهور تنظيم بالاسم نفسه في السعوديه عام 1958، واخري في قطر عام 1963، ومن قبلها بسنتين ظهرت منظمه الشيوعيين السعوديين وكان اغلب اعضائها من عمال شركه "ارامكو". وكان من ابرز واشد التنظيمات الماركسيه في الخليج الجبهه الشعبيه لتحرير عمان التي كانت تؤيد فكره التصادم مع الحكومات بشكل مباشر.

ولكن كل التنظيمات التي اتخذت من الماركسيه منهجاً لم تقدر علي الصمود والمواصله في الخليج نظراً لغرابه افكارها واطروحاتها عن غالبيه الشعوب الخليجيه، اضافه الي لجوئها الي العمل السري ومطارده الحكومات لها بقوه مما جعلها تختفي تدريجياً حتي انتهت عملياً.

من سرعه التحولات الي الركود المطبق

ان الحاله الاقتصاديه الجديده التي بدات تعيشها شعوب الاقليم بعد تدفق عوائد النفط وخيراتها من الاسباب الرئيسيه التي دفعت بعض المثقفين الناشطين الي التحرك يمنه ويسره لنقل ما كان حيويا في بعض اجزاء من العالم العربي الي دول اقليم الخليج العربيه منعاً لتبديد الثروه الجديده وانفراد فئات قليله بالاستفاده من خيراتها.. فظهرت من جراء ذلك التنظيمات والتجمعات المختلفه.

ولكن نظراً لانشغال الكثيرين بلقمه العيش اليوميه والتهافت الكبير للحصول علي خيرات وعوائد النفط عبر صور واشكال متعدده، اضافه الي عدم وضوح الرؤي لدي غالبيه الشعوب الخليجيه لاهداف تلك التحركات، وعدم الاحتكاك والتواصل مع شعوب الدول المختلفه، كل ذلك يمكن اعتباره من العوامل المهمه ايضاً التي لم تساعد علي استمرار تلك التنظيمات او التجمعات والتحركات في الخليج، بل جعلتها تتراجع شيئا فشيئا امام الزحف الهائل للثروه الكبيره التي انهالت علي دول الاقليم بسبب ايرادات النفط الضخمه.

وهكذا بدات حراره وحيويه الناشطين تقل في ظل النشاط الذي حل بالمنطقه وشعبها من الناحيه التجاريه والاقتصاديه، وفي وقت بدا الكل يشمر عن ساعديه لينال من تلك الثروه بعيدا عن اي افكار اخري تحرريه كانت او اصلاحيه او غيرها. ذلك ان الهم الاكبر كان عند الحكومات كما الشعوب هو الثروه وكيفيه الاستفاده منها، فاما الحكومات فقد بدات تتجه نحو العمران وتاسيس نفسها كدول مستقله حديثا، في حين ان الافراد بمستوياتهم المختلفه من برجوازيين وتجار وطبقه وسطي، بدؤوا يتعاونون فيما بينهم من جهه وبين الحكومات من جهه اخري لتطويع تلك الثروه المتدفقه في تحقيق نتائج ايجابيه علي الطرفين.

رغم اتساع رقعه التعليم والمتعلمين وكثره المبتعثين للخارج والاتصال بثقافات عديده فان ذلك لم يغير من الامر الشيء الكثير اذ ظل الخليج علي حاله

”وانتبهت الدول الي امكانيه ضبط الامور ومنع تلك التحركات والنشاطات من الظهور مره اخري والتسبب بازعاجات وعدم استقرار، وذلك عن طريق المال، فعملت علي جذب العناصر المهمه الناشطه واغرائها بالمناصب والامتيازات والمخصصات الماليه حتي نجحت بنسبه كبيره في ذلك وخمدت بسببها اغلبيه تلك النشاطات، ومن لم تقدر الحكومات علي تطويعهم بالمال انتهي الحال بهم اما الي السكون والانزواء او الهجره والعيش في الخارج لحين من الزمن. وهكذا لعبت الثروه دورا في تشكيل ثقافه جديده في منطقة الخليج، وصار المال وطرق تحصيله اهم اساسيات وركائز تلك الثقافه.

ورغم اتساع رقعه التعليم والمتعلمين وكثره المبتعثين للخارج والاتصال بثقافات عديده فان ذلك لم يغير من الامر الشيء الكثير اذ ظل الخليج علي حاله من اتجاه سريع مستمر الي الاستهلاك والتقليل من الانتاج، اضافه الي الاعتماد علي الغير في كثير من شؤون الحياه اعتمادا علي الثروه الموجوده، حتي ارتبطت ثقافه النفط بثقافه الاستهلاك وغياب فقه الاولويات في بناء الدول الحديثه.

ولكن مع مرور الزمن وكثره الازمات التي حلت علي المنطقه من ازمات اقتصاديه وحروب وضغوط خارجيه لاسباب عديده، بدا الزمن دورته من جديد مره اخري، وبدات التذمرات تتصاعد حده ووتيره، وبدا الحديث عن الاصلاحات ومحاربه الفساد باشكاله المختلفه يعود الي السطح من جديد. فالثروه النفطيه بعد اربعين عاما لم تعمل الكثير كما ينبغي للمنطقه، ولم يستفد الكل منها بل ظلت تراوح مكانها، والدول لم تبلغ المستوي المنشود ولم تحقق المطلوب، بل ان المخاوف كبيره وكثيره من ان ازمات عديده في الطريق قد تقع مع مرور الايام وتتازم الاوضاع دون ان تتمكن هذه الماده والثروه من تحقيق ما كان الكل يحلم به ببناء دول متمكنه قادره علي العيش اعتمادا علي الذات وتستفيد من المال في النهوض بنفسها وشعوبها علي كافه المستويات.

ها هي صيحات الانذار تتعالي وتتوالي من شبح البطاله، ومن تعمق خاصيه الاستهلاك في الجيل الحالي وربما القادم ايضا، وانزواء خاصيه الانتاج في الشعب الخليجي، والتمهيدات الخاصه لعوده الشركات الاجنبيه وعهود الاحتكارات والاستعمار ورهن المرافق والممتلكات، متزامنه مع مشكلات نتجت من كثره الاعتماد علي الغير من الايدي العامله لا سيما الاجنبيه غير العربيه. وازدادت المخاوف من جديد من امكانيه وقوع المنطقه تحت الاحتلال مره اخري من قبل قوي متنافسه علي الطاقه، وان كان ليس شرطا ان يكون الاحتلال عسكرياً كما في السابق.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل