المحتوى الرئيسى

عامر: الرواية الجزائرية نضجت في وقت قصير

10/09 13:35

يتحدث الناقد الجزائري مخلوف عامر -في هذا الحوار الذي خصّ به الجزيرة نت- عن حقيقه ما يسمي "الدخول الادبي" في الجزائر، وبعض اشكالات الروايه الجزائريه التي يري خصوصيتها في قِصر تجربتها مقارنه بغيرها، وبعض المواضيع ذات الصله بالادب والكتابه السرديه.

والدكتور مخلوف عامر استاذ الادب بجامعه سعيده بالغرب الجزائري، وهو واحد من ابرز نقاد الادب في الجزائر، وينتمي الي جيل السبعينيات الذي افرز عددا من الروائيين الذين اخذوا شهره عربيه ودوليه، واختار هو دون غيره طريق النقد، وله في هذا المجال كثير من الاصدارات والمقالات التي واكبت تحولات المشهد الادبي منذ سبعينيات القرن الماضي.

 في مثل هذا الوقت من كل سنه، يكثر الحديث الاعلامي الجزائري عن "الدخول الادبي" لكنه لا يسفر في النهايه الا عن اصدارات محدوده في الشعر والنقد والروايه.. هل حقا هناك دخول ادبي في الجزائر؟

لا اتصور ان هناك دخولا ادبيا بالمعني الذي تعرفه بلدان متقدمه او كما نطمح اليه؛ فالدخول لا يقتصر علي الاصدارات بغض النظر عن طبيعتها ومدي ما تقدمه من اضافات من المفروض ان تكون نوعيه، وانما ينبغي ان يكون الدخول حصيله انشطه غنيه علي مدار السنه، وانْ يصبح -في الوقت ذاته- انطلاقه لبرامج مدروسه لا تخضع للمناسبات ولا النزوات، وهذه -للاسف- ليست حالنا.

اما الاصدارات، فانْ وُجدت او كانت محدوده، فانها غالبا تنام علي رفوف المكتبات بحكم ضعف المقروئيه، ولا باس في قلتها اذا كانت تستحق فعلا ان تنتمي الي الحقل الادبي، فالعبره ليست بالكم.

يخيل الي ان معظم الكُتاب لا يقرؤون بعضهم، فما بالكم بالمواطن الذي لم ينشا علي حب المطالعه، لا في البيت ولا في المدرسه. وما ان يترك الطفل الرضاعه حتي يجد نفسه منغمسا في عالم الشاشات المتنوعه ووسائل التواصل المختلفه والمغريات التي لا حد لها. فقصه الكتاب يشكو منها الناشر في تجارته، كما يعجز القارئ عن اقتنائه، فضلا عن ان يجلس ساعات وساعات لقراءته.

 هذه السنه ومثل سنوات سابقه، نسمع عن اصدارات روائيه لكتاب غير معروفين من قبل، لكن سرعان ما تختفي كثير من الاسماء بعد الاصدار الاول. فما السبب؟

سبق لي ان اطلعت علي اعمال بقيت يتيمه لكنها متميزه وواعده، فاما اختفاء اصحابها فلعله يعود الي وضْع اجتماعي او صحي نجهله، او قد يتوهم المرء في البدايه كسبا ماديا بواسطه الكتابه او نيل جائزه لكنه يُصاب بخيْبه امل فيغادر، ثم هناك هيمنه الاسماء المحتفي بها في الاعلام والبحوث الاكاديميه والتكريم وغياب المتابعه النقديه. كل ذلك من شانه ان يؤدي الي نوع من الاحباط لدي الكاتب المبتدئ؛ فالكتابه الادبيه -في مجملها- قناعه اكثر مما هي كسب مادي سريع.

 علي ذكر الروايه الجزائريه وانت متابع للاصدارات الجديده، كيف تقرا هذا المتن في عمومه؟

من المؤسف جدا ان يُختزل الادب في الروايه، وان تصبح الروايه مطيه للبحث عن شهره مفقوده الي درجه ان يتخلي الشاعر عن تجربته الشعريه او القصصيه بدعوي زائفه مفادها ان الروايه مجال ارحب للتعبير، وهو ما جعل النسبه الكبيره من الاصدارات الجديده لا ترقي الي ما بلغته الكتابه الروائيه في بلادنا، حتي اكاد اتوقع ان كثيرا من الكُتاب المبتدئين لا يقرؤون ولم يستثمروا الانجازات السابقه.

وحين يلتقي باحث عن شهره وناشر يبحث عن الربح السريع، فانه يكفي انْ يُكتب علي صفحه الغلاف كلمه روايه، وهكذا عوض بنيه متميزه نجد تخلخلا، وبدل الفكره العميقه نجد ثرثره لا حدود لها، واذا العمل الذي بين ايدينا لا هو سردٌ ممتع ولا هو يخلو من الاخطاء المتعلقه بالمبادئ الاوليه لقواعد اللغه.

في الاصدارات الجديده كتابات تنم عن موهبه وتستند الي خلفيه ثقافيه محترمه، لكني اخشي انْ ينجرّ اصحابها وراء التسرع في النشر بدل ان يعمقوا معارفهم ويثروا مخزونهم بمطالعه روائع الأدب العربي والعالمي وبقراءه الفلسفه والتاريخ، اذ يُقال انك قد تصادف فيلسوفا كبيرا من غير ان يكون اديبا، ولكن يستحيل ان تجد كاتبا كبيرا دون ان يكون فيلسوفا في ان.

 تداوم علي كتابه مقالات نقديه كامله للنشر في مواقع التواصل الاجتماعي.. كيف جاءت التجربه؟ وهل اصبح هذا الفضاء بديلا عن الصحافه الثقافيه التي يبدو انها تعاني مشكلات مزمنه؟

المقالات التي انشرها في هذا الموقع لا اعدها نقدا بالمعني الصحيح، بقدر ما اسعي من خلالها الي التعريف بالانتاج الادبي الجزائري، ولعل في ذلك توجيها ما للقارئ. ومن مزايا مواقع التواصل الاجتماعي سرعه النشر وكذلك ردود الفعل. وما دام يتساوي مع الصحافه الثقافيه في غياب المكافاه او الحافز المادي، فمن المنطقي انْ اجد فيه بغيتي.

 تعددت صفحات "الروايه الجزائريه" في الشبكات الرقميه، فكيف تقرا النقاشات التي تطرح في هذه المنابر، وهل خدمت الروايه فعلا؟

اعتقد بانها تجربه رائده ومهمه، من حيث انها تفسح المجال لتبادل الراي وحريه التعبير التي طالما شكوْنا فُقْدانها. لكنها من جانب اخر تنساق وراء موسم الهجره الي الروايه وتغفل الشعر والفنون النثريه الاخري، وقد تسيء الي الروايه اكثر مما تخدمها؛ لانها غالبا تنخدع بالجنس الادبي علي صفحه الغلاف، ناهيك عما يحكم بعض النقاشات من علاقات شخصيه ومجاملات حتي يظن الذين لا يعرفون الساحه الادبيه انه اصبح لدينا جيش كبير من الروائيين.

 كنت تمثل "الوجه النقدي" لجيل السبعينيات الادبي، فماذا تبقي من ذلك الجيل في ميدان الروايه؟ ولماذا جاءت علاقته "ملتبسه" مع الاجيال التي جاءت بعده؟

تجربه السبعينيات مضت زمنا، لكنها حاضره ادبا. لا اُنكر انها اتجهت توجها مضمونيا كان يتبني شعار الالتزام، وان كان كل ادب ملتزما من حيث انه يحمل فكره او دلاله ما لان ما يصنف علي انه انجح الاعمال الادبيه ليس لخلوه من ايه ايديولوجيا، بل لانها الاقدر علي اخفائها.

ولكن لا ينبغي ان نذكر ايضا ان فتره السبعينيات قد اسست لانطلاقه جديده تسعي الي ان تعيد للادب ادبيته. فاما الاصوات التي تتحامل علي هذه الفتره فهي تنظر الي المسار الادبي من زاويه القطيعه والتباهي بينما اراه انا من زاويه التواصل.

ثم ان اغلب الاسماء المحتفي بها اليوم هي من جيل السبعينيات، لانها مارست نوعا من النقد الذاتي، وراجعت تجربتها السابقه بحيث لم يعد الخطاب الايديولوجي السياسي هو الذي يحتل الصداره في اعمالها، بالاضافه الي استفادتها والجيل اللاحق ايضا من منجزات المدارس النقديه المعاصره، التي لم تكن قد تسربت الينا من قبل.

 وكيف تري خصوصيه الروايه الجزائريه ضمن المتن الروائي العربي؟

خصوصيه الروايه الجزائريه تعود الي انها تجربه قصيره بالقياس الي غيرها، ومع ذلك تمكّن بعض كُتابها من تجريب ارقي التقنيات. متعه السرد وخلخله التسلسل الزمني واللغه الشعريه والتخييل، اي توصلوا الي كتابه روايه جديده، بالرغم من انهم في كثير من الحالات اسسوا لانفسهم بجهود عصاميه بالنظر الي تخلف المناهج الدراسيه وفقر المكتبات، وغياب المجلات المتخصصه والصحافه الثقافيه العاجزه.

ثم ان مصدر الخصوصيه الاهم هو الواقع الجزائري المتميز، حيث انتقلت الكتابه الروائيه في بلادنا من استحضار الثوره والتاريخ الوطني علي نحو تمجيدي الي رؤيه نقديه لهذا التاريخ، وما لبثت ان انتقلت الي معانقه التراث العربي الاسلامي من منطلقات فكريه لا تقل قيمه عما هو سائد في الروايه العربيه.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل