المحتوى الرئيسى

تتويج مستحق للبيلاروسية سفيتلانا اليكسفيتش بجائزة نوبل في الآداب

10/09 20:35

لم تصنع الاكاديميه السويديه مفاجاه جديده هذا العام بمنح جائزة نوبل للآداب للكاتبه والصحفيه البيلاروسيه سفيتلانا اليكسفيتش، والتي تردد اسمها بقوه في الايام القليله الماضيه باعتبارها المرشح المرجح للفوز "بام الجوائز الادبيه العالميه" التي غاب عنها العرب منذ 27 عاما.

واعتبرت الاكاديميه السويديه المانحه لجوائز نوبل ان ابنه روسيا البيضاء سفيتلانا اليكسفيتش التي تجاوز عمرها الـ67 عاما جديره بالجائزه لكتاباتها التي تشكل صرحا ابداعيا يجسد المعاناه في عصرنا، فهي حسب اعلان رئيسه الاكاديميه السويديه سارا دانيوس "كاتبه استثنائيه" وصاحبه "كتابات متعدده الاصوات تمثل معلما للمعاناه والشجاعه في زمننا".

واذ تبلغ القيمه الماديه لجائزه نوبل للاداب ثمانيه ملايين كرونه سويدية (مايعادل 972 الف دولار امريكي) فان سفيتلانا اليكسفيتش تكون "السيده رقم 14" التي تحصل علي الجائزه عبر تاريخها المديد منذ بدايات القرن العشرين.

وسفيتلانا اليكسفيتش ولدت يوم الحادي والثلاثين من شهر مايو عام 1948 في بلده "ايفانو-فرانكوفسك" الاوكرانيه فيما كان والدها البيلاروسي المتزوج من سيده اوكرانيه من المنخرطين في سلك الجنديه، وبعد تسريحه من الجيش السوفييتي عادت العائله لبيلاروسيا ليعمل الاب والام معا في سلك التعليم كمدرسين.

ويبدو ان الفائزه بجائزه نوبل في الاداب هذا العام قد عشقت الصحافه منذ ربيع عمرها، اذ تركت مدرستها لتعمل كمندوبه اخباريه لصحيفه محليه في بلده ناروفل وتحرر الاخبار وتكتب التحقيقات والمقالات وتبدع القصص القصيره.

ووقعت الفائزه بام الجوائز الادبيه العالميه لعام 2015 منذ بدايات مسيرتها ابداعيه تحت تاثير الكاتب البيلاروسي اليس اداموفيتش الذي طور نوعا او "جنسا" من الكتابه اسماه "القصه الجماعيه المتعدده الاصوات" حيث يتحدث الناس عن انفسهم مع كورس ملحمي.

وحسب سارا دانيوس رئيسه الاكاديميه السويديه، فان سفيتلانا اليكسفيتش انهمكت علي مدي الاعوام الثلاثين او الاربعين الاخيره في التصوير الدقيق للكائن الانساني في الحقبه السوفييتيه ومابعدها، فيما لم يكن عملها الكبير هذا بمثابه تاريخ للاحداث وانما "تاريخ للمشاعر".

فاذا بها - كما تقول سارا دانيوس - تهدي العالم صرحا عاطفيا من المشاعر، واذا بها تحول الاحداث التاريخيه في كتبها عن وقائع مثل كارثه التسرب الاشعاعي في مفاعل تشيرنوبيل اوالحرب السوفييتيه في افغانستان لسبيل تستكشف من خلاله الفرد سواء في الحقبه السوفييتيه او الحقبه التاليه.

وها هي تمزج تكنيكات الصحافه الاستقصائيه وتقنيات التحقيق الصحفي ببراعه مع ابداعات وافانين القص في اعمال سفيتلانا اليكسفيتش، واذا بها تجري الاف والاف المقابلات مع اطفال ونساء ورجال لتقدم للقراء في كل مكان ماتصفه رئيسه الاكاديميه السويديه سارا دانيوس "بتاريخ لكائنات انسانيه لم نكن نعرف الكثير عنها" واذا بها في الوقت ذاته تقدم لنا "تاريخا للمشاعر وتاريخا للروح".

ونجحت سفيتلانا اليكسفيتش في تطوير التقنيات التي تعلمتها من الكاتب البيلاروسي اليس اداموفيتش لتبتكر "نوعا جديدا من الكتابه الادبيه" استحق اليوم اشاده وثناء الاكاديميه السويديه التي منحتها جائزه نوبل في الاداب، فيما نوهت سارا دانيوس في هذا السياق بكتابها الاول "وجه لا انثوي للحرب" الذي ارتكز علي مئات المقابلات مع سيدات شاركن في الحرب العالميه الثانيه.

وهذا هو الابداع في احد معانيه، حيث استخدام منظور جديد لرؤيه الجديد عبر القديم، كما فعلت الفائزه بجائزه نوبل للاداب هذا العام وهي تنظر للحرب العالميه الثانيه بمنظور جديد وتقدم للانسانيه ما كان في حكم المجهول بالنسبه لها عن هذه الحرب وتروي سفيتلانا اليكسفيتش قصص مئات ومئات السيدات اللاتي كن علي الخط الامامي للجبهه في الحرب العالميه الثانيه.

وبذلك كشفت هذه المبدعه البيلاروسيه تاريخا مجهولا الي حد كبير لنحو مليون امراه سوفييتيه شاركن في الحرب العالميه الثانيه فيما حقق كتابها هذا نجاحا مدويا وحظي باقبال منقطع النظير في الاتحاد السوفييتي السابق وبيع منه اكثر من مليوني نسخه.

وكتاب "وجه لا انثوي للحرب" دال في التعرف علي اساليب سفيتلانا اليكسفيتش فهو بمثابه وثيقه مؤثره بقدر ماهو فياض بالمشاعر الانسانيه بينما وصف نقاد كتابها الجديد "زمن مستعمل" بانه "ظاهره" في مسيره تلك المبدعه البيلاروسيه التي تعتمد كثيرا علي "التاريخ الشفهي".

واعمال سفيتلانا اليكسفيتش تتناول مشاعر الحنين "النوستالجيا" للاتحاد السوفييتي السابق، وهي التي لم تكل ولم تمل من جولات عبر روسيا التقت فيها مئات الاشخاص، في جهد امتزج بنبض الابداع لتكثيف الحاله الشعوريه العامه وتلخيص خلاصتها عقب انتهاء الحقبه السوفييتيه ودخولها في ذمه التاريخ.

من هنا حق وصفها بانها الكاتبه التي اقامت صرحا ابداعيا من المشاعر كما انها تتصدي لقضايا هامه ومطروحه بالحاح سواء داخل بلادها او خارجها مثل قضيه "انتقاص الهويه"، في الوقت الذي قدمت فيه توثيقا بليغا ومسحا تاريخيا فذا للواقع الروسي منذ النصف الثاني للقرن العشرين وحتي سنوات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وكتب سفيتلانا اليكسفيتش عصيه علي التصنيف ولايمكن ادراجها بسهوله ضمن فئه بعينها للكتابه او السرد ومن هنا فان بعض النقاد يعتبرون اعمالها خارج نطاق الروايه ولعلها بقدر ما ابتكرت نوعا جديدا من الكتابه تشكل نموذجا لمعني الكتابه الجديده "العابره للانواع".

وسفيتلانا اليكسفيتش كاتبه شبه مجهوله للقراء في الولايات المتحده وبريطانيا، ناهيك عن مصر والعالم العربي، غير ان فوزها بجائزه نوبل للاداب هذا العام كفيل بتشجيع الناشرين علي نشر اعمالها المتعدده الاصوات والمستعصيه التصنيف.

وفيما خابت مراهنات سابقه تصدرها الامريكي فيليب روث والياباني هاروكي موراكامي يحق للصحفيين ان يشعروا بالغبطه لان الفائزه بجائزه نوبل في الاداب هذا العام عاشقه كبيره للصحافه، وتمزج فنون وتقنيات الكتابه الصحفيه والروائيه بصوره مثيره للاعجاب وهي مولعه بجمع الادله الوثائقيه والاعترافات وشغوفه بتبديد مناطق الغموض.

ولئن كان اسم سفيتلانا اليكسفيتش يبقي مجهولا الي حد كبير عند قراء الادب علي امتداد العالم مقارنه باسماء لم تنل حتي الان هذه الجائزه مثل الايطالي امبرتو ايكو او التشيكي ميلان كونديرا والالباني اسماعيل قدري او الروائيه الامريكيه جويس كارول ناهيك او الياباني هاروكي موراكامي ناهيك عن الشاعر والكاتب السوري الاصل احمد علي سعيد، الشهير بادونيس، فانها علي اي حال معروفه في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق ككاتبه انهمكت في تصوير اوجه الحياه السوفييتيه والمرحله التاليه لدخول هذا الاتحاد في ذمه التاريخ.

والكاتبه والصحفيه سفيتلانا اليكسفيتش طرح اسمها في العام الماضي ضمن قوائم المراهنات والتوقعات حول جائزه نوبل للاداب جنبا الي جنب مع الامريكيين فيليب روث وتوماس بينشون، ومواطنتهم جويس كارول اوتس، والجزائريه اسيا جبار، والنيجيريه تشيماندا نجوزي، والكيني نجوجي واتينجو، والصومالي نور الدين فرح، والكرواتيه دوبرافكا اوجاريسك.

غير ان "ام الجوائز الادبيه العالميه" ذهبت عامئذ للكاتب الفرنسي باتريك موديانو وهو ثاني فرنسي يحصل علي جائزه نوبل للاداب في غضون خمس سنوات كما انه بات يحمل رقم "11" في قائمه الكتاب الفرنسيين الذين توجوا بجائزه نوبل للاداب .

وبين عامي 1901 و1915 بلغ عدد الفائزين بجائزه نوبل في الاداب 112 اديبا من بينهم المصري نجيب محفوظ، والذي يعد حتي الان اول واخر اديب عربي يفوز باهم جائزه ادبيه عالميه فازت بها اسماء مضيئه في عالم الابداع مثل الكولومبي جابرييل جارسي ماركيز وارنست هيمنجواي وتوني موريسون، وكانت في العام قبل الماضي من نصيب امراه ايضا هي كاتبه القصه القصيره الكنديه اليس مونرو.

ومن المعروف ان كل الوثائق الخاصه بالمداولات حول اختيار الفائزين بجوائز نوبل تبقي طي الكتمان ولا يسمح بنشرها الا بعد مرور 50 عاما عليها وحسب ستوره الين، من الاكاديميه السويديه، فان جائزه نوبل في الاداب تمنح للجداره الادبيه دون انحياز لاي دوله او قاره او مجموعه لغويه او ثقافه ومن ضمن شروط منح هذه الجائزه ان يكون الكاتب قد انتج ادبا "اكثر تميزا" وذا "اتجاه مثالي" وهو شرط ظل موضع تفسيرات وتاويلات مختلفه منذ ان منحت الجائزه لاول مره عام 1901 للشاعر الفرنسي رينيه بردوم.

واذا كان الاديب الياباني هاروكي موراكامي قد ابدي امتعاضا من مساله طرح اسمه كل عام في العقد الاخير ضمن ما يعرف بقوائم المرشحين لجائزه نوبل للاداب، معتبرا باستنكار ان الامر يشبه المراهنات علي الخيل في السباقات، فان المفكر والاديب الفرنسي الراحل جان بول سارتر رفض قبول جائزة نوبل في الأدب بعد اعلان فوزه بها، معتبرا ان اي جائزه حتي لو كانت جائزه نوبل تعكس حكم الاخرين وتعني تحويل الفائز بها الي مجرد "شيء بدلا من كونه ذاتا انسانيه"، وهو مايتناقض مع فلسفته الوجوديه التي اشتهر بها في العالم كله.

والملاحظ ان العواصف التي هبت بقوه علي جائزه نوبل في الاداب - التي منحت 108 مرات وتقاسمها احيانا فائزان حجبت سبع مرات - بعد منحها هذا العام لسفيتلانا اليكسفيتش كانت "امريكيه" علي وجه الخصوص.

ومع ان اللغه الانجليزيه هي صاحبه النصيب الاكبر في ام الجوائز الادبيه العلميه، التي منحت من قبل لـ27 اديبا يبدعون بالانجليزيه فالامريكيون يرون ان الاكاديميه السويديه تبدي تحيزا للادب المكتوب بغير اللغه الانجليزيه وتمنح جائزه نوبل لاسماء غير معروفه ولم يسمع عنها حتي الكثير من القراء في الغرب ناهيك عن بقيه انحاء العالم.

وفي المقابل، ترد اصوات مضاده ومدافعه عن اختيارات الاكاديميه السويديه مستحسنه منح الجائزه لادباء لاينتمون لمدرسه الصخب الامريكي وقوائم الروايات الاعلي مبيعا، كما ان هذه الاختيارات تشكل نوعا من مجابهه الهيمنه الثقافيه الامريكيه.

وليس من المرجح ان تهب عواصف انتقادات علي جائزه نوبل في الاداب هذا العام لان سفيتلانا اليكسفيتش تمثل بالفعل ظاهره استثنائيه في عالم الكتابه والابداع، ثم انها تنتمي لمنطقه بقت بعيده الي حد كبير عن هذه الجائزه، التي منحت منحت مره واحده للعرب عندما فاز بها الكاتب الروائي المصري الكبير نجيب محفوظ عام 1988.

وتوقف ناقد له شانه في الصحافه الثقافيه الغربيه مثل جون دوجدال عند الحقيقه المتمثله في انه منذ حصول الاديب والكاتب المصري الراحل نجيب محفوظ علي جائزة نوبل للأدب عام 1988 لم يتوقف قطار نوبل ابدا عند اي مبدع عربي، كما ان نجيب محفوظ هو الوحيد في العالم العربي الذي حصل علي هذه الجائزه واحد اربعه ادباء فحسب علي مستوي القاره الافريقيه كلها توجوا بنوبل.

ونصيب العرب من جوائز نوبل ككل بلغ حتي الان ست جوائز هي: جائزة نوبل للسلام للرئيس المصري الراحل انور السادات، وجائزه نوبل في الاداب للكاتب المصري الكبير نجيب محفوظ، وجائزه نوبل في الكيمياء للعالم المصري الاصل الدكتور احمد زويل، وجائزه نوبل في السلام للمصري الدكتور محمد البرادعي، عندما كان رئيسا لمنظمه الطاقه الذريه الدوليه، كما منحت هذه الجائزه في السلام لرئيس السلطه الفلسطينيه الرحل ياسر عرفات وللناشطه اليمنيه توكل كرمان.

ومن نافله القول ان حصه العرب من جوائز نوبل مازالت متواضعه قياسا لعددهم واسهاماتهم في شتي المجالات غير ان جوائز نوبل وخاصه في الاداب لاتاخذ بمعيار سعه المنطقه جغرافيا او لغويا.

وكان اسم الكاتبه والروائيه المصريه الدكتوره نوال السعداوي قد تردد ولو بصوره خافته ضمن توقعات جائزه نوبل في الاداب هذا العام، اما في عام 2011 فقال القاص والناقد البريطاني تيم باركز انني لم اعرف من قبل اي شيء عن الشاعر توماس ترانسومتر الفائز بجائزه نوبل وباستثناء بعض القصائد الطويله المتاحه حاليا علي شبكه الانترنت فانني لم اقرا له اي شيء معتبرا ان هناك حاجه للتوقف مليا عند اليات اختيار الفائز بجائزه نوبل في الادب.

وبفوز سفيتلانا اليكسفيتش بجائزه نوبل في الاداب هذا العام تكون قد انضمت لمنتدي جمع مابين الطالح والصالح؟!.. فلئن كانت جائزه نوبل في الادب قد ذهبت من قبل لعمالقه مثل: طاغور، وويليام بتلر ييتس، وجابرييل ماركيز، ونجيب محفوظ، فان نقادا لهم شانهم في الصحافه الثقافيه الغربيه مثل جون دوجدال مازالوا يتذكرون بمراره منح هذه الجائزه لرئيس الوزراء البريطاني الراحل ونستون تشرشل.

وكشف تيم باركز عن ان عضوين فحسب من اعضاء الاكاديميه السويديه اعترضا في السنوات الاخيره علي قرارات اتخذت في خضم المداولات حول الفائز بجائزه نوبل في الادب فيما تبقي المساله الاكثر اهميه هي مساله الاليات التي تحدد اسم الفائز بجائزه يفترض انها اهم جائزه ادبيه في العالم.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل