المحتوى الرئيسى

مراجعة لرواية "جنة على الأرض"

10/08 12:22

اكسير الحياه او الشباب الدائم، قضيه شغلت الانسان منذ ازمان بعيده، هذا ما تخبرنا به كتب الاساطير والحكايات الشعبيه في اكثر من منطقه في العالم. في روايته الثانيه "جنه علي الارض"، لا يبتعد فادي زغموت عن هذه الفكره، متخيّلاً ان التطور التكنولوجي سيجد حلولاً للامراض، احدها مرض الشيخوخه. 

تجري احداث الروايه في عام 2091، بعد ان تمكّن العلماء من اختراع حبه صفراء تحافظ علي الشباب، "ان العلاج السحري لعلامات الزمن اصبح في متناول الجميع علي شكل حبه صغيره صفراء اللون تعيد الحيويه لخلايا الجسد وتحمينا من الشيخوخه ومصاعبها وويلاتها. ظهور تلك الحبه قبل عشرين عاماً كان انجازاً بشرياً مبهراً. لم يكن ظهورها مفاجئاً تماماً لنا، لانها جاءت امتداداً للتسارع المطّرد للعلم في مجال التكنولوجيا الحيويه". 

ومنذ البدايه يضعنا الكاتب امام حالتين مختلفتين في العائله نفسها، فجنه عادت الي شبابها باستخدام الحبه، وقررت ان تعيش حياه مديده من دون ان تصل الي لحظه الموت. اما شقيقها جمال، وعلي الرغم من انه رجل علم، وساهم في ايجاد الكثير من العلاجات لامراض الشيخوخه، التي ساعدت في الوصول الي اختراع هذه الحبه، فانه يؤمن ان الحاله الطبيعيه هي ان يموت الانسان ويذهب الي خالقه، ليعيش حياه ما بعد الموت، لذلك رفض استعمال هذا الاختراع. وفضّل ان يعيش حياه طبيعيه، يصل فيها الي الشيخوخه ويعاني منها، ثم يغادر هذه الدنيا بالطريقه الاعتياديه. 

هكذا، تطرح الروايه الكثير من الاسئله الفلسفيه، والقضايا العميقه المتعلقه بفكره الخلود والموت، واهميه الوقت حين يصبح متوفراً من دون حدود، كما تطرح فكره امكانيه منح حياه جديده مرفهه لاولئك الناس الذين ولدوا فقراء، وعانوا من البؤس والشقاء. اما الفكره الاهم التي تناقشها، فهي احقيه الحياه، اذ تتساءل جنه في احدي المرات: "هل من الحكمه للبشريه ان توفّر علاج الشباب الدائم للجميع من دون اي معايير او استثناءات؟ هل يحق الشباب بشكلٍ متساوٍ لمن يملك عقلاً عاقلاً ومن لا يملك؟".

كذلك تطرح الروايه فكره حريه الاختيار، وابعادها الاخلاقيه، فهل يبقي الانسان حراً في ان يختار الشيخوخه، او انها ستعتبر مرضاً قابلاً للعلاج، وبالتالي يجب علي كل فرد تجنّب هذا المرض والعلاج منه، والا فانه سيكون في حكم المنتحر؟ هذا عدا ان كبار السنّ يصبحون غير منتجين، وتصرف الدول علي رعايتهم مبالغ طائله، فهل يجب احترام رغبتهم تلك، ام عليهم هم الرضوخ لمصلحه الدوله، ومراعاه البعد الاقتصادي لقرارهم ذاك؟ وعلي الطرف المعاكس، هل يحق للمجتمع ان يفرض رغبته تلك علي الانسان من دون احترام لخصوصيته وحقه في الاختيار؟ 

تثير الروايه ايضاً موضوع الحب والرغبه، وتسرب الروتين الي العلاقات العاطفيه، فجنه وزوجها عاشا معاً سبعين سنه متواصله، لكن الافكار تتوارد الي ذهنها، خصوصاً ان العمر اصبح الان غير محدود، "هل اريد ان اعيش المئه عام القادمه مع زيد؟ وان اردت ذلك، فماذا عن المئه عام التي تليها؟ كان من السهل كتم تلك الاصوات عندما كانت الشيخوخه جزءاً من المعادله، فالكبير يشعر بالعوز والحاجه، وعلاقتنا كانت قد تحوّلت الي علاقه عِشره اكثر من علاقه غرام. تلك العشره الجميله كانت كافيه في وقت كانت حيواتنا محدوده ونهايتها منظوره". 

زوج جنه سيفاجئها بقرار غريب اتخذه، سيزيد من حيرتها وتساؤلاتها، اذ انه يرغب في ان يعود الي طفولته. هكذا ستعيش جنه تجربه اخري جديده وغريبه عليها بعد ان ينكمش حجم زوجها ويصبح مراهقاً في عمر الثالثه عشره. تظهر الفنانه صباح، الشحروره في الروايه، كشخصيه ثانويه، علي اعتبار انها اول من جرّب "حبه الشباب"، فيرسم الكاتب مشاهد لحوارات معها، ومشاهد لحفلات جديده تحييها في عام 2091، بعد ان عادت الي صباها، واختارت البقاء الي ما لا نهايه علي هذه الارض.

كنتيجه طبيعيه لتنظيم معدل النمو السكاني، فالقانون في روايه جنه علي الارض، يمنع الولادات الجديده الا في حاله واحده فقط، هي فقدان احد افراد العائله. هكذا يصبح امام جنه فرصه ان تكون اماً اذا وافق اخوها جمال علي منحها ميراث حياته بعد ان يموت، وقد قررت ان تعيد امها الي الحياه، فالعلم اصبح قادراً علي زرع خليه في رحم المراه، تحوي الخارطه الجينيه لاي شخص لاعادته الي الحياه. 

يستفيد الكاتب من التطور التكنولوجي، فيذكر في روايته اختراعات تسهّل حياه الاشخاص، كالطابعه التي تطبع الطعام بمذاقات مختلفه، والملف الشخصي الالكتروني الذي يُظهر للاخرين المعلومات الشخصيه لكل انسان، وغيرها. تثير هذه الروايه تاملات وافره، وتحرّض قارئها علي التفكير في كثير من المسائل، وبرغم انها روايه تنتمي الي ادب الخيال العلمي، الذي يُنظر اليه عادهً بنوع من الاستخفاف، وبانه نمط من الادب الاقل قيمه، فان هذه الروايه استطاعت مناقشه افكار في منتهي الاهميه، واستطاعت ان تبرز تنوّع اختيارات الانسان، حين يكون لديه خيارات متنوعه، وكيف تتضارب رغباته مع رغبات الاخرين، مؤكده ان "الانسان هو الانسان" في كل زمان ومكان.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل