المحتوى الرئيسى

مدحت القصراوي يكتب: ثقافة الوحدة أو ضياع الفرص | ساسة بوست

10/08 18:56

منذ 5 دقائق، 8 اكتوبر,2015

تاريخيًا كانت اقوي حالات المسلمين عندما تتوفر فيهم قوتان: الالتزام والاجتماع.

اما الالتزام فنعني به التزام الاسلام والشريعه ورفض الشرك (الوثنيات والرده) او رد الشرائع (كمانعي الزكاه او علمانيه جنكيز خان!) او البدع كالروافض والخوارج.

وكل مرحله تاريخيه سيطر فيها اصحاب احد هذه الانحرافات كانت فتره انكسار للاسلام، كفتره البويهيين والعبيديين (الفاطميين).

ونعني بالاجتماع ان المسلمين امه واحده من دون الناس، ينسجم فيها جميع الاجناس والاوطان، يرفض الاسلام التمييز العرقي او القومي او القبلي ويسميها رايات عميه وعصبيات جاهليه؛ يحرّمها ويراها نتنه، ويتوعد من يرفعها او يقاتل عليها او يدعو اليها او يموت في سبيلها بالنار.

يحرّم تعالي علي المسلم ان يوالي كافرًا ضد اخيه فيظاهر الكافر علي المسلم في الظاهر (علانيه) يحارب معه ضد اخيه، او يتامر معه علي اخيه او يعطيه ارضه او مرافقه او بحاره لينطلق منها يحارب اخاه، وجعل تعالي اهل الدين الواحد كالنفس الواحده في ايات كثيره.

وعلي هذا فجعل تعالي للغضب الشخصي والشهوه الشخصيه حدودًا في رد الفعل، اذ ان كلتا القوتين العمليتين، الشهوه او الغضب، هما المسئولان عن ارادات الانسان وتصرفاته وعن اغلب التصرفات في هذا الباب خصوصًا.

واحيانـًا يكون الدافع هو الخوف وجعل له الاسلام ايضًا حدودًا في التراجع لا يجوز له تخطيها ولو قطع اربًا.

حرّم تعالي هجر المسلم لاخيه فوق ثلاث وحرّم كل ما يؤدي الي الخلاف والشقاق والتباغض في احكام كثيره كالبيع علي بيعه والخِطبه علي خِطبته والنجش والغرر وغيره. وامر بالصلح بين المسلمين ورغّب فيمن بات، وليس في صدره ضغينه او غش لمسلم، وجعل اجر الساعي في الصلح بين المسلمين اعظم من درجه الصائم القائم، وهكذا.

لذا فقد جعل تعالي دون الغضب والشهوه والخوف حواجز وحدودًا ضخمه تحول دون الانتقام الشخصي المفضي لتفريق كلمه المسلمين او الانتقام منهم بموالاه عدوهم، او التوصل لشهوه رياسه او مال ببيع امته او بعضها، او توقي اذي نفسه باذي قطاع من المسلمين او دار من دورهم.

الطبيعي والمنطقي ان يتحول هذا الكم من القيم والاحكام والاخلاق والعقائد الي ثقافه مستقره تمنع التفرق وتقدم التالف وتحفظ الامه، وقد حدث هذا كثيرًا وقدم الكثير دمه دون وحده الامه، وقدم الكثير نصحه وايثاره ومنع شهوته وكظم غيظه كذلك.

وفي المقابل استهان فريق اخر وغلبته شهوه دنيئه او غضب مدمر او خوف مفزع متراجع، والتاريخ مشحون، ولكن نسوق ثلاثه امثله تاريخيه لبيان خطوره الامر ومقدار ما ضيعنا من فرص امتلكناها ومقدرات لا تعوَض وجهاد ودماء وعرق مئات الالاف من المجاهدين.

1) هُزم خوارزم شاه امام جنكيز خان ومات

وبدا الاجتياح التتري لبلاده، لكن قدّر الله تعالي لابنه جلال الدين فرصه ان يحاول المواجهه وايقاف التدمير التاريخي؛ فكان هذا المشهد من التاريخ.

(بدا جلال الدين يُعِدُّ العده لقتال التتار، وجمع جيشًا كبيرًا من بلاده، وانضم اليه احد ملوك الاتراك المسلمين اسمه (سيف الدين بغراق)، وكان شجاعًا مقدامًا، وكان معه ثلاثون الف مقاتل، ثم انضم اليه ايضًا ستون الفًا من الجنود الخوارزميه الذين فروا من المدن المختلفه في وسط وشمال دوله خوارزم بعد سقوطها.

كما انضم اليه ايضًا (ملك خان) امير مدينه هراه بفرقه من جيشه، وذلك بعد ان اسقط جنكيزخان مدينته، وبذلك بلغ جيش جلال الدين عددًا كبيرًا، ثم خرج جلال الدين بجيشه الي منطقه بجوار مدينه غزنه تدعي (بلق)، وهي منطقه وعره وسط الجبال العظيمه، وانتظر جيش التتار في هذا المكان الحصين، ثم جاء جيش التتار!

دارت بين قوات جلال الدين المتحده وقوات التتار معركه من اشرس المواقع في هذه المنطقه، وقاتل المسلمون قتال المستميت؛ فهذه اطراف المملكه الخوارزميه، ولو حدثت هزيمه فليس بعدها املاك لها.

وكان لحميَّه المسلمين وصعوبه الطبيعه الصخريه والجبليه للمنطقه، وكثره اعداد المسلمين، وشجاعه الفرقه التركيه بقياده سيف الدين بغراق، والقياده الميدانيه لجلال الدين، كان لكل ذلك اثر واضح في ثبات المسلمين امام جحافل التتار.

واستمرت الموقعه الرهيبه ثلاثه ايام، ثم انزل الله تعالي نصره علي المسلمين، وانهزم التتار للمره الاولي في بلاد المسلمين! وكثر فيهم القتل، وفرَّ الباقون منهم الي ملكهم جنكيزخان، الذي كان يتمركز في (الطالقان) في شمال شرق افغانستان.

وارتفعت معنويات المسلمين الي السماء؛ فقد وقر في قلوب كثيرين قبل هذه الموقعه ان التتار لا يُهزمون، ولكن ها هو اتحاد الجيوش الاسلاميه في (غزنه) يؤتي ثماره؛ لقد اتحدت في هذه الموقعه جيوش جلال الدين مع بقايا جيوش ابيه محمد بن خوارزم شاه، مع الفرقه التركيه بقياده سيف الدين بغراق، مع ملك خان امير هراه، واختار المسلمون مكانًا مناسبًا، واخذوا بالاسباب المتاحه، فكان النصر.

واطمان جلال الدين الي جيشه، فارسل الي جنكيزخان في الطالقان يدعوه الي قتال جديد، وشعر جنكيزخان بالقلق لاول مره، فجهَّز جيشًا اكبر، وارسله مع احد ابنائه لقتال المسلمين، وتجهز الجيش المسلم، والتقي الجيشان في مدينه (كابول) الافغانيه.

ومدينه كابول مدينه اسلاميه حصينه تحاط من كل جهاتها تقريبًا بالجبال؛ فشمالها جبال هندوكوش الشاهقه، وغربها جبال باروبا ميزوس، وجنوبها وشرقها جبال سليمان.

ودارت موقعه كابول الكبيره، وكان القتال عنيفًا جدًّا، اشد ضراوه من موقعه غزنه، وثبت المسلمون، وحققوا نصرًا غاليًا علي التتار، بل انقذوا عشرات الالاف من الاسري المسلمين من يد التتار.

وفوق ارتفاع المعنويات، وقتل عدد كبير من جنود التتار، وانقاذ الاسري المسلمين، فقد اخذ المسلمون غنائم كثيره نفيسه من جيش التتار.

كانت هذه الغنائم وبالاً علي الجيش المسلم؛ روي البخاري ومسلم عن عمرو بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : “فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ اَخْشَي عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي اَخْشَي اَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَي مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا اَهْلَكَتْهُمْ”.

فتنه المال، وهلاك المسلمين، لقد وقع المسلمون في الفتنه!

قام سيف الدين بغراق امير الترك، وقام امير اخر هو ملك خان امير مدينه هراه، قام كل منهما يطلب نصيبه في الغنائم، فحدث الاختلاف، وارتفعت الاصوات، ثم بعد ذلك ارتفعت السيوف! وسقط من المسلمين قتلي علي ايدي المسلمين، وكان ممن سقط اخٌ لسيف الدين بغراق،

فغضب سيف الدين بغراق وقرر الانسحاب من جيش جلال الدين ومعه الثلاثون الف مقاتل الذين كانوا تحت قيادته! وحدث ارتباك كبير في جيش المسلمين، واصرَّ سيف الدين بغراق علي الانسحاب، فاستعطفه جلال الدين بكل طريق، وسار بنفسه اليه وذكَّره بالجهاد، وخوَّفه من الله تعالي، لكن سيف الدين بغراق لم يتذكر وانسحب بجيشه فعلاً!

وانكسر جيش المسلمين انكسارًا هائلاً، لقد انكسر ماديًّا، وكذلك انكسر معنويًّا!) راغب السرجاني قصه التتار.

وجاء في مصادر اخري ان جلال الدين ذكّرهم الله والاسلام، وبكي وقبّل الارض تحت ارجلهم لئلا ينسحبوا لكنهم غضبوا لانفسهم وصمّموا، ولم يلتفتوا الي مستقبل الاسلام نفسه.

تعليق: كان يمكن للمسلمين كسر التتار في البدايه والحفاظ علي وجودهم ومنع التاخر.

كان المسلمون هم الاقرب الي المال والقوه ومع التراكم الحضاري للعلوم والرياضيات والبدايات البسيطه للميكنه وكونهم علي قمه الحضاره التجاريه انذاك، فكانوا اقرب بكثير من اوروبا الي الثوره الصناعيه.

2) ايذاء مسلمي البربر الكرام في الاندلس

وكانوا يسكنون المناطق الشماليه كوضع ديمغرافي استراتيجي للمسلمين يمنع الهجمات من الشمال، فلما اوذوا بسبب الخلافات مع العرب القيسيه الشاميه، تركوا اماكنهم الشاسعه بلا حروب ورجعوا الي المغرب.

ومن ثم بدات العصابات المسيحيه تسكن المناطق الشماليه الوعره التي عجزت القوات الاسلاميه بعد ذلك عن دخول مناطقها، وللفراغ امامهم، تمكّنوا،

ثم اقاموا ممالك مسيحيه في البدايه (ليون وقشتاله) ثم بدات حركه الاسترداد؛ الاسترداد المسيحي، بدلاً من استكمال الفتح الإسلامي ليشرق نور الله تعالي علي باقي اوروبا،

ولكن ما حدث هو نجاح حركه الاسترداد بتزايد الفرقه، وسقوط الاندلس، وسقوط الاندلس هو تاريخ فارق؛ اذ بدات حركه استعمار العالم الإسلامى المستمره منذ خمسه قرون حتي هذه اللحظه في دورات متتاليه، كل قوه تسلم لاخري من البرتغال الي اسبانيا وهولندا، ثم بريطانيا وفرنسا، ثم امريكا وروسيا (الاتحاد السوفييتي)،

ثم تتنازع الان بقيه الضباع والذئاب ما تبقي من هذا الجسد ودعت غيرها ليشاركها، وما زالوا يرْعون وجود اسرائيل بدعم غربي لئلا يغيبوا عن المنطقه ولتبقي شوكه تفرق الامه.

3) مشهد لبدايه التصفيه في الاندلس.

(كانت بدايه التصفيه سنه 623هـ/1227م عندما عين عامل “اشبيليه” ابو العلا ادريس نفسه خليفه للموحدين في منافسه منه لابي يحيي زكريا بن الناصر الذي كان قد بويع له في “مراكش” اذ بايعته مشيخه الموحدين بعد ان ترك “مرسيه” في شرق الاندلس حيث كان واليًا عليها وقد لُقب بالعادل بينما تقلب ابو العلا ادريس بـ المامون.

وقد اخذ هذا الاخير كل ما عنده من قوات في الاندلس واتجه الي مراكش، وترك البلاد بدون حمايه، فاخذت العواصم الاندلسيه تسقط واحده اثر اخري في ايدي النصاري.

وفي الفتره من 633 الي 641 هـ/ 1236 ـ 1243م سقطت “قرطبه” و”اشبيليه” وجيان ومرسيه وبلنسيه والجزائر الشرقيه (البليار)، فلقد سقطت قرطبه مثلاً في يد فرناندو الثالث ملك قشتاله الملقلب بالقديس دون ان يدافع عنها احد. (راجع تاريخ المسلمين في المغرب والاندلس، د.عبد الله جمال الدين، ود. جمال فوزي).

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل