المحتوى الرئيسى

سيلين ساري تكتب: لعبة الكراسي الموسيقية ما بين الربيع الغربي والعربي | ساسة بوست

10/10 00:44

منذ 1 دقيقه، 10 اكتوبر,2015

لم تَخْلُ فتره من التاريخ، سواء القديم منه ام المعاصر، من شكل من اشكال الاحتكاك والتداخل والتشابه بين شرقنا الاسلامي والغرب، وسواء اكان هذا التداخل والتشابه بسبب حضور الغرب في شرقنا ام بسبب حضور شرقنا في الغرب ؛ لعله الحرب او التجاره او الاستكشاف او الترحال او خلافها.

فهذا هو الاسكندر يحتاج الشرق فياتينا مستعمرا ، اعقب ذلك قيام الدولتين السلوقيه في سوريه والعراق والاناضول والبطلميه في مصر وجنوب فلسطين وشرقي الاردن، ثم قيام الدوله البيزنطيه.

ثم تدور الدوائر وياتي دور شرقنا لتكن له القوه والغلبه ، فتبدا الانتصارات العربيه الاسلاميه في مطلع القرن السابع الميلادي ، حيث وصل العرب في اوجِها الي الاندلس.

ثم ما لبثت الصوره ان تعقدت بان دخل الغرب الي الشرق في حروب الفرنجه فيما استمر الحكم العربي الاسلامي في الاندلس، اي انه تداخل الغرب في الشرق (من جهه شمال المتوسط) والشرق في الغرب (من جهه جنوب المتوسط)، لكن شتان بين ما كان يعم الشرق من نور وعلم ويلف الغرب من ظلام وجهل.

وليست العصور الحديثه الا استمرارا لهذا المد والانحسار بين طرفي المعادله التاريخيه التي اوصلت عالمنا الاسلامي الي ما هو عليه الان واعيد رسم الخريطه التي لم تثبت يوماً، ولن تثبت علي صيغه واحده، بل انها تتغير وتتبدل باستمرار وفقاً لمبدا سنن الله في ارضه.

العصور المظلمه مصطلح يستخدم للدلاله علي العصور الوسطي في اوروبا حيث غابت في تلك الحقبه ما بين الاعوام 400 – 1400م تقريبا. الكتابات التاريخيه وانعدام الانجازات الحضاريه الماديه والانحطاط في مختلف المجالات، ولم يبق من معارف الاغريق والرومان التي ازدهرت في اوروبا سوي القليل محصورا بين الاديره والكاتدرائيات وبلاطات الحكام.

حيث ساد حكم البطريركيه، او السلطه الابويه، نظام مارسته الكنائس المسيحيه في اوروبا قديمًا، وهو نظام لا اصول له في المسيحيه، لكنه صار اساسًا للكنائس المسيحيه، التي رفضت منازعه سلطتها علي الدوله وعلي مواطنيها، سواء من المسيحيين او غيرهم، بحجه انها تمثل الاله، وكلمتها ملزمه ككلمه الاله، مما اضر بالدول الاوربيه علي جميع المستويات، العلميه والثقافيه والاجتماعيه والسياسيه والاقتصاديه، واخضعها لحكم مؤسسه لا حق لها في الحكم، ما اغرق اوروبا في وحول الظلام والتخلف والجهل لعده قرون. وذلك الي ان قررت اوروبا التوجه الي الشرق الاوسط عسكريًّا وكذلك فكريًّا.

فكانت الحملات الصليبيه الاوروبيه بدايه احتكاك الحضاره الاوروبيه بالحضارة الإسلامية، وفي الدول الإسلامية راي الاوروبيون حضاره لا يحكمها رجال الدين، حيث لا رجال دين في الاسلام، بل يحكمها العلماء المتخصصون، فهناك علماء الطبيعه والكيمياء الهندسه والرياضيات والفقة الاسلامي، وكل يلتزم مجاله لا يخوض في اخر الا بقدر المامه بهذا المجال وبغرض الاضافه له، ومن هنا بدا الاوروبيون ذوو الفكر يدركون ان بلادهم لا سبيل لها الي التقدم ، الا بالتخلص من قبضه البطريركيه، والتوجه الي القوانين العلميه المناسبه لكل تخصص علمي، وكانت تلك بدايه النهضه الاوروبيه.

في حين تسربت البطريركيه من اوروبا الي الشرق الاوسط والي الدين الاسلامي علي استحياء، محاوله ان تجد لنفسها طريقا تتسلل منه الي الدين الاسلامي ؛ لتصير اساسًا له كالمسيحيه، لتبدا عصور الظلام وافول الحضاره الاسلاميه.

لتقوم في اوربا ثوره تحرر تكون بمقتضاها الكلمه العليا للشعب ، وليست للكنيسه والدين ، اما عصور ظلامنا فبدات عندما قيدنا بعيدا عن ديننا وصارت الكلمه العليا للشعب، وليست لله والدين.

الوجه الاول للتشابه بين الشرق والغرب في ثوراتهم: انه كما كانت ثورات الربيع العربي عدوه سريعه الانتشار من دوله لاخري، كان الحال هكذا في اوروبا انتشرت الثوره في اوروبا عام 1848م من مدينه الي اخري عبر القاره، مطيحه بالانظمه الحاكمه في تلك الفتره.

فالثوره التي اندلعت في صقليه كانت تنذر باخري اشد في باريس، وبالفعل لاذ ملك فرنسا بالفرار بعد ثلاثه ايام وتم الاعلان عن قيام الجمهوريه، مما اطلق العنان لموجه عملاقه من الثورات التي اجتاحت سائر العواصم الاوروبيه من برلين الي فيينا وبودابست وميلان. حتي ان البابا قد اضطر للهرب واعلنوا الجمهوريه في روما. حدث كل ذلك خلال اربعه اشهر فحسب، في الربع الاول من عام 1848م.

ثاني اوجه التشابه ، هو ان الثورات في الوطن العربي وفي اوروبا قامت بالاساس لاسقاط الانظمه الاستبداديه، وتاسيس دول تحترم الحريات السياسيه ويقوم عليها ممثلون منتخبون مباشره من الشعب.

اما وجه التشابه الاخير، والاكثر اهميه، فهو انه عندما اندلعت الثورات الاوروبيه، لم يكن للمنظمات الاشتراكيه اي تواجد حقيقي بين الطبقه العامله، وهو الحال نفسه بشكل ابرز في البلاد العربية فعند قيام الثورات العربية اختفت كل المسميات وكان هناك ثوار وفقط دون اي انتماءات . فبالرغم من مرور كل تلك الاعوام، الا ان المنظمات الاشتراكيه لم تنجح في خلق جذور حقيقيه بين العمال سواء في الثورات الاوروبيه او العربيه ، حتي مع كثره من يتبنون الافكار الاشتراكيه في العالم العربى.

وكما تشابهت مقدمات ثورات الربيع الغربي والعربي تشابهت كذلك الاحداث التي تلت تلك الثورات من عوده الدوله العميقه للظهور وبقوه وبطش، فعندما استمر الحراك الثوري من دوله لاخري والاطاحه بالطغاه لم يكن امام جميع الملوك بديل سوي القبول بطلبات الشعوب الثائره او حتي مجاراتها والاصغاء اليها.

الا ان هؤلاء الثوار كانوا علي درجه من الواقعيه في مطالبهم، فحتي ماركس نفسه خفّض من سقف مطالبه لتقتصر علي توحيد المانيا والاقتراع والغاء الرسوم الاقطاعيه، لم يشفع كلّ ذلك للحلم الالماني الذي انهار سريعاً عقب نشوب الحرب الالمانيه الدانماركيه ليدرك المجتمعون في برلمان فرانكفورت انّهم بلا حول ولا قوه.

وقبل انقضاء عام 1849م عادت اسره البوربون لتحكم صقليه، كما عاد الملوك لممارسه سلطتهم المطلقه علي باقي الشعوب الثائره، بعد تحرك جنرالاتهم الذين قضوا علي تلك الثورات، مستعينين بتحالفات فيما بينهم واخري مع ممالك لم تصلها تلك الثوره كروسيا، لتكتمل خواتيم ذلك الربيع في فرنسا باعلان رئيسها نفسه امبراطوراً عليها. واتخذ اسم نابليون الثالث!

لم يكن الانتصار الجزئي لتلك الثورات في بداياتها واقعياً، وانّما رضخ الملوك لمطالب الثوار لكسب الوقت فقط، ولاعاده تنظيم الصفوف، ومن ثمّ الانقضاض علي الثوره، كما لم يكن لدي الثوار قوه يدافعون بها عن انفسهم في وقتٍ حافظت فيه الجيوش التقليديه علي ولائها للملوك، التي كان جنرالاتها وقادتها ينتمون الي الطبقه الارستقراطيه التي كانت تدين بوضعها الاجتماعي للنظام الملكي.

ثمّ تقلّبت معظم الدول الاوروبيه بين الملكيه والفاشيه لمئه عام اخري؛ فما اشبه اليوم بالبارحه، لكننا لا نقرا التاريخ او نتعلم منه فهذا ما حدث مع الربيع العربي نصا ، دنو اي اختلاف يذكر ، حيث اقتصرت مكاسب الثورات العربيه علي ازاحه وجوه معروفه من رجال النظم القديمه، وغياب المكاسب الاجتماعيه المباشره عن هذه الثورات، فانتهي الامر بعوده الانظمه القديمه نفسها، وان اتت برداء وواجهه مختلفين وهو ما حدث بالفعل في موجه الثورات الاوروبيه في 1848م.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل