المحتوى الرئيسى

مبادرة البشير للحوار السوداني.. مدعاة للتسوية أم تزكية للانقسامات؟

10/09 13:06

بعد مرور 21 شهراً علي مبادره الحوار الوطني، التي اطلقها الرئيس السوداني عمر البشير، تتجلي المفارقه في انها عوضاً عن خلق وفاق وطني، فاقمت الانقسامات السياسيه في هذا البلد الذي يشهد حروباً اهليه علي ثلاث جبهات، بحسب مراقبين سياسيين.

فعندما طرح البشير مبادرته، مطلع العام الماضي، حظيت بقبول احزاب معارضه مؤثره، لكن عند افتتاح مؤتمر الحوار رسمياً، غداً السبت، ستكون الطاوله خاليه من اغلب فصائل المعارضه الرئيسيه بشقيها المدني والمسلح.

ويُعتقد علي نطاق واسع، ان دافع البشير الي مبادره الحوار، هو الاحتجاجات الشعبيه التي شهدتها البلاد، في سبتمبر 2013، التي كانت الاقوي في مواجهته، منذ وصوله للسلطه عام 1989.

والاحتجاجات التي خلفت عشرات القتلي، تسببت فيها، اقرار خطه تقشف حكوميه، شملت رفع الدعم عن الوقود، وزياده الضرائب، كانت الاحدث ضمن اجراءات لجات اليها الحكومه لتعويض العجز الذي خلفه فقدان ثلاثه ارباع عائداتها النفطيه التي استحوذ عليها جنوب السودان، عندما انفصل عام 2011 ، حيث كانت تمثل اكثر من 50% من الايرادات العامه.

وبعد احتواء الاجهزه الامنيه للاحتجاجات، كشف الرئيس عن خطه اصلاحيه، شملت دعوه احزاب المعارضه والحركات المسلحه، الي الحوار الوطني، ما تسبب في انقسام وسط المعارضه.

فبينما اعلن كل من حزب “الامه القومي” بزعامه الصادق المهدي، و”المؤتمر الشعبي” بزعامه الاسلامي حسن الترابي، وحزب “الاصلاح الان” المنشق عن الحزب الحاكم بزعامه غازي صلاح الدين، قبول الدعوه، رفضتها بقيه الاحزاب والحركات المسلحه، وعددها 4 حركات، تمتد معاركها الي 8 ولايات من اصل 18 ولاية سودانية.

ورهنت الفصائل الرافضه لدعوه الحوار قبولها بتنفيذ حزمه شروط منها “وقف الحرب، والغاء القوانين المقيده للحريات، واليه مستقله للحوار”.

وابرز الاحزاب التي رفضت الدعوه هي الحزب “الشيوعي”، و”البعث العربي الاشتراكي”، و”المؤتمر السوداني”، وثلاثتها تتمتع بثقل نوعي في اوساط المهنيين، والمثقفين، والشباب والطلاب، وتتمتع بعلاقات جيده مع الحركات المسلحه التي تعمل ضمن تحالف عسكري منذ نوفمبر/تشرين ثان 2011 باسم “الجبهه الثوريه”.

وفي محاوله لحشد الدعم لعمليه الحوار، اصدر البشير، في ابريل 2014، حزمه قرارات قال انها لرغبته “الصادقه” في انجاح الحوار، شملت السماح لكل القوي السياسيه ممارسه نشاطها بحريه، وضمان حريه الاعلام، وتوفير الضمانات “الكافيه والمناسبه” لقاده الحركات المسلحه، للمشاركه في عمليه الحوار بالداخل.

وبالفعل شرعت احزاب المعارضه بما فيها الرافضه لدعوه الحوار في عقد مؤتمرات جماهيريه بالميادين العامه، دون ان تعترضها الاجهزه الامنيه، وحظيت انشطتها بتغطيه غير مسبوقه في وسائل الاعلام الرسميه، وخففت كثيراً من القيود المفروضه علي الصحف المستقله.

لكن وسط هذا الانفتاح السياسي اقدمت السلطات في خطوه مفاجئه علي اعتقال الصادق المهدي زعيم حزب “الامه القومي” اكبر احزاب المعارضه بالسودان، في مايو 2014، بسبب انتقادات قاسيه وجهها لقوات الدعم السريع التابعه لجهاز المخابرات وتساند الجيش في حربه ضد المتمردين باقليم دارفور، غربي البلاد.

وبعدها باسابيع، اقدمت السلطات ايضاً، علي اعتقال زعيم حزب “المؤتمر السوداني” ابراهيم الشيخ، لذات سبب اعتقال المهدي الذي انسحب بدوره من عمليه الحوار.

وفيما ارجع خبراء تحدثوا للاناضول، حينها، اعتقال المهدي والشيخ، لوجود “تيار داخل الحزب الحاكم رافض للحوار”، اقدمت الاجهزه الامنيه علي اجراءات استثنائيه اخري مثل اعتقال عشرات النشطاء الشباب، ومصادره نسخ وتعليق صدور صحف، ومنع احزاب من اقامه ندوات جماهيريه في ميادين عامه.

وفي خطوه نُظر اليها كتصعيد من المهدي، وقّع الرجل مع تحالف “الجبهه الثوريه” الذي يضم الحركات المسلحه في اغسطس 2014، اتفاقاً اُطلق عليه “اعلان باريس”، وشمل شروطاً مشتركه لقبول دعوه الحوار.

وحذر الطرفان، حزب المؤتمر الوطني الحاكم، من لجوئهما بالتنسيق مع كل القوي السياسيه بالبلاد، الي خيار “انتفاضه شعبيه”، ما لم يُستجب لشروطهما للحل السلمي، وابرزها وقف الحرب، وكفاله الحريات العامة، واطلاق سراح المعتقلين والمحكومين السياسيين.

ولتفادي تعثر عمليه الحوار، وسع الاتحاد الافريقي في ذات الشهر (اغسطس) تفويض الوسيط، ثامبو امبيكي، رئيس جنوب افريقيا السابق، ليشمل المساعده في انجاح عمليه الحوار الوطني بجانب وساطته بين الخرطوم، وجوبا، من جهه، والخرطوم ومتمردي الحركه الشعبيه قطاع الشمال (احدي فصائل الجبهه الثوريه)، من جهه اخري.

وبالفعل شرع امبيكي مطلع سبتمبر من العام الماضي، في اجراء مشاورات منفصله، بالعاصمه الاثيوبيه، مع مجموعه “اعلان باريس”، واليه (7+7) والتي تضم ممثلين للحزب الحاكم واحزاب المعارضه التي قبلت دعوه الحوار وابرزها حزب “الترابي” بجانب عدد من احزاب المعارضه الصغيره.

وانتهت المشاورات، الي توقيع كل طرف علي حده مع امبيكي، اعلان مبادئ للحوار، استجاب لجزء من مطالب المعارضه، مثل كفاله الحريات، واطلاق سراح المعتقلين والمحكومين السياسيين.

وبعدها اجاز الاتحاد الافريقي مقترحًا لامبيكي، يهدف الي عقد اجتماع بين الحركات المسلحه والحكومه، عبر مسارين، الاول يضم حركات دارفور، والثاني يضم الحركه الشعبيه قطاع الشمال التي تقاتل في مناطق متاخمه لجنوب السودان، بهدف “بناء الثقه”، تمهيداً لانخراطها في الحوار.

لكن المحادثات التي عُقدت في اكتوبر، باديس ابابا، لم تُحرز تقدماً، بسبب تمسك كل من حركات دارفور، والحركه الشعبيه، بالتفاوض من خلال منبر موحد يجمعهما مع بقيه احزاب المعارضه، وهو ما رفضته الحكومه.

ورداً علي انهيار المحادثات، وقعت مجموعه “باريس” علي اتفاق مع فصائل يساريه اخري، ابرزها الحزب “الشيوعي”، و”المؤتمر السوداني”، علاوه علي ائتلاف لمنظمات مجتمع مدني اًطلق عليه “نداء السودان” كاوسع تحالف للاطاحه بنظام البشير.

ونص الاتفاق علي ذات الشروط السابقه، لقبول عمليه الحوار التي سعي فريق الوساطه الافريقي لانقاذها بالتوقيع علي اتفاق شراكه مع الحكومه الالمانيه التي تتمتع الي حد ما بعلاقات جيده مع حكومه الخرطوم التي تعاني من عزله غربيه.

وبالفعل دعت الحكومه الالمانيه في فبراير/شباط الماضي، فصائل المعارضه الي اجتماع في برلين، هدفه توحيد رؤاها، لحل الازمه السودانيه، وترتب عليه موافقه هذه الفصائل علي المشاركه في اجتماع تحضيري مع الحكومه في اديس ابابا.

ابتداءً، رحب الحزب الحاكم بمخرجات اجتماع برلين، واعلن قبوله المشاركه في الاجتماع التحضيري الذي كان مقرراً له في مارس/ اذار الماضي، لكنه في اللحظات الاخيره اعلن رفضه المشاركه في الاجتماع.

وما عقّد الامر، اصرار الحزب الحاكم علي قيام الانتخابات العامه، والتي اُجريت فعليا في ابريل/ نيسان الماضي، وكانت المعارضه تدعو الي تاجيلها بما في ذلك حزب “الترابي” الذي لا يوجد خلافه الان حزب معارض ذو تاثير منخرط في عمليه الحوار، بعد انسحاب “الاصلاح الان” الذي اتهم الحزب الحاكم بـ”التنصل عن دفع استحقاقات الحوار”.

ومع مقاطعه احزاب المعارضه للانتخابات، اكتسح البشير السباق الرئاسي، بينما هيمن مرشحو حزبه علي مقاعد البرلمان، لكن هذه الخطوه، بحسب مراقبين، اثارت حفيظه فريق الوساطه الافريقي الذي يقوده امبيكي، وترتب علي ذلك صدور قرار من مجلس السلم الافريقي بشان عمليه الحوار رات المعارضه انه في “صالحها”.

وفي اغسطس الماضي، عقد زعماء القوي الموقعه علي اتفاق “نداء السودان” اجتماعاً مع مسؤولين في مجلس السلم الافريقي، بدعوه من فريق الوساطه، في خطوه احتجت عليها الخرطوم، ووصفتها بانها “سابقه منافيه لميثاق الاتحاد الافريقي”.

وعُقد الاجتماع عشيه جلسه لمجلس السلم الافريقي، استمع فيها الي بيان من امبيكي، واصدر في ختامها قراره رقم 539، الذي كلف بموجبه فريق الوساطه بالدعوه الي اجتماع تحضيري في اديس ابابا، الي جانب رفع تقرير للمجلس بعد 90 يوماً، يوضح “مدي انخراط الاطراف في حوار جاد”.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل